جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 17 مايو 2021

(5) مقتطفات

 مقتطف من (دوام الطاعة بعد انقضاء شهر العبادة)

الحمد لله إذ وفقنا لصيام شهر رمضان وقيامه وأنعم الله علينا بإدراك شهر رمضان وإتمامه، نسأل الله أن يتقبل منا الطاعات ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة].

وإن مما يشرع لنا  الفرح والسرور بإتمام صيام شهر رمضان، قال الله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس]. ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» البخاري (1904ومسلم (1151)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

والفرح بطاعة الله وبإدراك الطاعات ومواسم الخير علامة على وجود الإيمان وعلى الخير، قال سبحانه: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة].

فلقد كنا في أيام مباركة في شهر رمضان، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان حريصًا على الاجتهاد في الطاعات في رمضان وفي غيره ولكنه كان في رمضان أشد حرصًا، فقد روى البخاري (6ومسلم (2308) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ»الحديث.

علينا أن نستمر على ما كنا عليه من الخير والإقبال على الله. فعبادة الله لا تنتهي بانتهاء رمضان، يقول الله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر]. أي: حتى يأتيك الموت.

والشأن الثبات، الشأن الاستمرار،يقول النبي صلى الله عليه وسلم:  «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» رواه مسلم (2818) عَنْ عَائِشَةَ، أما العبادة المؤقتة التي تنتهي بانتهاء الموسم فهذا من التفريط، وهذا شيء لا يحبه الله ، يقول الله : ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل].

إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في أشد الثبات على العبادة، ولا تطيب أنفسهم ترك ما اعتادوه من العبادة، إنها الهمة العالية، إنه الإيمان الراسخ، ونذكر لذلك مثَالَين:

عند أن جاءت فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجده وكانت تريد أن تسأله خادمًا لما حصل لها من التعب من أثر الرحى، فأخبرت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهاكان النساء في عصر النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخدمن وهن العابدات الحريصات على العلم القَوَّامات الصَوَّامات ومع ذلك يخدمن ومع ذلك ما كان يُثنيهن عن طلب العلم النافع والعبادة، بركة عظيمة، وسبحان الله كيف يختلف الحال وتختلف المعيشة! الآن النساء في ترف ورغدٍ في العيش، ولكن كسلت الأجسام وضعفت وشُغِلَت عن العبادة- فبنت النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وسيدة نساء أهل الجنة كانت تطحن الحبوب من الشعير ونحوه بالرحى، وهذا عمل شاق، فجاء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إليها وإلى علي رضي الله عنهما، وقال: «أَلا أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ؟ تُسَبِّحِينَ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ».قال علي -وهذا هو الشاهد-: فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ، قِيلَ: وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ» رواه البخاري (5362). ثبات عظيم، أما نحن يمكن أدنى شيء ونغفل عن الأذكار، ونهبُط ويفوتنا الخير.

وعبد الله بن عمرو بن العاص الملقب بعابد الصحابة يقول: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فسألها مرة، فقالت: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ. مشغول بالعبادة، فذهب والده إلى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأخبره بحال ولده وأنه قد بالغ في العبادة. فقال له النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟» فقال: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ له النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، وَاقْرَإِ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ»، فجعل يقول للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فانتهى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن قال له: «صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً»، فلما كبر عبدالله ندم، وقال: َلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ما أحبَّ رضي الله عنهما أنه يترك شيئًا فارق النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عليه. والحديث رواه بنحو هذا البخاري (1975ومسلم (1159).

احرصي على المداومة على ما كنت عليه، وسلي الله الإعانة، ولا تنقُضِي ما كنت عليه، ربما من ليلة العيد ما فيه صلاة ليل، هذا تفريط وحرمان، أين وصلنا إلى هذا الهبوط؟! داومي على ما كنت عليه على حسب ما ييسر الله لك؛ لتكوني من الفائزين الموفَّقين الرَّابحين.

وقيام الليل عبادة عظيمة ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة]. فاحذري التفريط ولو ثلاث ركعات. النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعبد الله بن عمرٍو: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ».

في شهر رمضان قد يحافظ على الرواتب، فإذا ذهب رمضان نسي ما كان عليه، هذا خطأ، هذا تقصير، الله  هو رب رمضان ورب شوال، وهو رب سائر الشهور والأعوام.

فاحرصي على الرواتب والنوافل في رمضان، ولا تكوني من اللاتي إذا انتهى رمضان تصلي الفريضة وتكسل عن الرواتب، فهذه خسارة.

فالنوافل مكملة للنقص الذي يكون في الفريضة.

ومما يقبل عليه الناس في رمضان قراءة القرآن، -وفعل العبادة في شهر رمضان ميسر، والنفوس مذللة أكثر من بقية الشهور؛ لأن الشياطين مربوطةفاحرصي على وردك الذي كنت تقومين به، فالقرآن الكريم سعادة وهي التجارة الرابحة، فنحن جميعًا بحاجة إلى أن نغذي قلوبنا بالقرآن، بحاجة إلى سعادتنا، والقرآن من أعظم طرق السعادة.

احرصي على الصيام، ولو ثلاثة أيام من كل شهر مع صوم شهر الصبر، فعَنْ رَجُلٍ مَنْ بَنِي أُقَيْشٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ» رواه أحمد (34/342 وهو في «الصحيح المسند» (1458) لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله تعالى.

ولو يومًا واحدًا فقد ثبت من حديث أبي عقرب رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّوْمِ، فَقَالَ: «صُمْ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ» الحديث رواه النسائي (2433).

إذا كنت في رمضان حريصة على صدق اللسان، فاحرصي عليه بعد رمضان، فالصدق من صفات المؤمنين قال الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾ [التوبة]. وقال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا »الحديث رواه البخاري (6094ومسلم (2607) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

فإذا عودنا ألسنتنا على الخير وصوَّمناها عن الكذب والغيبة والنميمة فلنحرص على ذلك بعد رمضان.

وإذا كنت حريصة في رمضان على طهارة وصفاء وغسل قلبك من الأمراض، من أمراض الحسد والكبر والنفاق، فكذلك احرصي على هذا بعد رمضان، فإن هذا من أسباب دخول النار ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) [الزمر].

وقد جلس عبد الله بن عمر إلى عبدالله بن عمرو فحدثه أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ، أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ»  فجعل عبدالله بن عمر يبكي خوفًا من هذا الوعيد-ما نأمن على أنفسنا من الكبر- فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ:-هَذَا يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو-زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. الحديث رواه الإمام أحمد (7015) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قال: جلس. الحديث، وهو في «الصحيح المسند» (800) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 فلنحذر أن يكون في قلوبنا شيء من التعالي، فالكِبر ليس بسهل، فلا يغرنَّك الشيطان وينفخ فيك بسبب ما أنعم الله عليك، فهذا من كبائر الذنوب، فحاسبي نفسك وتفقدي نفسك، واحرصي على سلامة قلبك من الآثام والأمراض.

لا نرجع إلى الوراء بعد رمضان، علينا أن نحرص على ما كنا عليه في رمضان ونسدد ونقارب فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ» رواه مسلم (1343)

«وَعْثَاءِ السَّفَرِ» مشاقه وشدائده ومتاعبه.

«وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ» المسافر يدعو أن يرجع إلى أهله مسرورًا، ولا يرجع بمصيبة في نفسه، أو في أهله.

«وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ» هذا هو الشاهد، الرجوع من الطاعة إلى المعصية، ومن الاستقامة إلى الانحراف، ومن العافية إلى المرض، ومن الغنى إلى الفقر، فهذا لفظ عام، وهكذا لا نرجع إلى الوراء، لا نتكاسل عن الخير، لا نضيع أنفسنا وأوقاتنا.

«وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ» هذا يفيد التحذير من دعوة المظلوم. يقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» رواه البخاري (1496ومسلم (19) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ، حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه ابن ماجه (1752) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وهو في «الصحيح المسند» تحت رقم (1358) لوالدي رَحِمَهُ الله.

دعوة المظلوم لا ترد، يقول والدي رحمه الله وغفر له: دعوة المظلوم قد تُدَمِّرُ دُوَلًا.

«وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ» أن يراهم على حالة سيئة.

شهر رمضان عبرة وموعظة، لقد كنا قبل أيام في استقبال شهر رمضان وما هي إلا أيام وقد انقضى، ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]. إن هذا يذكرنا بأعمارنا، ليذكِّرنا بهذه الحياة وأنها أيام قليلة، وإذا تأملنا في الماضي من أعمارنا كأنها أضغاث أحلام، وهذا يدل على مرور الأيام وأنها سريعة الانقضاء؛ فلهذا علينا أن نقبل على طاعة الله ونقدم للآخرة ونثبت على الخير.

ونُذَكِّر أنفسَنا أن الله قد منَّ علينا بصيام ست من شوال عقِب رمضان، كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواه مسلم (1164) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 تحفيز وتشجيع على الحرص على صيام هذه الست، فصيام ست من شوال بمنزلة صيام شهرين، وصيام رمضان بمنزلة صيام عشرة أشهر، وهذا كصيام سنة كاملة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، والحسنة بعشر أمثالها في كل الطاعات، ولكن المراد هنا «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» أي: فرضًا.