جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 18 أكتوبر 2023

(56) الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها لوالدي رحمه الله

 

                  حديث في شأن امرأة أنها: لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ قَالَ: «غَرِّبْهَا» قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا». رواه أبو داود(2049).

استفدت من والدي رَحِمَهُ الله: الحديث ضعيف.

 

قلت: وَضَعْفُ هذا الحديث يرفع الإشكال، وهو المخالفة  لقوله تعالى: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)﴾.

 ولكنه من حيث السند رفعه منكر، فقد رفعه عبدالكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف، وخالفه هارون بن رئاب وهو ثقة فرواه مرسلًا.

وذكر الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في تفسير سورة النور أنه قد رواه النسائي من طريق هارون بن رئاب مسندًا، أي: موصولًا، قال: (إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ قَالَ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ)، فهذه الطريق معلة، فالحديث منكر يخالف الآية في عدم الاستمتاع بالزانية.

وطريق الحسين بن واقد معلة؛ فقد قال النَّسَائِيّ عن هذا الحديث: مُنكِر.

وقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.

قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» تفسير سورة النور رقم الآية(3): وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ مُضَعِّفٍ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ النَّسَائِيِّ، وَمُنكِرٍ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.

ثم ذكر ابن كثير رَحِمَهُ الله  من وجَّهَ هذا الحديث وقال:

 وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا سَخِيَّةٌ لَا تَمْنَعُ سَائِلًا.

 وَحَكَاهُ النَّسَائِيُّ فِي «سُنَنِهِ» عَنْ بَعْضِهِمْ، فَقَالَ: وَقِيلَ: سَخِيَّةٌ تُعْطِي.

 وَرُدَّ هَذَا بِأَن لَوْ كَانَ الْمُرَادَ لَقَالَ: لَا تَرُدُّ يَدَ مُلتَمِسٍ.

 وَقِيلَ: المُرَادُ أَن سَجِيَّتَهَا لَا تَرُدُّ يدَ لَامَسٍ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّ هَذَا وَاقِعٌ مِنْهَا وَأَنَّهَا تَفْعَلُ الْفَاحِشَةَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْذَنُ فِي مُصَاحَبَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهَا، فَإِنَّ زَوْجَهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَكُونُ دَيُّوثًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَعِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ سَجِيَّتُهَا هَكَذَا لَيْسَ فِيهَا مُمَانَعَةٌ وَلَا مُخَالَفَةٌ لِمَنْ أَرَادَهَا لَوْ خَلَا بِهَا أَحَدٌ، أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِرَاقِهَا، فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُحِبُّهَا أَبَاحَ لَهُ الْبَقَاءَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ مَحَبَّتَهُ لَهَا مُحَقَّقَةٌ وَوُقُوعَ الْفَاحِشَةِ مِنْهَا مُتَوَهَّمٌ، فَلَا يُصَارُ إِلَى الضَّرَرِ الْعَاجِلِ؛ لِتَوَهُّمِ الْآجِلِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.