جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 13 أكتوبر 2021

(3) مقتطف من سلسلة رسائل سعادة المرأة المسلمة


مقتطف من الرسالة الثالثة: سعادة المرأة المسلمة

الحرص على المنافع

من أعظم سعادة المرأة أن تكون حريصة على منافعها ومصالحها الدينية والدنيوية، مقبلةً على شأنها وطاعة ربها، حَذِرَةً من العجز والكسل والغفلة. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «المُؤمِنُ القَوِيُّ، خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيرٌ احرِص عَلَى مَا يَنفَعُكَ، وَاستَعِن بِاللهِ وَلَا تَعجَز». رواه مسلم (2664)عن أبي هريرة.

قال ابن القيم في «شفاء العليل»(19): سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده. والحرص: هو بذل الجهد واستفراغ الوسع. اهـ.

وقد كان الصحابة في أشدِّ الحرص على منافعهم، خاصَّةً الدينية الأُخروية، رجالًا ونساءً، وهذه بعض الآثار عنهم:

-عن أبي أَيُّوبَ أَنَّ أَعرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَو يَا مُحَمَّدُ أَخبِرنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الجَنَّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَد وُفِّقَ، أَو لَقَد هُدِيَ»، قَالَ: كَيفَ، قُلتَ: قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «تَعبُدُ اللهَ لَا تُشرِكُ بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ. دَعِ النَّاقَةَ». رواه البخاري (5982)، و مسلم(13) واللفظ له.

فانظري يا رعاكِ الله- كيف يسأل هذا الأعرابي عن طريق الجنة!

-عن عَوفِ بنِ مَالِكٍ، يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظتُ مِن دُعَائِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ، اغفِر لَهُ وَارحَمهُ وَعَافِهِ وَاعفُ عَنهُ، وَأَكرِم نُزُلَهُ، وَوَسِّع مُدخَلَهُ، وَاغسِلهُ بِالمَاءِ وَالثَّلجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيتَ الثَّوبَ الأَبيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبدِلهُ دَارًا خَيرًا مِن دَارِهِ، وَأَهلًا خَيرًا مِن أَهلِهِ وَزَوجًا خَيرًا مِن زَوجِهِ، وَأَدخِلهُ الجَنَّةَ وَأَعِذهُ مِن عَذَابِ القَبرِ أَو مِن عَذَابِ النَّارِ» قَالَ: «حَتَّى تَمَنَّيتُ أَن أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ المَيِّتَ». رواه مسلم(963).

تمنَّى عوف بن مالك رضي الله عنه أن يكون هو الميت؛ لينالَ هذه الدعواتِ المباركاتِ، مع أن الموت تكرهه النفوس وتفرُّ منه.

- وفي قصة الأعرابي الذي لم يقبل بشرى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فأَقبَلَ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلالٍ كَهَيئَةِ الغَضبَانِ، فَقَالَ: «رَدَّ البُشرَى، فَاقبَلا أَنتُمَا» قَالا: قَبِلنَا، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيهِ وَوَجهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «اشرَبَا مِنهُ، وَأَفرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبشِرَا». فَأَخَذَا القَدَحَ فَفَعَلا، فَنَادَت أُمُّ سَلَمَةَ مِن وَرَاءِ السِّترِ: أَن أَفضِلا لِأُمِّكُمَا، فَأَفضَلا لَهَا مِنهُ طَائِفَةً. رواه البخاري(4328ومسلم (2497) عَن أَبِي مُوسَى.

فانظرنَ إلى أم سلمة المرأة الوقورة تنادي هذَينِ الصحابيَّينِ بأدبٍ، وحياء، وتقول: أَفضِلا لِأُمِّكُمَا. تعني: نفسها رضي الله عنها، والفضلة البقية.

وهذا من منافستها في الخير وحرصها عليه؛ رجاء البركة.

فاحرصي على منافعكِ والاستعداد لآخرتك.

احرصي على العمل بالفضائل وسابقي إليها؛ لتكوني ممن يحرص على أن ينتفعَ بحياتِه.

كوني مِن أهل القوة والنشاط، لا ممن استولى عليهم الكسل والفتور.

إذا رأيت من تُضيع أوقاتَها في النوم لساعات طويلة فلا تتأثري بها، وكوني قدوةَ خير لأولادكِ وسائر الأُسرة.

إذا وجدت أهل البِطالة الذين لا يبالون بأوقاتهم، فاسعي واجتهدي في المحافظة على وقتِك؛ لتفلحي وتسلكي طريق الفلاح والسعادة.

إذا وجدتِ الغافلات في غفلاتهن فاجعلي لك حظًّا من العبادة والذكر؛ لتجتنبي الانضمام في طريقهم.

اغتنمي الفرص، فاليوم حياة وغدًا موت، وكوني إما سعي في الآخرة، أو في أمور دنياك وترتيب أمور بيتِكِ والقيام بواجباتِك، واقضي على الفراغ واعمريه بالخير.

وتأمَّلي قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إِنِّي لَأَكرَهُ أَن أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا، لَا فِي عَمَلِ الدُّنيَا، وَلَا فِي عَمَلِ الآخِرَةِ». رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء»(1/130).

 وذكرتُ لوالدي امرأةً عاميَّة تعمل وتتعب في المزارع، فقال: أحسن لا تكون لا دنيا ولا دين.

فهنيئا لكِ أيتها الحريصة الجادَّة في السير إلى منافعك حينما تجدين الفوز والنجاح والسعادة يوم القيامة.