جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 6 أكتوبر 2021

(36)اختصار دروس شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

 عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا-  قَالَتْ: «وَلَكِنِّي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِي بَرَاءَتِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذينَ جَاءُوا بِالإِفْك﴾[النور]» العَشْرَ الآيَاتِ.

 رواه البخاري (7500رواه مسلم (2770).

حادثة الإفك كانت عند رجوع النّبِيّ صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، ويقال: غزوة المريسيع، السنة السادسة، وقيل: الخامسة.

 وسبب ذلك: أن عائشة رضي الله عنها تأخرت بسبب التماس عقد لها ضاع، فرحل القوم، فرجعت ولم تجد أحدًا حتى جاء صفوان بن المعطل ، وكان يعرفها قبل الحجاب فلما رآها عرفها، فركبت على البعير ولحقا القوم، فانتهز ذلك المنافقون، شأن الذين في قلوبهم مرض، ومكث النّبِيّ صلى الله عليه وسلم شهرًا لا يوحى إليه، ولم يتكلم في براءة عائشة سوى أنه قال: «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي».

 وتولى الله تبرأة عائشة رضي الله عنها، وكان في هذا انتصار من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولعرض نبيه، وكرامة عظيمة؛ ولهذا عُدَّ من مناقبها رضي الله عنها.

وقد حكم أهل العلم أن قاذف عائشة رضي الله عنها بعد أن أنزل الله براءتها كافر.

قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم» (17/117): وَهِيَ بَرَاءَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، فَلَوْ تَشَكَّكَ فِيهَا إِنْسَانٌ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ» رواه البخاري (7501)، رواه مسلم (128).

من الفوائد:

-كتابة الحسنات والسيئات.

-الترغيب في فعل الحسنات والترهيب من فعل السيئات؛ لأنها مدونة لصاحبها في صحيفة أعماله.

- فضلُ الله ومنَّتُهُ وعدلُهُ؛ إذ الحسنة بعشر أمثالِها، وقد يضاعف الله لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن السئية بمثلها.

وقد تشتد السيئة بحسب شرفِ الزمان والمكان وشرف الفاعل، وذلك فيما يلي:

*أشهر الإحرام وهي: (شوال، وذوالقعدة، وذو الحجة) قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾[البقرة:179].

*المسجد الحرام، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج:25].

*معصية ذوي الفضل والعلم أشد من معصية الجاهل، يقول الله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾[الإسراء:74-75].

-وفيه كما قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَفَظَةَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ وَعَقْدَهَا، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّهَا لَا تَكْتُبُ إِلَّا الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ. نقله عنه الإمام النووي في شرح هذا الحديث.

-وفيه أن الذي يهُمُّ بسيئة ثم يتركها لله، فإنها تُكتب له حسنة، وقد قسَّم الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ الله في تفسير سورة الأنعام(رقم الآية: 160) تارك السيئة على ثلاثة أقسام، وقال: وَاعْلَمْ أَنَّ تَارِكَ السَّيِّئَةِ الَّذِي لَا يَعْمَلُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

تَارَةً يَتْرُكُهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا تُكْتُبُ لَهُ حَسَنَةٌ عَلَى كَفِّهِ عَنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا عَمَلٌ ونِيَّة؛ وَلِهَذَا جَاءَ أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ حسنة، كما جاء فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيحِ: «فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» أَيْ: مِنْ أَجْلِي.

وَتَارَةً يَتْرُكُهَا نِسْيَانًا وذُهولا عَنْهَا، فَهَذَا لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ خَيْرًا وَلَا فَعَلَ شَرًّا.

 وَتَارَةً يَتْرُكُهَا عَجْزًا وَكَسَلًا بَعْدَ السَّعْيِ فِي أَسْبَابِهَا وَالتَّلَبُّسِ بِمَا يُقَرِّبُ مِنْهَا، فَهَذَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ فَاعِلِهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، فِي «الصَّحِيحَيْنِ»: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ». اهـ.

فمن كان مصممًا وعاقدًا على فعل المعصية حتى ولو لم يتلبَّس بفعلِها لكن حال بينه وبين فعلها، مثلًا: الخوف من الناس، أو رياءً، أو عجزًا، أو ضعفًا هذا تكتب له سيئة وإن لم يباشرها بالعمل.

فما يجري على القلب من الوساوس والأفكار إن استقرت في القلب واطمأن لها ولم ينفر منها فهو آثم؛ لأنه إصرارٌ على المعصية: كالرياء والحسد والعجب والنفاق، وإن طرأت على القلب ولم تستقر فيه ونفر منها وأبغضها فهنا لا شيء عليه ويكتب له حسنة كاملة بفضل الله.

-وفيه أنه إذا عزم على فِعل خير، ثم فاته ذلك يُكتب له حسنة، وهذا يدل على أهمية النية وعِظَمها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَ: مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ»، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22] رواه البخاري (7502 ومسلم (2554).

من فوائد هذا الحديث:

-فضل صلة الرحم والتغليظ في شأن قطيعة الرحم.

-هذا الحديث على ظاهره، والله على كل شيء قدير، قيام الرَّحِمِ وكلامها للرب بهذا، وكلامه لها نؤمن بذلك كلِّه.

-أن صلة الرحم من أسباب السعادة والبركة والكرامة، وأن قطيعة الرحم من أسباب الشقاوة والخذيلة وحرمان الخير.

 وصلة الرحم من أسباب البسط في الرزق وطول العمر، كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواه البخاري (5986ومسلم (2557).

وهذا في علم المَلك، أما في علم الله فهذا لا يتغير؛ لأن الله علمه محيط بكل شيء، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.

وفي «مسند الإمام أحمد» (42/153) عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ». وهذا ترغيب عظيم.

وروى الإمام مسلم (195) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وحُذَيْفَةَ بن اليمان رضي الله عنهم عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الحديث في المرور على الصراط، وفيه: «وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا». وهذا من أدلة الترغيب والترهيب، تشهد الأمانة للأمين بالحق، وتشهد على الخائن بالخيانة.

والرحم تشهد للواصل بالحق، وتشهد على القاطع بالقطيعة، وهذا من جملة الشهود التي تكون يوم القيامة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ» رواه البخاري (7503)، ومسلم (71).

وقول: «مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا» قد يكون كفرًا أكبر، وقد يكون كفرًا أصغر. فإذا قال ذلك معتقدًا أن النجم الذي أوجد المطر، فهذا شرك في الربوبية، وهو شرك أكبر.

وإذا قال: «مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا» يعني: أن هذا النجم طلوعه سبب لوجود المطر، فهذا شرك أصغر؛ لأن جعل ما ليس بسببٍ سببًا، والأمطار تنزل بأمر الله رحمةً بالعباد.

والشرك الأصغر وسيلة للشرك الأكبر، وصاحبه مؤمن وليس بكافر، غير أنه مرتكبٌ لكبيرة، بل أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر الشرك الأصغر.

وذكر الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في « القول المفيد» (2/31) قسمًا ثالثًا وهو: نسبة وقت.

وقال رَحِمَهُ الله في بيان حكمه: وهذه جائزة، بأن يريد بقوله: مطرنا بنوء كذا أي: جاءنا المطر في هذا النوء، أي: في وقته. الخ

ويفيد كلام الشيخ رَحِمَهُ الله: أنه لا بأس أن يقول: مُطرنا في نوء كذا، وهذا كما يقال: مطرنا في عام كذا، في شهر كذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ» رواه البخاري (7504 ومسلم (2685).

هذا الحديث فيه إجمال يفسِّره ما رواه مسلم (2684) عَنْ عَائِشَةَ، الحديث وفيه: «وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ».

فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن المراد حال النزع والاحتضار، وأنه إذا أحب لقاء الله حال الاحتضار يدل على أنه بُشِّر بشارة حسنة بالنعيم والأجر، وإذا كره لقاء الله فمعناه أنه بشِّر ببشارة سيئة بعذاب الله وسخطه.

وقد كان من أدعية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ فِي وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (427) عن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وهو في «الصحيح المسند» (1058) لوالدي.

-الحث على العمل الصالح؛ لينال البشارة الطيبة عند مغادرته من هذه الحياة.

- التحذير من المعاصي، وأنها تخون صاحبها في وقتٍ أحوج ما يكون إلى ثباته وفلاحه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي البَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لاَ يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ، فَأَمَرَ اللَّهُ البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ» رواه البخاري (7506)، ومسلم (2756).

هذا الحديث من فوائده:

-العذر بالجهل في العقيدة.

-هذا الحديث من الأدلة على أن من موانع التكفير: الجهل، فهذا الرجل شك في قدرة الله، ولكن لأنه جاهل غفر الله له.

الثاني: الإكراه، قال تَعَالَى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106].

 ضابط الإكراه أن يخشى أن يحلَّ به أو بعرضه ما لا يتحمله. استفدنا هذا من والدي رَحِمَهُ الله.

الثالث: أن يجري على لسانه كلمات من غير قصد، إما لشدة فرح، أو حزن، أو نحو ذلك.

والدليل: عن أنس رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي انفلتت منه راحلته الحديث وفيه: قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» رواه البخاري (6309ومسلم (2747).

وعن علي بن أبي طالب الحديث في شرب حمزة للخمر قبل تحريمه، وفي آخره: ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَهُ» رواه البخاري (3091ومسلم (1979).

وفي هذا الحديث: مشي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم القهقرى أي: يمشي إلى الوراءعلَّق والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في درس «صحيح مسلم» على هذا الحديث، وقال: هذا من سياسة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حتى لا يجدوا شرًّا من حمزة إذا مشوا وتركوه خلفهم.

الرابع: التأويل السائغ، هذا نقل الإجماع على أنه لا يكفر، أما التأويل غير السائغ، مثل: اعتقاد أن الزنا حلال، أو شرب الخمر حلال إلا من كان حديث عهد بالإسلام ولا يَعلم، والله أعلم.

وأمر التكفير شأنه خطير، يقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: « وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ». رواه البخاري (6045مسلم (61).

ولخطورته يجب الرجوع فيه إلى العلماء الراسخين، ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43].

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا-وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا-فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ-وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ-فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ-أَوْ أَصَبْتُ-آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ-أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ-آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ؟ » رواه البخاري (7507ومسلم (2758).

من فوائد هذا الحديث:

- فيه الحث على التوبة، وكما قال تَعَالَى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه: 82].

وعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رواه مسلم (2759).

-هذا الحديث مر معنا في درسٍ لوالدي رَحِمَهُ الله، وقال: ليس فيه تشجيع على المعاصي، ولكن هذا الرجل يتوب إلى الله ويستغفر ثم يزل مرة أخرى، أو نحو هذا.

وقد ذكر أهل العلم شروطًا للتوبة:

-الإقلاع عن المعصية.

-العزم على ألا يعود لفعلها.

-أن يندم على فعلها.

وإذا كانت تتعلق بحقوق الآدميين، ففيه شرط: أن يعيد الحقوق إلى أهلها.

وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة، وحقوق الله مبنية على المسامحة، فيجب التحلل من الحقوق، قبل أن يكون المقاصَّة بإعطاء الحسنات والسيئات. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رواه مسلم (2581).

وقد كان النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ» رواه أبو داود (3450عن أَبِي هُرَيْرَةَ، وهو في «الصحيح المسند» (1359) لوالدي رَحِمَهُ الله.

فمن نجا من المظالم، الظلم في الدماء والأموال والأعراض فقد نجا من شر كثير، والله أعلم.