جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 14 نوفمبر 2021

(39)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

 من تواضعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ». رواه البخاري (6072) معلَّقًا، وأحمد موصولًا(19/9) بسندٍ صحيحٍ.  

وهذا الحديث فيه إشكال؛ لأنه  لم يكن يمس صلى اللهُ عليه وسلم يدَ امرأة أجنبية.

روى البخاري (5288) ،ومسلم (1866) عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: لا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالكَلامِ، وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» كَلامًا.

وقد أجابَ عنه الحافظُ في«فتح الباري»-شرح هذا الحديث- بما يصرفُه عن ظاهره، وقال: الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ لَازِمُهُ وَهُوَ الرِّفْقُ وَالِانْقِيَادُ ،وَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ:

 لِذِكْرِهِ الْمَرْأَةَ دُونَ الرَّجُلِ.

وَالْأَمَةَ دُونَ الْحُرَّةِ.

و َحَيْثُ عَمَّمَ بِلَفْظِ الْإِمَاءِ أَيَّ أَمَةٍ كَانَتْ، و َبِقَوْلِهِ:« حَيْثُ شَاءَتْ» أَيْ: مِنَ الْأَمْكِنَةِ.

 وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَخْذِ بِالْيَدِ إِشَارَةٌ إِلَى غَايَةِ التَّصَرُّفِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَاجَتُهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ مُسَاعَدَتَهَا فِي تِلْكَ الْحَاجة لساعد عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَى مَزِيدِ تَوَاضُعِهِ وَبَرَاءَتِهِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.

 عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ» فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. رواه مسلم (2326).

قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (15/82): قَوْلَهُ (خَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ) أَيْ: وَقَفَ مَعَهَا فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهَا وَيُفْتِيَهَا فِي الْخَلْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ،فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي مَمَرِّ النَّاسِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ إِيَّاهُ وَإِيَّاهَا، لَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهَا، لِأَنَّ مَسْأَلَتَهَا مِمَّا لَا يُظْهِرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.