جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 29 يناير 2023

(12) اختصار درس الشرح الحثيث

 الشاذ

في اللغة: التفرد.

تعريف الشاذ في الاصطلاح: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.

وقال الحافظ ابن حجر في «نزهة النظر»(72): الشَّاذَّ: ما رواهُ المقْبولُ مُخالِفًا لِمَنْ هُو أَوْلَى مِنهُ.

تعريف الشافعي: وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى النَّاسُ، وَلَيْسَ مِن ذَلِكَ أَنْ يَرْوِيَ مَا لَم يَرْوِ غَيْرُهُ.

أي: ليس من الشاذ أن يتفرد الثقة برواية حديث مستقل، هذا فرد، ولكنه لا يدخل في الشاذ.

وهناك تعريف الخليلي والحاكم للشاذ، والمعتمد ما سبق.

تعريف الخليلي: أَنَّ الشَّاذَّ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ يَشِذُّ بِهِ ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ، فَيُتَوَقَّفُ فِيمَا شَذَّ بِهِ الثِّقَةُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَيُرَدُّ مَا شَذَّ بِهِ غَيْرُ الثِّقَةِ.

وهذا يفيد: أن تعريف أبي يعلى الخليلي للشاذ: التفرد المطلق، وهذا فيه إشكال.

أما الإمام العراقي في «التقييد والإيضاح» (101) فأجاب عن قول الخليلي، وقال: ولكن الخليلي يجعل تفرد الراوي الثقة شاذًّا صحيحًا، وتفرد الراوي غير الثقة شاذًّا ضعيفًا. اهـ.

تعريف الحاكم: هُوَ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الثِّقَةُ، وَلَيْسَ لَهُ مُتَابِعٌ.

هناك تفردات من الثقات صحيحة في «الصحيحين»، وفي غيرهما تُشْكل على تعريف الخليلي والحاكم، منها:

حديث الأعمال بالنيات الراوي عن عمر بن الخطاب علقمة بن وقاص الليثي، وعن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم تواتر عن يحيى بن سعيد الأنصاري.

حديث عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر رواه البخاري (2155)، ومسلم (1504)، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ. وقد تفرد به عبدالله بن دينار عن ابن عمر.

الشاهد: أن الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أورد بعض أحاديث الأفراد؛ ليدل أن قول الخليلي والحاكم فيه إشكال، ثم رجح قول الشافعي رَحِمَهُ اللهُ، وعلَّلَ لهذا بأنَّهُ لو رُدَّ-أي: لو رُدَّ التفرد مطلقًا- فيرد أحاديث كثيرة، وتتعطل كثير من المسائل عن الأدلة.

وَأَمَّا إِنَّ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِهِ ليس حفظه تامًّا، لكنه عدل خفيف الضبط، وهذا مثل: صدوق يخطئ، صدوق له أوهام، هذه المنزلة في رتبة الحَسَن ما لم يكن مِنْ أوهامِهِ فيُرد.

أما من كان لا يحتمل التفرد؛ لقصوره في العدالة والضبط عن رتبة القبول، فهذا من قسم المردود.

مسألة: الشاذ من قسم الصحيح أم الضعيف؟ من قسم الضعيف المردود، فلا يعتضِدُ بغيره.

من أمثلة الشاذ:

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ». رواه أبو داود(1039).

ولفظة: ثم تشهد، شاذة؛ شذ بها أشعث بن عبد الملك الحمراني.

-عن وائل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- في وصف صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقال: فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا. أخرجه أحمد (31/160والنسائي (889) عن وائل بن حجر.

 زيادة «يُحَرِّكُهَا» شاذة؛ شذ بها زائدة بن قدامة، وقد تفرد بها من بين سائر الرواة، حتى إني سمعت والدي رَحِمَهُ الله يقول: إن لم تكن هذه اللفظة شاذة فليس في الدنيا شاذ.

فائدة: الشاذ عند النحويين: ما خالف القواعد.

الشاذ عند أهل الحديث: مخافة المقبول لمن هو أولى منه.

الشاذ عند أهل الفقه: ما خالف الدليل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الْمُنْكَرُ

تعريف المنكر: مخالفة الضعيف لمن هو أولى منه.

وقد يطلق المنكر على: تفرُّد الضعيف برواية حديث وإن لم يخالف.

وهذا الثاني هو قول البيقوني رَحِمَهُ الله في «المنظومة» حيث يقول:

وَالمُنْكَرُ الْفَرْدُ بِهِ رَاوٍ غَدَا

♣♣♣

تَعْدِيلُهُ لا يْحمِلُ التَّفَرُّدَا

والمشهور الأول. والإمام أحمد وبعضهم قد يطلق المنكر على الفرد، حتى ولو كان المتفرد به ثقة.

من أمثلة المنكر:

عن ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ، وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ» رواه أبو داود (1413).

لفظة «كَبَّرَ» منكرة؛ من طريق عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف، والحديث أصله في «الصحيحين»، بدون هذه اللفظة.

وقد ضعف الحديث بهذا اللفظ العلامة الألباني في «تمام المنة» (217وكذلك والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله.