عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلالٍ: «عِنْدَ صَلاةِ الفَجْرِ يَا بِلالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ».
قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري: «دَفَّ نَعْلَيْكَ، يَعْنِي: تَحْرِيكَ» والحديث رواه البخاري (1149)، ومسلم (2458).
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ». رواه مسلم (810). وأبو المنذر كنية أبي بن كعب.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ»، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ؟ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ العَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ» رواه البخاري (466).
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ! يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ»، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ! قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»، رواه البخاري (3294)، ومسلم (2396) وأثنى على عثمان وعلي بن أبي طالب وغيرهم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
فالثناء في الوجه في موضعه لا بأس به، ومع أمنِ الفتنة على الممدوح، وقد يكون فيه تشجيع للطالب وللعابد على الثبات على العبادة، وعلى طلب العلم والاجتهاد، وفي ثناء المعلم على تلميذه بيان منزلته، فيعرف الناس أن عنده علمًا وأنه مستفيد، فيرجعون إليه ويستفيدون منه، وخاصة بعد موت الشيخ.
وأذكر أن اثنين من طلاب والدي رَحِمَهُ اللهُ كانا يعترضان على تزكيات والدي لطلابه، أما أحدهما فقال في كلمة له-؛ لأن الطلاب منهم من كان يقوم بين يدي الوالد رَحِمَهُ اللهُ ويتكلم بنصيحة، أو يتكلم على تنبيه يحتاج إليه الطلاب، وهذا جاء زائرًا-، فقال في كلمته: لا نحتاج إلى الثناء وحذر الطلاب من المدح، فبعد أن انتهى من كلمته تعقب عليه والدي رَحِمَهُ اللهُ، وقال: أنترك الثناء على إخواننا؟! والإخوان المسلمون يثنون على أصحابهم، ويقولون: دخل الشيخ، خرج الشيخ. فما وافقه رَحِمَهُ اللهُ.
وأما الآخر كان معترضًا على الترجمة التي هي بقلم الوالد رَحِمَهُ اللهُ، فإنه ذكر مجموعة كبيرة من طلابه، فاعترض على هذه التزكيات بقوة، وقال عن نفسه: لا يرغب أن يُذكر في تلك الترجمة؛ لأنه يخشى من فتنة المدح والعجب، ولم يلتفت الوالد رَحِمَهُ اللهُ إلى كلامه؛ للمصلحة.