جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 7 مارس 2024

(1)مقتطف من دروس بلوغ المرام

 

قال رَحِمَهُ الله: بَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

الشرح: هذا من ألفاظ الكناية، فقضاء الحاجة كناية عن خروج البول والغائط، كما قال الصنعاني في «سبل السلام».

وهذه عادة العرب الكناية عن الألفاظ المستهجنة-المستقبحة، المستقذرة-، وهذا من البلاغة، وحسن التعبير.

وقضاء الحاجة من أعظم نعم الله على العبد، وهذا يدل على عناية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهذا العبد؛ إذ يسر الله له الطعام يأكله سائغًا، ويسر سُبحَانَهُ بهضمه ثم إخراجه، ولو احتبس البول أو الغائط لكان مضرًّا، لو طال حبسه فإنه يؤدي إلى أضرارٍ وقد يسبب التلف، وقد  قال هارون -أحد الأمراء- لابن السماك: عِظْني، فَقَالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، أرَأيْتَ إنْ مُنِعتَ شَرْبَةَ ماءٍ عنَدَ العَطَشِ أكنْتَ تَفْدِيْهَا بِنِصْفِ مُلْكِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أرأيتَ إنْ مُنِعْتَ خُرُوجَهَا عندَ الحاجَةِ، أكُنْتَ تَفْديهِ بالشَّطْرِ الآخَرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فما فرحُكَ بِشيءٍ قيمتُهُ شَرْبةٌ وبولةٌ ([1])؟!

فيجب أن نتأمل ونتذكر نعمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، نتذكر قيمة العافية والسلامة، والمريض لو استطاع أن يفدي نفسه بجميع ما يملك لفعل، وهارون الرشيد فيه خير، عنده زهد، وعنده غيرة على دين الله.

 وجاء في ترجمته أنه لَمَّا احْتُضِرَ الرَّشِيدُ أَمَرَ بِحَفْرِ قَبْرِهِ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَيْهِ فَاطَّلَعَ فِيهِ فَبَكَى؛ حَتَّى رُحِمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَنْ لا يَزُولُ مُلْكُهُ ارْحَمْ مَنْ قَدْ زَالَ مُلْكُهُ. حُمل إلى قبره؛ لينظر فيه وهو في الاحتضار، فبكى رَحِمَهُ الله حتى رحمه من حوله؛ تأثروا من بكائه.

فمالك الملك هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بخلاف ملوك الدنيا فإنه إلى الزوال، فعلى من أعطاه الله منزلة أو مالًا أو منصبًا أن يتواضع لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا يتكبر، فالله قادر أن يزيل عنه ما أعطاه من النعم([2]).

 

وبمناسبة ذِكر هارون الرشيد- كان أم ولد ([3]) لهارون الرشيد في القصر فسمعت جلبة أصوات- أصوات حركة المشي- فنظرت من القصر، فقالت: من هذا؟ قالوا: هذا عبدالله بن المبارك -وهو عالم خراسان ومفتيها وكان الطلاب ملتفين حوله، اجتمعت فيه خصال الخير لم يسبقه صحابة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إلا بصحبتهم إياه والغزو معه، وكان رَحِمَهُ اللهُ يحج عامًا ويرابط عامًا، وكان يتجر؛ من أجل النفقة على بعض طلبة العلم؛ ليتفرغوا لطلب العلم-  فقالت: من  هذا؟ قالوا: هذا عبدالله بن المبارك، فقالت: هذا والله هو الملك لا ملك هارون الرشيد الذي يجتمع الناس حوله لرغبة ورهبة. (لرغبة) أي: لرغبة في ماله، (ورهبة) أي: خوف منه.

فهذا فيه فضيله للعلم النافع، وكان والدي رَحِمَهُ اللهُ كثيرًا ما يردد هذا الأثر في مجالسه؛ تحفيزًا على طلب العلم، فهذا من رفعة العلم ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11].



([1])أخرجه الدينوري في « المجالسة وجواهر العلم »( 776)، والخطابي في «شأن الدعاء»(142)  عَنِ ابْنِ السَّمَّاكِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ، فَقَالَ لَهُ: عِظْنِي. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ مُنِعَ عَنْكَ الْمَاءُ سَاعَةً وَاحِدَةً كُنْتَ تفتيدها بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ مُنِعَ عَنْكَ الْبَوْلُ سَاعَةً وَاحِدَةً كنت تفتيدها بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَمَا تَصْنَعُ بِدُنْيَا لَا تَشْتَرِي بَوْلةً وَلَا شَرْبَةَ مَاءٍ؟!

([2]) وقد سُئل والدي رَحِمَهُ الله كما في مقطع صوتي: ماذا تعرف عن هارون الرشيد؛ لأننا نسمع ( الشباب المؤمن ) - الشباب المجرم - يسبونه في خطبهم؟

جواب والدي: الذي نعلم أنه  خليفة من خلفاء بني العباس رحمه الله تعالى، وهو كانت به غيرة على الدين، نُقل عنه- والله أعلم بثبوت السند- أنه خاطب السحابة، وقال لها : أمطري حيث شئتِ؛ فإنه سيأتيني خراجكِ أينما أمطرتِ.
فقد دوَّخ أعداء الإسلام، وهو الذي كاتب ملك الروم، وكتب ملك الروم إلى المسلمين يتهددهم، فقال: مِن هارون الرشيد إلى كلب الروم، الجواب ما ترى لا ما تسمع، فهزَّه.
فأولئك كانوا محافظين على بيضة الإسلام، أما هذا الشباب المجرم فهم أعداء السنة، وهم أعداء دعوة الإسلام من حيث هي، وهم هذا منهم معروف منهم بالسرقة ، وهذا معروف منهم بقطع الصلاة، وهذا وهذا..، فالمهم أن هؤلاء أناس تجمَّعوا ، وانظروا ما هذه التسمية؟ هذه التسمية -يا إخوان- دليل على أن الشيعة لا يخافون الله سبحانه وتعالى، يسمون الفسقة سُراق السيارات يسمونهم بالشباب المؤمن .
فالحمد لله -أظنها- انقطعت الفلوس من إيران فتفرقوا وضاعوا والحمد لله، والآن ما بقي لهم أثر .

([3]) (أم ولد) أي: مملوكة ولدت من سيدها.