قوله رَحِمَهُ اللهُ: (الأَصلُ الثَّالِثُ) من ثلاثة الأصول: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (مَعرِفَةُ نَبِيِّكُم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ: مُحَمَّدُ بنُ عَبدِاللهِ بنِ عَبدِالمُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ) نسب النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.
وإلى عدنان متفق عليه بين النسَّابين، وما فوق ذلك مختلف فيه.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَاشِمٌ مِن قُرَيشٍ) روى الإمام مسلم (2276) عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
«اصْطَفَى» أي: اختار.
فهذا الحديث دليل على أن بني هاشم من قريش.
وهنا قاعدة في الأنساب: كل هاشمي قرشي، وليس كل قرشي هاشميًّا.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَقُرَيشٌ مِنَ العَرَبِ) من أصول العرب، من كنانة من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله.
وقريش: هو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
وقيل: هو النضر بن كنانة-أي: جد فهر بن مالك-ابنِ خُزيمةَ بنِ مُدرِكةَ بنِ إلْياسَ بنِ مُضَرَ.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَالعَرَبُ مِن ذُرِّيَّةِ إِسمَاعِيلَ بنِ إِبرَاهِيمَ الخَلِيلِ عَلَيهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ) ظاهر كلامه رَحِمَهُ اللهُ أن العرب كلهم العدنانية والقحطانية من ذرية إسماعيل بن إبراهيم.
ولم يختلفوا أن العدنانية من ذرية نبي الله إسماعيل، ونقل الإجماع عليه ابن عبد البر رَحِمَهُ الله.
وأما القحطانية فاختلفوا على قولين:
أحدهما: أنهم ليسوا من ذرية إسماعيل، وهذا قول جمهور أهل الأنساب، وذهب إليه ابن حزم، ورجحه ابن تيمية.
والقول الثاني: أنهم من ذرية إسماعيل.
وتبويب البخاري(بَابُ نِسْبَةِ اليَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ) يفيد ترجيح هذا القول الثاني، حيث جزم بنسبة اليمن إلى إسماعيل، ورجحه الحافظ ابن حجر.
فائدة: قبائل اليمن قحطانيون.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (الخَلِيلِ عَلَيهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ)
الخليل لقب لنبي الله إبراهيم، والخلة أرفع من المحبة.
ولم يتخذ الله عَزَّ وَجَل من خلقه خليلًا سوى نبيين: نبينا محمد، وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَهُ مِنَ العُمرِ ثَلَاثٌ وَسِتِّونَ سَنَةً) توفي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وعمره ثلاث وستون سنة.
(مِنهَا أَربَعُونَ قَبلَ النُّبُوَّةِ) أي: نُبِّئ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين.
(وَثَلَاثٌ وَعِشرُونَ نَبِيًّا رَسُولًا) هذه مدة النبوة ثلاث وعشرون عامًا.
(نُبِّئَ بِـ ﴿اقْرَأْ﴾[العلق: 1]) نزلت الخمس الآيات الأولى من سورة العلق.
(وَأُرْسِلَ بِالمُدَّثِّرِ) يعني: الآيات الأولى منها.
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نبئ بسورة اقرأ –والمراد: كما سبق الخمس الآيات الأولى-، وأرسل بأول المدثر.
(وَبَلَدُهُ مَكَّةَ) قال تَعَالَى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: 13]. أي: مكة، كما في كتب التفسير.
(وَهَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ) البلدة التي هاجر إليها النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ المدينة.
(بَعَثَهُ اللهُ بِالنَّذَارَةِ عَنِ الشِّركِ وَيَدعُو إِلَى التَّوحِيدِ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)﴾ ...)
﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾، يُنذِر عَنِ الشِّركِ وَيَدعُو إِلَى التَّوحِيدِ. ينذر عن غضب الله، ينذر عن النار.
﴿ فَكَبِّرْ ﴾ أَي: عَظَمَهٌ بِالتَّوحِيدِ، فمن لم يوحد الله عَزَّ وَجَل لم يعظمه.
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ الآية أعم تشمل: تطهير الأعمال من الشرك، وتطهير الأخلاق من الأخلاق السيئة، وطهارة القلب، وتشمل أيضًا الطهارة من النجاسة الحسية.
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾، الرُّجزُ: الأَصنَامُ.
﴿ فَاهْجُرْ﴾ أي: اترك عبادتها، وتبرأ إلى الله منها ومن أهلها.
﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾ أي: لا تعطِ عطاءً وتطلب أكثر مما أعطيت.
﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) ﴾ أي: اصبر لحكم ربك الشرعي والقدري.
(أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشرَ سِنِينَ يَدعُو إِلَى التَّوحِيدِ) أي: استمر على هذا يدعو إلى التوحيد.
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وهو بمكة كان تركيز دعوته على التوحيد ثلاثة عشر عامًا، وقد يدعو إلى غير التوحيد من شرائع الإسلام.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَبَعدَ العَشرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ) أي: في السنة الحادي عشرة.
وهذا التحديد مختلف فيه بين أهل السير، فعلى هذا القول يكون الإسراء والمعراج قبل الهجرة بثلاث سنين، ومنهم من قال: بسنة ونصف، إلى غير ذلك.
ولا نعلم في أي شهر عُرج بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أما ما اشتهر بين الناس أنه عرج به على سبعة وعشرين في شهر رجب، فهذا ليس عليه دليل صحيح.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَفُرِضَت عَلَيهِ الصَّلَوَاتُ الخَمسُ) يعني: فرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج بمكة قبل الهجرة، فلما هاجر النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أُتمت الرباعية؛ لأنها أول ما فرضت ركعتين.
(وَصَلَّى فِي مَكَّةَ ثَلَاثَ سِنِينَ) الحادي عشرة والثاني عشرة والثالث عشرة، وهذا على قول بعضهم كما تقدم.
(وَبَعدَهَا أُمِرَ بِالهِجرَةِ إِلَى المَدِينَةِ) أي: بعد ثلاثة عشر عامًا من البعثة.