هل تقرأ المرأة القرآن وهي حائض؟
المرأة تكون في أشد الحاجة عند انقطاعها عن الصلاة؛ لعذرها الشرعي، إلى قراءة القرآن؛ فإنه يعتريها الضعف الجَسدي، والتغيُّر النفسي، والقرآن يشرح الصدر، ويجلب الأنس والطمأنينة ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾[الرعد].
ويزيد في الإيمان، ويطرد الشيطان، فلا يلتفت إلى القول بالمنع، تقرأ المرأة القرآن من غير حرج ولا قلق، وتستغل أوقاتها في الخير عند عذرها، وتستغل أوقاتها في رمضان، وتقرأ القرآن في شهر القرآن، ولا حرج في ذلك.
وقد ذهب إلى جواز قراءة الحائض القرآن شيخ الإسلام كما في «الاختيارات» (1/211)، وتلميذه ابن القيم في «إعلام الموقعين» (3/30).
ونص كلام ابن القيم رَحِمَهُ الله: يجوز قراءة القرآن لها وهي حائض؛ إذ لا يمكنها التعوض عنها زمن الطهر؛ لأن الحيض قد يمتد بها غالبه أو أكثره، فلو منعت من القراءة لفاتت عليها مصلحتُها، وربما نسيت ما حفظته زمن طهرها، وهذا مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يمنع الحائض من قراءة القرآن، وحديثُ: «لا تقرأ الحائض والجنب شيئًا من القرآن» لم يصح؛ فإنه حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث. اهـ.
وذهب إلى جواز قراءة الجنب والحائض القرآن جماعة من أهل العلم، وهو اختيار الإمام البخاري، فقد قال في «صحيحه»: بَابٌ: تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ. ثم ذكر حديث عائشة المتقدم « فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ ..». وفقه الإمام البخاري في تراجمه.
قال الحافظ في «فتح الباري» بعد كلامٍ لبعضهم في المراد من تبويب البخاري: وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَه ابن رَشِيدٍ؛ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ وَغَيْرِهِ: إِنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ جَمِيعِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ.
ثم ذكر الحافظ أنه قَالَ بِالْجَوَازِ الطبري وابن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ.
وهذا قول ابن حزم في «المحلى»مسألة(116)قال: لأن ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا، فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ.
وهو قول والدي والشيخ الألباني رَحِمَهُم الله.
ويدل لجواز قراءة الجنب القرآن عموم حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «السلسلة الصحيحة» (406): في الحديث دلالة على جواز تلاوة القرآن للجنب؛ لأن القرآن ذِكر: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ [النحل: 44]. فيدخل في عموم قولها: «يذكر الله».
نعم، الأفضل أن يقرأ على طهارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم حين رد السلام عقب التيمم: «إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ». اهـ المراد.
ويدل أيضًا لجواز قراءة القرآن للجنب والحائض البقاء على الأصل، وهو الجواز.
[مقتطف من الدرس 23 من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]