القليل من يصفو من طلاب العلم
كان والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-وكان في حلقته نحو: السبعمائة أو الستمائة-، يقول: لو صفَا من هؤلاء عشرة، فخير كبير. أو بهذا المعنى.
قلت: يُذكِّرُني هذا بأثرين:
أحدهما: يقول أبو داود سليمان بن داود الطيالسي رَحِمَهُ اللهُ: كُنْتُ يَوْمًا بِبَابِ شُعْبَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ مَلْآنَ، قَالَ: فَخَرَجَ شُعْبَةُ فَاتَّكَأَ عَلَيَّ، وَقَالَ: يَا سُلَيْمَانُ، تُرَى هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَخْرُجُونَ مُحَدِّثِينَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: صَدَقْتَ، وَلَا خَمْسَةٌ؟ قُلْتُ: خَمْسَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَكْتُبُ أَحَدُهُمْ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ إِذَا كَبِرَ تَرَكَهُ، وَيَكْتُبُ أَحَدُهُمْ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ إِذَا كَبِرَ يَشْتَغِلُ بِالْفَسَادِ، قَالَ: فَجَعَلَ يُرَدِّدُ عَلَيَّ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثُمَّ نَظَرْتُ بَعْدُ، فَمَا خَرَجَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ. رواه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»(94).
الثاني: قال الْفِرْيَابِيُّ- وهو: محمد بن يوسف -: قَالَ لِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَوْمًا - وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ - فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، «تُرَى هَؤُلَاءِ مَا أَكْثَرَهُمْ، ثُلُثٌ يَمُوتُونَ، وَثُلُثٌ يَتْرُكُونَ هَذَا الَّذِي تَسْمَعُونَهُ، وَمِنَ الثُّلُثِ الْآخَرِ مَا أَقَلَّ مَنْ يَنْجُبُ». رواه الخطيب في «جامعه»(95)، والأثران ثابتان.
فالقليل من يثبت، يكون المكان ملآن، ويكتظُّ بالحاضرين، والقليل منهم من يثبت ويستمر في طلب العلم، هذا يُشغل بمسؤولية، وهذا يُشغل بصوارف، وهذا يُشغل بأمراض، وهذا يَضْعف، وهذا يُفتن بالدنيا، والصوارف لا تحصر، نسأل الله العافية.