الصدقة من أسباب الشفاء ودفع الضُّر
وفي المسألة حديث «دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ» رواه البيهقي في «الكبرى»(3/536) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود عن النبي صلى الله
عليه وسلم، والحديث منكر. فيه مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ القرشي.
قال أبو
حاتم: ذاهب الحديث كذاب.
وقال ابن
عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات.
وقد أعلَّ
الحديث البيهقي بقوله: إِنَّمَا يُعْرَفُ
هَذَا الْمَتْنُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. اهـ.
ومراسيل
الحسن البصري من أضعف المراسيل.
وأخرجه ابن
الجوزي في «العلل المتناهية»(815)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى
بْنُ عُمَيْرٍ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا مرسلا.
وذكر
الحديث الذهبي في «ميزان الاعتدال»(4/215)في ترجمة موسى إشارة إلى أنه من مناكيره.
وفي «سير أعلام النبلاء»(4/51) جزم الذهبي
رحمه الله أنه مِنْ مَنَاكِيْرِ مُوْسَى بنِ عُمَيْرٍ.
وذكر
الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في «سلسلة
الأحاديث الضعيفة»(3492)، وقال: ضعيف
جدًّا.
وللحديث
طرق أخرى غير صحيحة، ومع نكارة هذا الحديث
فالصدقة عند أهل العلم علاجٌ في رفع البلاء
ودفعه، ولكن لا يكن الإنسان عنده إرادة حظ
الدنيا والعافية دون إرادة الأجر في الآخرة، لأنه
بهذه النية يدخل في إرادة الإنسان بعمله الدنيا، ومثل
هذا قد يُجهل، يستغفر ولا يريد إلا أجر الدنيا
والثمرة العاجلة في الدنيا ولا ينوي الأجر في الآخرة،
يذكر الله وهو يريد منافع دنيوية بحتة، يتصدق
لدفع البلاء والكربة، يريد منافع دنيوية ولا
يكون عنده نية الأجر في الآخرة هذا يدخل في قوله تَعَالَى:
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ
لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: 18].
وفي «فتاوى اللجنة الدائمة»(24/442) برئاسة
الشيخ ابن باز: الحديث المذكور-أي حديث «داووا مرضاكم بالصدقة»-غير
صحيح، ولكن لا حرج في الصدقة عن المريض تقربا
إلى الله عز وجل، ورجاء أن يشفيه الله بذلك، لعموم الأدلة الدالة على فضل الصدقة، وأنها تطفئ الخطيئة وتدفع ميتة السوء. اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الإمام النووي:
(وليحذر كل الحذر من قصده التكبر بكثرة
المشتغلين عليه، والمختلفين إليه!)
مِن إرادة
العمل للدنيا حرص المعلم على صرف وجوه الناس إليه والتفافهم حوله. فعلى المعلم أن يحذر من هذه النية الفاسدة، أن يكون قصده اجتماع الناس حوله وذهابهم إليه
وإيابهم من عنده، فإن الناس يُقْبِلون على من
عنده علم ليتعلموا منه ويتفقهوا في أمور دينهم، فهذا
يرحل إليه من مسافات بعيدة، وهذا يأتي للفتوى، وهذا عنده إشكال، وهذا
عنده استشارة، وآخر يريد شفاعة.. إلى غير ذلك. فمن
أراد هذه النية وليس التقرب إلى الله سبحانه والانتفاع فهذا مقصد سيء ودليل على
سوء النية، ودليل على أنه لم يخلص عمله لله عز
وجل، قال تَعَالَى:
﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: 3].
ومن علامة
العلم الذي لا ينفع إرادة صرف وجوه الناس وإقبالهم عليه.
ومن كان هذا قصده فإنه يحرم الخير والأجر ويرتكب الوزر، ويكون له نقيض قصده من عدم القبول وإقبال القلوب
عليه، عكس ما لو أحسن نيته.
قال ابن
القيم في «إعلام الموقعين» (4/153): وَقَدْ
جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ الَّتِي لَا تُبَدَّلُ وَسُنَّتُهُ الَّتِي لَا تُحَوَّلُ
أَنْ يُلْبِسَ الْمُخْلِصَ مِنْ الْمَهَابَةِ وَالنُّورِ وَالْمَحَبَّةِ فِي
قُلُوبِ الْخَلْقِ وَإِقْبَالِ قُلُوبِهِمْ إلَيْهِ مَا هُوَ بِحَسَبِ إخْلَاصِهِ
وَنِيَّتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ لِرَبِّهِ، وَيُلْبَسَ
الْمُرَائِيَ اللَّابِسَ ثَوْبَيْ الزُّورِ مِنْ الْمَقْتِ وَالْمَهَانَةِ
وَالْبِغْضَةِ مَا هُوَ اللَّائِقُ بِهِ؛
فَالْمُخْلِصُ لَهُ الْمَهَابَةُ وَالْمَحَبَّةُ، وَلِلْآخَرِ
الْمَقْتُ وَالْبَغْضَاءُ. اه.
فهذا يحصل
أن الناس يلتفون حول من يعلِّم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا يكون هذا قصده،
وإذا كره ذلك فالله يأتي بقلوب الناس إليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصيحة في آداب معلم
القرآن ومتعلمه
قال النووي رَحِمَهُ
الله: (وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على
غيره ممن ينتفع به! وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين)
(قراءة أصحابه) أي: تلاميذه. فيه تحذير المقرئ وسائر المعلمين من كراهة تلقي
تلاميذهم واستفادتهم على أيدي معلمين آخرين، وهذا
شريطة أن يكون غيره ممن ينتفع به، أما إذا كان
لا ينتفع به، لأنه من أهل الأهواء ومن أهل
البدع، أو الأنفع له أن يبقى عند شيخه فهذا لا
مانع منه.
فبعض
المعلمين لا يريد أن يذهب الطالب من عنده إلى شيخٍ آخر،
حسدًا وتنافسًا وتكثُّرًا بالطلاب، هذه
الآفة المصاب بها جاهل بدين الله حتى وإن كان من المقرئين الذين يحفظون القرآن عن
ظهر قلب. فهذا من الجهل، -والجهل شجرة وخيمة يثمر كل داء وبلاء-، وهذا مرض من أمراض القلوب.
وتدل هذه
الآفة على أمور: الجهل، وعلى مرض القلب، ودليل على
عدم الإخلاص.
فالشيخ
الناصح المخلص يفرح باستفادة الطالب من المعلمين الآخرين،
بل ويثنون عليهم ويرشدون إليهم وإلى مؤلفاتهم،
فسواء استفاد الطالب على يديه أو على يد غيره ممن يُنتفع به.
أخرج
البخاري (3742)عَنْ
عَلْقَمَةَ، قَالَ:
قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ،
ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي
جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا
فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ
جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقُلْتُ: إِنِّي
دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا،
فَيَسَّرَكَ لِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ
النَّعْلَيْنِ وَالوِسَادِ، وَالمِطْهَرَةِ، وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ
الشَّيْطَانِ، -يَعْنِي عَلَى لِسَانِ
نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوَلَيْسَ
فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ
يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ».
(أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ) يعني: ابن
مسعود.
(وَفِيكُمُ
الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ)
يعني: عمار بن ياسر.
(أَوَلَيْسَ
فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ
يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ) يعني: حذيفة بن اليمان.
وقال عبد
الله بن المبارك، كما في «الحلية» لأبي
نعيم:
أَيُّهَا الطَّالِبُ عِلْما...إِيتِ
حَمَّادَ بْنَ زَيْدِ
فَاطْلُبِ الْعِلْمَ بِحِلْمٍ...ثُمَّ
قَيِّدْهُ بِقَيْدِ
لَا كَثَوْرٍ، وَكَجَهْمٍ...وَكَعَمْرِو
بْنِ عُبَيْدِ
وهكذا سار
العلماء المخلصون على هذه الطريقة قديمًا وحديثًا.
وقد يحتاج
الطالب إلى أن يستفيد على يد أكثر من شيخ حتى إن أيوب بن أبي تميمة السختياني قَالَ:
«إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ خَطَأَ مُعَلِّمِكَ،
فَجَالِسْ غَيْرَهُ» رواه الدارمي في «مقدمة سننه» (669) بسند صحيح.
وروى الخطيب في «الجامع
لأخلاق الراوي وآداب السامع»(1289) عَنْ مَطَر بن طهمان الوراق، قَالَ: «الْعِلْمُ
أَكْثَرُ مِنْ مَطَرِ السَّمَاءِ وَمَثَلُ الرَّجُلِ الَّذِي يَرْوِي عَنْ عَالِمٍ
وَاحِدٍ كَرَجُلٍ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَاضَتْ هِيَ بقي» والأثر صحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الإمام الشافعي
رَحِمَهُ الله: وددت أن هذا الخلق تعلموا هذا العلم-يعني: علمه وكتبه-على
ألا ينسب إلي حرف منه.
أثر الشافعي أخرجه أبو محمد ابن أبي
حاتم في «مناقب الشافعي» (ص91): أخبرنا
الربيع، وهو: ابن سليمان، قال: سمعت الشافعي... فذكره، وهذا أثر صحيح.
الربيع بن سليمان المرادي من أجلِّ تلاميذ
الشافعي. وقد قال له الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ: «يَا رَبِيعُ، لَوْ قَدَرْتُ أَنْ أُطْعِمَكَ الْعِلْمَ
لَأَطْعَمْتُكَ إِيَّاهُ» كما في «جامع بيان العلم وفضله»
(753).
بعض الفوائد القيمة
من أثر الشافعي:
· منقبة للشافعي
رَحِمَهُ الله.
· تواضع
المعلم.
· الاهتمام
بنشر العلم وتعليمه.
حتى ولو لم يُحمَدِ المعلِّمُ أو ينسب إليه
العلم، أهم شيء استفادة الطالب وإنقاذه من
ظلمات الجهل، وقد روى ابن أبي حاتم في «مناقب الشافعي وآدابه»
(68)، وأبو
نعيم في «الحلية»
(9/119) هذا الأثر بنحوه عن الشافعي قال: «وَدِدْتُ أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ أَعْلَمُهُ
يَعْلَمُهُ النَّاسُ أُوجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْمَدُونِي».
والأثر حسن
من أجل حرملة بن يحيى صدوق.
أهم شيء
عند الشافعي المسارعة إلى الآخرة ﴿إِنَّهُمْ
كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)﴾ [الأنبياء: 90]. أهم شيء
الأجر من الله لا ابتغاء الأجر من الناس وحمدهم وكسب الشهرة، وهذا من آداب المعلِّم اهتمامه الشديد بتعليم
الناس، وقد قال بعض المفسرين في قوله سبحانه
عن عيسى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا
كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)﴾ [مريم: 31]. أي: معلمًا
للخير.
فعلينا
بالحرص على نشر الخير والعلم، ولا بأس أن يدعو
الإنسان بهذا الدعاء: اللهم اجعلني مباركًا
أينما كنت، ويدعو لأولاده بذلك أن الله يجعلهم
مباركين أينما كانوا، يدعو أن الله يجعله
كالغيث أينما حلَّ نفع، والبركة من الله. قد يكون هناك فرصة في مجلس من مجالس وفي لقاء من
اللقاءات، أو مناسبة من المناسبات، وإذا لم يكن هناك توفيق من الله يُصرف هذا اللقاء
في القيل والقال وما لا فائدة فيه، فيخرج
الداعي إلى الله من المكان -مع أنه عنده أهلية
واستطاعة- من غير أن يفيد، فلهذا لا يُغفل عن الدعاء بالتوفيق والسداد، بحيث يسحب المجلس إلى مجلس تذكيري علمي ديني، وليس إلى كلام دنيوي،
وكلام فارغ ليس من وراءه فائدة، فنسأل الله البركة.
· الإخلاص
وكراهة الشهرة.