من خصائص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أخذ الميثاق على النبيين
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله أخذ على النبيين الميثاق في شيئين: أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن ينصروه. قال الله: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)﴾ [آل عمران:81].
وهذا فيه كرامة وشرف له صلى الله عليه وسلم.
هل من خصائصه أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد مسرورًا مختونًا؟
عدَّ بعضهم هذا من خصائصه.
(مسرورًا) أي: مقطوع الحبل السِّري، و(مختونًا) الختان للرجل: قطع الجلدة التي تغطي حشفة الذكر.
وكونه صلى الله عليه وسلم ولد مسرورًا مختونًا، هذا ورد فيه بعض الأحاديث الضعيفة، وقد قال الحاكم في «المستدرك» تحت حديث رقم(4177): وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا.
فتعقبه الذهبي في «تلخيص المستدرك»، وقال: ما أعلم صحة ذلك، فكيف متواتر؟!
وكذا الحافظ ابن كثير ذكر في «البداية والنهاية»(2/265) أن في دعوى التواتر أو الصحة نظر.
وقال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد» (1/80) عن حديث الختان: وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي «الْمَوْضُوعَاتِ»، وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُولَدُ مَخْتُونًا. اهـ.
وممن جاء عنه أنه ولد مسرورًا مختونًا ابن صياد، وهو دجال من الدجاجلة، روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/499) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مَسْرُورًا مَخْتُونًا تَعْنِي ابْنَ صَيَّادٍ» ورجاله ثقات. وينظر «السلسلة الضعيفة» (6270) للشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ.
فعلمنا من هذا أن الأدلة التي تدل على أنه صلى الله عليه وسلم ولد مسرورًا مختونًا لم تثبت، وأنه لو ثبت فلا يدل على أن هذا من الخصائص النبوية، إذ قد يوجد من يولد مختونًا مسرورًا، وإذا لم يثبت الدليل فنبقى على المعتاد المعروف أنه لم يولد صلى الله عليه وسلم مسرورًا مختونًا، فإن هذا هو الأصل، ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح. وهذا قول جماعة من أهل العلم، ورجح ابن العديم أنه لم يولد مختونًا وألف في ذلك رسالة. كما ذكر هذا ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد»(1/81).
وأيده الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «السلسلة الضعيفة» تحت رقم (6270)، وقال: وهذا الذي ذهب إليه الكمال ابن العديم رحمه الله، هو الذي تطمئن إليه النفس، وينشرح له الصدر. اهـ.
وقد كان من عادة العرب الختان، فقد أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لا، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ-أي: أمرهم بكشف عورته لينظروا أهو مختتن-، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ العَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ. رواه البخاري (7) عن أبي سفيان بن حرب.
تنبيه: قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المعاد»(1/80): النَّاسُ يَقُولُونَ لِمَنْ وُلِدَ كَذَلِكَ: خَتَنَهُ الْقَمَرُ، وَهَذَا مِنْ خُرَافَاتِهِمْ.
خصوصية استمرار معجزة القرآن
هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن معجزته باقية إلى يوم القيامة، بخلاف معجزات الأنبياء قبله فإنها ليست مستمرة، تنتهي بوفاة النّبِيّ، فهذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اختصه الله بالقرآن أعظم معجزة، كما روى البخاري (4981)، ومسلم (152) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ».
فكان الأنبياء لديهم خوارق حسية يشاهدونها بالأبصار، كناقة صالح، وعصا موسى، ومعجزات عيسى كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكان معجزته الخالدة القرآن، وله معجزات أخرى حسية ومعنوية، ولكن المراد هنا: أن أعظم معجزة أعطيها النّبِيّ صلى الله عليه وسلم القرآن المُعجِزُ لَفظُهُ وَمَعنَاهُ، الَّذِي تَحَدَّى الإِنسَ وَالجِنَّ أَن يَأتُوا بِمِثلِهِ، فَعَجَزُوا. كما قال الله: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) ﴾ [الإسراء: 88].
خصوصية الإسراء والمعراج
هذا عُدَّ من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وذهب بعضهم إلى أنه ليس من الخصائص؛ لقول جِبرِيلَ لِلبُرَاقِ حِينَ جَمَحَ لَمَّا أَرَادَ صلى الله عليه وسلم أَن يَركَبَهُ: «اسكُن فَوَاللهِ مَا رَكِبَكَ خَيرٌ مِنهُ»، وَكَذَا قَولُهُ فِي الحَدِيثِ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ». رواه الإمام مسلم (162) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فقوله: «اسكُن فَوَاللهِ مَا رَكِبَكَ خَيرٌ مِنهُ» هذا فيه إشارة إلى عدم الخصوصية، والحديث رواه الترمذي (3131)، وأحمد (20/107) من طريق معمر عن قتادة عن أنس، وفي رواية معمر عن البصريين ضعف، وقتادة بصري، ولكن له بعض الطرق يتقوى بها.
قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «فتح الباري» (7/207) عن حديث «اسكُن فَوَاللهِ مَا رَكِبَكَ خَيرٌ مِنهُ»: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْبُرَاقَ كَانَ مُعَدًّا لِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاءِ خِلَافًا لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ كَابْنِ دِحْيَةَ. ويؤيده ظاهر قوله: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ». اهـ.
وإذا ثبت أنه كان يُسرَى بالأنبياء ويُعرج بهم فيكون هناك مزية وخصيصة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي المبالغة في التقريب والمنزلة الرفيعة.
ويدل لذلك أن منزلة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الجنة أعلى وأقرب إلى العرش.
خصوصية لا تجتمع الأمة المحمدية على ضلالة
هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته لا تجتمع على ضلالة، كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ» رواه ابن ماجه(3950) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
والشأن أن يثبت الاجماع، فالإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ يقول: مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، لَعَلَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا. «مختصر الصواعق»(611).