جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 5 يونيو 2019

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾[النحل:92]


إن مما ينبغي على  المسلم أن يسدِّدَ ويقارِبَ في السير على ما كان عليه حالُه في رمضان المبارك شهر الرحمة والمغفرة والتوبة، لأن العبادة لا تنتهي بانتهاء الموسم،وإنما تنتهي بانقضاء الأجل كما قال ربُّنا سبحانه:﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾[الحجر]واليقين:الموت.


فالصائم يكون في أشدِّ الحرص والمجاهدة على سلامة صيامه من البُطلان ونُقصان الثواب،وعلى المسابقة إلى الخير.فمثلًا الصائم يحرص على الأمورالتالية:

-ملازمة وردٍ يومي من تلاوة القرآن الكريم،وهذا حسنٌ لأنه يعينه على الانضباط،بخلاف الذي يقرأ ولا يجعل له وردًا.يعني لا يحدد له جزءًا أو جزأين أو أقل أو أكثر.الذي يمشي على هذه الطريقة قد لا يجد نتيجة طيبة،لأنه يفتح المصحف ويقرأ وقد لا يتجاوز الصفحتين أو الثلاث.


وينبغي لغير الصائم أن يعتني بالقرآن كما يعتني به في رمضان ليزداد إيمانه،وينال بركات القرآن العاجلة والآجلة.


-يمشي في رمضان بتنظيم دقيق لوقته.

وهكذا ينبغي تنظيم الوقت وتحديد أعمال اليوم التي يمشي عليها في يومه في رمضان وفي غيره، ولا يفرِّط فيها فهذا سبيل النجاح والفلاح.


 ويدل لأهمية تنظيم الوقت الحديث الذي رواه البخاري(1975)،و مسلم (1159)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟»، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ»، قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟ قَالَ: «نِصْفَ الدَّهْرِ»،فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ:يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

-يحرص على قيام الليل.


وكما أنه في رمضان بحمد الله تمتلئ المساجد بالمصلين في الليل وفي الصلوات الخمس وبالمبتهلين إلى الله بالدعاءوهذا يدل على خير ويبشِّر بخير،ولكن ينبغي المحافظة على قيام الليل في الأوقات الأُخرى ،لأن قيام الليل فيه فضل كبير ومن أسباب دخول الجنة.


-أن يكون قلبُه رقيقًا خاشعًا بعيدًا عن الغفلة والقسوة،صافيًا نقيًّا من الآثام والأمراض كالغِلِّ والحقد والبغضاء والحسد والنفاق الرياء..

وهذا يجب على الصائم وغير الصائم لأن المعصية هي معصية للصائم ولغيره،والمحرَّم محرَّم .وقد قال ربُّنا سبحانه:﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)﴾[النور].


-يحافظ على سلامة لسانه وصونه من الفُحْش والبذاءة والسَّبِّ والكذب والأذى وصفات المنافقين والغيبة والنميمة.. 

لأنه يعرف أنَّ هذا خطر على تمام أجر صيامه. كما روى البخاري (1904)،ومسلم (1151)عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ".

 وروى أحمد (8856) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ».

والمعاصي هي نفس المعاصي فلا نفهم من تخصيص الصائم أن ذلك جائز لغير الصائم،ولكنه يفيد أن تحريمه آكد في حقِّ الصائم.


-يصون بصره عن النظر إلى النساء في الطرقات  والشاشات ويصون سمعه عن سماع الأغاني والغيبة والنميمة..

وهذا واجب على الصائم وعلى غير الصائم.


-يحرص على الهدوء والسكينة والكلام القليل والإقبال على ما يعنيه ويُهِمُّه لأنه صائم معنًى وحسًى،وهكذا ينبغي لغير الصائم أن يحرص على المكارم والفضائل كما يحرص عليها في رمضان.

هذه بعض المُثُل .


ولا شكَّ أن النفوس عندها حيوية ونشاط  واندفاع للعبادة في رمضان أكثر، لأن العبادة في رمضان ميسَّرة ،لأن الشياطين مربوطة بالسلاسل كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه. فإذا انتهى رمضان فُكَّ وثاقُها.


ولكن لا بُد من المجاهدة ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾[الحج:78].
 والجنة محفوفة بالمكاره،الجنة صعود والصعود شاق.


وربنا سبحانه يقول:﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾[النحل:92].


فلا نرجع بعد انتهاء رمضان إلى الوراء والكسل والفتور وإلى الأسفل.


وعلينا بأن نستعين بالله وحده ونبتعد عن العجز والكسل.


ولنحذر من الشيطان الرجيم الذي يدعو العباد إلى عذاب السعير.


اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم ثبتنا ووفقنا لكلِّ خير.