من بكاء الصغار
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ، فَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ، فَقَالَ: «آنْتِ هِيَهْ؟ لَقَدْ كَبِرْتِ، لَا كَبِرَ سِنُّكِ».
فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ؟ يَا بُنَيَّةُ قَالَتِ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا، أَوْ قَالَتْ قَرْنِي فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا، حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي قَالَ: «وَمَا ذَاكِ؟ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا، وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا، قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي، أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، مِنْ أُمَّتِي، بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه مسلم (2603).
(قرني) القرن السن.
(تلوث خمارها) قال ابن هبيرة في «الإفصاح»(5/340): أي: تلويه على رأسها.
وهذه الصغيرة هابت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها ظنت أنه دعا عليها ألا يكبر سنها.
ونستفيد من هذا :اهتمام الصحابة بتربية أبنائهم ،فلذا كانت هذه الصغيرة تعرف مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وجلالته وأن دعوته مستجابة.
قال القرطبي في « المفهم»(6/586): هذا يدل على أن إجابة دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة بالمشاهدة عند كبارهم وصغارهم ؛ لكثرة ما كانوا يشاهدون من ذلك، ولعلمهم بمكانته صلى الله عليه وسلم.اهـ
ونستفيد: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وانبساطه مع الصغار ومحادثتهم.
الرحمة بالصغار والأيتام والشفقة عليهم فأم سليم رضي الله عنها لما وجدت الصغيرة اليتيمة تبكي بادرت إلى الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتسأله عن الخبر. فأخبرها أن دعاءه صلى الله عليه وسلم على من لا يستحق ذلك طهور ورحمة وخير.
وهذا من خصائصه الكريمة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ولهذا نظائر منها:
عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ إِلَى حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ رَجُلًا، فَقَالَ لَهَا: احْتَفِظِي بِهِ . قَالَ: فَغَفَلَتْ حَفْصَةُ، وَمَضَى الرَّجُلُ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا حَفْصَةُ، مَا فَعَلَ الرَّجُلُ؟ قَالَتْ: غَفَلْتُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَخَرَجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَطَعَ اللهُ يَدَكِ ، فَرَفَعَتْ يَدَيْهَا هَكَذَا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ يَا حَفْصَةُ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ: قَبْلُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهَا: ضَعِي يَدَيْكِ، فَإِنِّي سَأَلْتُ اللهَ: أَيُّمَا إِنْسَانٍ مِنْ أُمَّتِي دَعَوْتُ اللهَ عَلَيْهِ، أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ مَغْفِرَةً .رواه أحمد(19/420).وحسَّنه والدي الشيخ مقبل رحمه الله في « الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين»(1998).
وقوله:(دَفَعَ إِلَى حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ رَجُلًا)أي:أسيرًا.
ودعا عليها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها لم تنتبه للأسير.