هل أسلم قرين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ». قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ» رواه مسلم (2814).
استفدت من والدي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رَحِمَهُ الله: أنه أسلم قرينه.
قال: وفيه رواية برفع الميم «فأسلمُ»، أي: أسلم من شره.
قلت: قال النووي رَحِمَهُ الله في «شرح صحيح مسلم»(2814): «فَأَسْلَمَ» بِرَفْعِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، فَمَنْ رَفَعَ قَالَ: مَعْنَاهُ أَسْلَمُ أَنَا مِنْ شَرِّهِ وَفِتْنَتِهِ، وَمَنْ فَتَحَ قَالَ: إِنَّ الْقَرِينَ أَسْلَمَ مِنَ الإسلام وصار مؤمنًا لا يأمرني إِلَّا بِخَيْرٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَرْجَحِ مِنْهُمَا، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الرَّفْعُ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاضُ الْفَتْحَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «فلا يأمرنى إلا بخير».
قال: وَاخْتَلَفُوا عَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ، قِيلَ: أَسْلَمَ بِمَعْنَى اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ، وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا فِي غَيْرِ «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» «فَاسْتَسْلَمَ».
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَارَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.
قَالَ الْقَاضِي: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي جِسْمِهِ وَخَاطِرِهِ وَلِسَانِهِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَرِينِ وَوَسْوَسَتِهِ وَإِغْوَائِهِ، فَأَعْلَمَنَا بِأَنَّهُ مَعَنَا؛ لِنَحْتَرِزَ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.