جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 9 يناير 2022

(87)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ

 

 [سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 69]

﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكًا هُمْ ناسِكُوهُ﴾إلى قوله:﴿ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)﴾

﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكًا﴾

في المراد بالمنسك أقوال:

 

أحدها: المراد بالمنسك: الموضع المعتاد عند الناس الذي يترددون إليه في خير أو شر. وهذا اختاره ابن جرير.

الثاني: أن المراد ﴿مَنْسَكًا﴾ أي: شريعة، أي: وضعنا لكل أمة شريعة خاصة فلا تتعداها، وهذا القول رجحه الشوكاني في «فتح القدير»؛ لأن الله سبحانه قال: ﴿هُمْ ناسِكُوهُ﴾ ولم يقل: «هم ناسكون فيه».

الثالث: أن المراد بالمنسك الذبائح، وهذا تفسير فيه تخصيص.

قال الإمام الشوكاني في «فتح القدير» (3 / 553) عن هذا التفسير الذَّبَائِحُ: وَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ. اهـ.

ولم يثبت سبب نزول هذه الآية الذي أشار إليه الإمام الشوكاني بقوله: (وَلَا اعْتِبَارَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ) فقد جاء أن هذه الآية نزلت في بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان ويزيد بن خنيس، قالوا لأصحاب رسول الله عليه السلام: ما لكم تأكلون ما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون ما قتله الله؟ ذكره الثعلبي في «تفسيره» (7 /33 )، والبغوي في «تفسيره»(3/350) من غير إسناد.

قوله: ﴿هُمْ ناسِكُوهُ﴾ أي فاعلوه.

وقوله ﴿فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ﴾ أي: لا يخاصموك ولا تخاصمهم. في الآية نهي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن مجادلتهم.

﴿وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68)﴾ قال ابن الجوزي « زاد المسير»(3 / 249): قال أكثر المفسرين: هذا نزل قبل الأمر بالقتال، ثم نُسِخ بآية السيف. وقال بعضهم: هذا نزل في حق المنافقين، كانت تظهر من أقوالهم وأفعالهم فلَتات تدل على شركهم، ثم يجادِلون على ذلك، فوكل أمرهم إِلى الله تعالى، فالآية على هذا محكمة. اهـ.

الفوائد:

- أن الله جعل لكل أمة شريعة تعمل بها ولا يجوز لها أن تتجاوز إلى غيرها على أحد التفاسير.

-النهي عن جدال الكفار ومنازعتهم.

-وفيه تثبيت الداعي إلى الله وحثه على الصلابة وعدم المبالاة بأهل الباطل والعناد.

- الإعراض عن مجادلة أهل التعنت والتعجيز.

قال ابن الجوزي « زاد المسير» (3 / 249): وهذا أدب حسن علَّمه الله عباده ليردُّوا به مَن جادل على سبيل التعنُّت، ولا يجيبوه، ولا يناظروه.

ولا تعارض هذه الآية في ترك الجدال وبين الأدلة الأخرى في الحث على الجدال، ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[النحل]؛ لأن الجدال على قسمين: مذموم، ومحمود. أما عن مجادلة من علم منه التعنت والتعجيز فعلى حسب المصلحة، النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إليه يهودي وجعل يسأله بأسئلة فأجابه مع أنه متعنت. وقد بوَّب لذلك والدي رَحِمَهُ الله في « الجامع الصحيح مما ليس من الصحيحين »، وقال: الجواب على السائل المتعنت.

- وفيه أن العاقل يجيب أهل السفه بما أرشد الله إليه ﴿وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68)﴾ أي: يعلم أعمالكم وسيجازيكم عليها ويحكم يوم القيامة بين المختلفين.

- أن دين الإسلام دين الله الحق وأنه طريق مستقيم لا اعوجاج فيه، فمن ابتغى بغير الإسلام بديلًا فقد سلك طريق الغواية والانحراف.