جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 21 مايو 2022

(18) سلسلة النساء الفقيهات

 

    مِنْ فقْهِ أسماء بنت أبي بكرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ: خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، أَوْ سِتَّةَ آلَافِ دِرْهَمٍ.

 قَالَتْ: وَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ، قَالَتْ: قُلْتُ: كَلَّا يَا أَبَهْ، إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا.

 قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا، فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةِ الْبَيْتِ، كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ، ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ. قَالَتْ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، إِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا لَكُمْ بَلَاغٌ. قَالَتْ: وَلَا وَاللهِ، مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُسْكِنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ.

رواه أحمد(44/25)، والحديث حسن؛ من أجل محمد بن إسحاق صاحب «السيرة».

هذا الحديث العظيم في سياق هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبِهِ أبي بكرٍ الصديق، من مكة إلى المدينة، وقد اشتمل على أوصاف جليلة تدل على فقْهِ أسماء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وفضلِهَا ومكانتِهَا:

كتمانُها للسِّرِّ.

فقد كتمَتْ سِرَّ هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبيها، ولم تُفشِهِ لأحدٍ.

 وكتمت من جدِّهَا أبي قحافة -وكان مشركًا آنذاك إذ لم يسلم إلا عام الفتح-، أخذ أبيها

 أبي بكر المال كلَّه، وقد قال لها: وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. أي: أن أبابكرٍ

 الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لم يكتفِ بفجيعة أهله بنفسِه، بل وبمالِه.

وكتمان السرِّ خصلة عزيزة، القليل من يصبر على كتمانِهِ.

دليلٌ على قوة إيمانِهَا وتوكِّلِها على الله، غير مبالية بأخذ أبيها المال كلَّه في الهجرة؛ لأنها

 واثقة بالله سبحانه أنه لن يضيعهم وأنهم في كلاءَتِه وحفظه.

محبتها للإيثار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ فلم تشتكي إلى جدِّها من فعْلِ أبيها.

أَدَبُها مع جدِّها وملاطَفَتُهَا له، ومناداتها له: يَا أَبَهْ.

فِطْنتُها وحِكْمَتُهُا وَحُسْنُ تصرُّفِهَا في تسكين الجد؛ فقد جمعت حجارة ووضعت عليها ثوبًا في مكانٍ كان أبو بكر يضع فيه مالَهُ، مما ظنَّ الشيخ أنه المال.

هذا بعضُ فضائلِهَا من هذا الحديث، ولا غروَ إنها تربية أبي بكرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا!