جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 26 مايو 2019

إشكالٌ في توارد مكفرات الذنوب


            

قال النووي في «شرح صحيح مسلم»(6/40): قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. هَذَا مَعَ حَدِيثِ :مَنْ قَامَ رَمَضَانَ..

 قَدْ يُقَالُ: إِنَّ أَحَدَهُمَا يُغْنِي عَنِ الْآخَرِ.


 وَجَوَابُهُ: أَنْ يُقَالُ قِيَامُ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مُوَافَقَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَعْرِفَتِهَا سَبَبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ،وَقِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِمَنْ وَافَقَهَا وَعَرَفَهَا سَبَبٌ لِلْغُفْرَانِ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ غَيْرَهَا.اهـ


قلت:وإذا وفِّق العبد واجتمعت له مكفرات الذنوب تكفيرًا كاملًا-وقليلٌ ما هم- فقد ينال بها رفعة درجات.


وهذا كلام قيِّم لابن القيم رحمه الله في«الوابل الصيب»(10)يقول: تفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها.

وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيرًا كاملًا، والناقص بحسبه.

وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة وهما:

تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه.


وبهذا يزول الإشكال الذي يورده من نقص حظُّه من هذا الباب على الحديث الذي فيه «أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة» قالوا: فإذا كان دأبه دائمًا انه يصوم يوم عرفة فصامه وصام يوم عاشوراء، فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة، وأجاب بعضهم عن هذا بأن ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات.

ويا لله العجب، فليت العبد إذا أتى بهذه المكفرات كلها أن تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض، والتكفير بهذه مشروط بشروط، موقوف على انتفاء الموانع كلها فحينئذ يقع التكفير، وأما عمل شملته الغفلة أو لأكثره، وفقد الإخلاص الذي هو روحه، ولم يوف حقه، ولم يقدره حق قدره، فأي شيء يكفِّر هذا؟ فإن وثق العبد من عمله بأنه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهرًا وباطنًا، ولم يعرض له مانع يمنع تفكيره ولا مبطل يحبطه ـ من عجب أو رؤية نفسه فيه أو يمن به أو يطلب من العباد تعظيمه به أويستشرف بقلبه لمن يعظمه عليه أو يعادي من لا يعظمه عليه ويرى أنه قد بخسه حقه وأنه قد استهان بحرمته  فهذا أي شيء يكفِّر؟ ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه..


أقول:رحم الله ابن القيم لقد أزال بهذا الكلام ما يجول في صدور بعض الناس من الإشكال واللبس في فهم المراد من توارد الأدلة في تكفير الذنوب.


يقول:إذا قمت ليلة القدر كُفِّرت ذنوبي فما الذي يكفِّره قيام رمضان وصيامه ؟


أو توضأت كُفِّرت ذنوبي فما الذي تكفِّرُهُ الصلوات الخمس ؟

أو إذا اعتمرت  كُفِّرت ذنوبي فما الذي يُكفِّرُه الحج؟



أو إذا صمت يوم عرفة  كُفِّرت ذنوبي فما الذي يكفِّرُه صيام يوم عاشوراء؟

نسأل الله عزوجل أن يوفقنا ويغفر لنا ذنوبنا،ويحفظ لنا ديننا.

اللهم ارزقنا السعادة،وجنبنا الشقاوة.