ذَمُّ الترفِ وأهلِهِ
قال تعالى عن أصحاب الشمال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)﴾[سورة الواقعة].
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾[ المؤمنون: 33].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)﴾[سبأ].
وقال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)﴾[الزخرف].
وقال سبحانه: ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾[هود: 116].
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)﴾[ الإسراء: 16].
﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ أمرٌ كوني قدري وليس أمرًا شرعيًّا دينيًّا؛ لأن الله عَزَّ وَجَل لا يأمر شرعا بالفسق والعصيان.
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ(14)﴾[الأنبياء].
في هذه الآيات المباركات ذمُّ الترف وأهله، وأن الترف مِن أسباب العناد وردِّ الحق.
فأهل الترف منبعُ الفساد والضياع؛ لأنهم تغلب عليهم شهواتُهم وملذَّاتهم، قال تعالى: ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) ﴾[ الأنبياء: 44]، متَّعهم الله ووسع عليهم في الأرزاق وأطال أعمارهم في رغدٍ ونعمة فأضلتهم وفتنتْهم.
الترف قد يُنسي الذكر، قال تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)﴾ [ الفرقان]، وهذا من مفاسد الترف.
والشاعر يقول:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
الجِدة :المال والغنى.
وغالبًا أهل الترف ليس عندهم وقت للعبادة، وقلوبهم مشغولة بالملذات والشهوات، أرداهم وأطغاهم الغنى والترف، قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾[العلق: 6-7].
ولهذا نجد أغلب أتباع الرسل هم الضعفاء والفقراء وليس الأغنياء، قال قوم نبي الله نوح: ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) ﴾[الشعراء: 111].
وهرقل سأل أبا سفيان وقَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ..الحديث وفيه قَالَ: وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. رواه البخاري(7)، ومسلم (1773)عن أبي سفيان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وغالبًا الذي يصبر على العبادة والعلم والمكاره هم الفقراء والضعفاء، وليس الأغنياء الأثرياء، هذه حكمة الله وسنته في خلقه( ما كان لهم الخيرة).
ومَن سلك طريق السعادة منهم-وقليل ما هم- واستقام على دينه، واستغل ماله فيه الخير من بذل الصدقات وإعانة المحاويج وصلة الأرحام والقيام بحق الله فيه فهذا نعمة عليه، روى الإمام أحمد (29/ 298)عن عمرو بْنِ الْعَاصِ: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: يَا عَمْرُو، نِعْمًا بِالْمَالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ. والحديث في«الصحيح المسند»(1006)لوالدي رَحِمَهُ الله.
وإن حملَه الخير والأرزاق على الطغيان، وقاده إلى الشر والفساد والعناد فهذا نقمة واستدراج وبلاء، قال تَعَالَى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)﴾[ الأنبياء: 35 ].