الكلام على صفة التعجب لله عَزَّ وَجَل
التعجب كما قال الفاكهي في «مجيب الندى شرح قطر الندى»(2/271): انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر خفي سببُه وخرج عن نظائره. اهـ.
وهذا التعريف أكثرهم يذكره، وبنى عليه أهلُ الكلام وكثير من النحويين نفي صفة التعجب لله عز وجل، كما يتطرق بعض النحويين للكلام على نفي صفة التعجب في هذا الموضع من كتب النحو؛ من باب التنبيه-زعموا- على تنزيه الله عَزَّ وَجَل عن إثبات هذه الصفة؛ لأن التعجب يصدر عند غرابة حدوث الشيء ومفاجأته، وكما قيل: إذا عُلِم السبب بطل العجب.
وقالوا: لو أثبتت هذه الصفة لثبتت صفة الجهل، وأن الله عَزَّ وَجَل لا عِلم له قبل وقوعه، ولكن هذا المعنى في حق المخلوق وليس في حق الخالق؛ لأن علم الله سبحانه أزلي، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) ﴾ [الأحزاب:40]. ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)﴾ [يونس:61].
والتعجب ليس محصورًا فيما خفي سببه، فقد يطلق على هذا، وقد يطلق على الشيء الذي خرج عن نظيره.
قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد»(60): والعجَبُ نوعان: أحدهما: أن يكون صادرًا عن خفاء الأسباب على المتعجِّب، فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه، وهذا النوع مستحيل على الله؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء.
الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره، أو عما ينبغي أن يكون عليه، مع علم المتعجِّب، وهذا هو الثابت لله تعالى. اهـ.
فالله سبحانه يتعجب عند خروج الشيء عن نظائره لا عن جهل بالعلم به، أو عما ينبغي أن يكون.
وقد جاءت الأدلة في إثبات هذه الصفة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ [الرعد:5]. على أحد القولين للمفسرين ﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾ أي: أن الله عَزَّ وَجَل يتعجب من قولهم.
والقول الثاني: المراد به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في الموضِعين. قال ابن جرير في تفسير سورة الصافات: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾، قال: إن تعجب من تكذيبهم، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال، فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة، إن تعجب من هذه فتعجَّب من قولهم: ﴿أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد﴾. هذا أثرٌ صحيح.
يونس: ابن عبد الأعلى الصدفي، وهو: ثقة.
وهذه فائدة إسنادية، إذا وجدنا في « تفسير ابن جرير الطبري»: يونس عن ابن وهب، فيونس بن عبد الأعلى، وابن وهب: عبد الله المصريان.
وفي قراءة عبدالله بن مسعود: ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ(12)﴾ [الصافات:12]. بتاء المتكلم ﴿عَجِبْتُ﴾ وهو الله سبحانه، وفي «صحيح مسلم»( 2054) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ».
وهناك أدلة أخرى تدل على صفة التعجب لله عَزَّ وَجَل، وإن لم يكن فيها لفظ التعجب، مثل قول الله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة:28]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ﴾ [البقرة:175]، وقوله تعالى: ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم:38].
والنافون لإثبات هذه الصفة يؤوِّلُونها، منهم من قال: ما ورد منه في كلامه العزيز فهو مصروف إلى المخاطَب، وهذا الذي ذكره الفاكهي في «مجيب الندى شرح قطر الندى» (2/271)، ومنهم من أوَّل هذه الصفة بالرضا، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» حديث رقم (3010): وقد تقدم توجيه العجَب في حق الله في أوائل الجهاد، وأن معناه الرضا، ونحو ذلك.
وهذا باطل؛ لأن من العجب ما يكون عن رضا الله عَزَّ وَجَل به واستحسانه، ومنه ما يبغضه ويسخطه.