جديد المدونة

الأحد، 26 مايو 2019

(17)اختصار الدرس الثالث عشر من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية





الصوم في أول الأمر كان على التخيير 

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾[البقرة:184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أن يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ حَتَّى أُنْزِلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا أَحْمَدَ. 


الحديث فيه بيان أن الصوم في أول الأمر كان على التخيير بين الصوم وبين إطعام كل يوم مسكينًا وأن مَن صام من غير إطعام خير له قال الله تعالى:﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)[البقرة:184].

ثم نُسخ بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة: 185].

 وإلى ذلك أشار السيوطي رحمه الله في أبياته المعروفة في المنسوخ في القرآن، كما في «الإتقان في علوم القرآن» (3/77):

وَحُرْمَةُ الْأَكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ  معْ رَفَثٍ...وَفِدْيَةٌ لِمُطِيقِ الصَّوْمِ مُشْتَهِرُ

والشاهد الشطر الثاني، أنه منسوخ بالآية ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.

والمراد أنها منسوخة في حق الذي كان قد خُيِّر بين الأمرين، وهو القادر على الصيام، كما دل عليه نطق الآية، وكما بيَّنُوه، فأما من كان فرضه الطعام فقط كما دل عليه معنى الآية، فلم يُنسخ في حقه شيء، وعلى هذا يُحمل كلام من أطلق القول بأنها منسوخة، لأنه قد روي عن ابن عباس التصريح بذلك. يراجع/ «شرح العمدة» (264) لشيخ الإسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعض الذين يباح لهم الفطر في رمضان

إباحة الفطر للمريض:

قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.

المرض الذي يبيح الإفطار

المرض المبيح للفطر عند جمهور العلماء إذا كان في الصيام مشقة عليه أو يخشى أن يزيد مرضه ويتباطأ برؤه أي: شفاؤه. فعلى هذا ليس كل مرض يبيح الإفطار، ويدل لهذا أن الله سبحانه وتعالى ذكر الفطر للمريض والمسافر بعد التيسير ،فقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ فعند المشقة أو خشية زيادة المرض يباح للمريض أن يفطر.

وذهب بعض العلماء إِلَى أَنَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ يُبِيحُ الْفِطْرَ، لأن الله عز وجل أطلق في الآية ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ ولم يقيِّدها بشيءٍ. وَهذا قَوْلُ محمد بْنِ سِيرِينَ، وجاء عن مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، وذهب أيضًا إلى هذا القول الظاهرية. وهو قول الشيخ الألباني كما في «جامع تراث فقه الإمام الألباني» (10/301).

وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يجوز به الصَّلَاةُ قَاعِدًا.

وإذا أفطر المريض فيجب عليه القضاء لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾. وهذا إذا كان يُرجى برؤه وشفاؤه.

أما إن كان ميؤوسا من بُرئه، مثل: مرض السرطان ومرض السُّكَّر إن شقَّ عليه الصوم وإلا فقد ذكر بعضهم أن أصحاب مرض السكر منهم من يُنصح بالصوم، لأنه يخفف عليه. فمن كان مرضه لا يرجى برؤه -والله على كل شيء قدير، والله قادر على أن يشفيه- فهذا عليه الفدية عند جمهور أهل العلم، لأنه ملحق بالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم، وهذا قول والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله.

وفي «شرح العمدة» (362) لشيخ الإسلام. أما المريض الميؤوس منه وهو الذي لا يُرجى برؤه  فهذا يُطعَم عنه؛ لأن المريض الميؤوس منه قد عزم على الفطر في الحال والمآل، ولهذا لم يجب الصوم في ذمته، ولا يجب عليه القضاء البتَّة، ولا بد من البدل، وهو الفدية. اهـ.

فإن أطعم ثم شفاه الله فعليه أن يصوم القضاء، وإن كان قد أَطْعم، لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.

وروى البخاري (1953) عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى».

وهذا قول والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله.



مسألة: إذا كان الصحيح يخشى على نفسه من المرض إذا صام هذا يجوز له أن يفطر، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[الحج: 78].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إباحة الفطر للشيخ والشيخة اللذان يشق عليهما الصيام

وهما كبيرا السن إذا  لم يصوما  لكون الصوم يشقُّ عليهما فيلزمهما الفدية عند جمهور أهل العلم، لقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ أي: يطيقونه بمشقة. قال ابن عَبَّاسٍ عن هذه الآية: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أن يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وجاء عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه لما كبر وضعف عن الصوم أطعم.

روى أبو يعلى في «مسنده» (4194) عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ: ضَعُفَ أَنَسٌ «عَنِ الصَّوْمِ فَصَنَعَ جَفْنَةً  مِنْ ثَرِيدٍ فَدَعَا بِثَلَاثِينَ مِسْكِينًا فَأَطْعَمَهُمْ»

وذهب الإمام مالك وبعض العلماء إلى أنه لا يلزم الفدية على الشيخ والشيخة، لأنَّ تركَ الصوم كان للعجز عنه، ولكنه يستحب.

والقول الأول هو قول جمهور العلماء، وهو قول والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم  الفطر للحامل والمرضع

عَنْ أنس بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ «وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ».

«وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ» أي: وضعًا مؤقتًا في حال العذر.

«وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» أي: نصف الصلاة، وهذا في الصلاة الرباعية، أما صلاة المغرب والفجر فلا قصر فيهما.

الحامل والمرضع لهما عدة حالات: الخوف على أنفسهما من التعب والضرر، الثانية: الخوف على أنفسهما وولديهما، الثالثة: الخوف على الولد.

أما في حالة الخوف على النفس، قال ابن قدامة في «المغني» مسألة (2080): الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ، إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَلَهُمَا الْفِطْرُ، وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ فَحَسْبُ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ. اهـ.

وقال النووي في «المجموع» (6/267): الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا مِنْ الصَّوْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا كَالْمَرِيضِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَوَلَدَيْهِمَا فَكَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا لَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا بِلَا خِلَافٍ. اهـ.

واختلف العلماء فيما  إذا أفطرتا خوفًا على الولد

 فذهب جمهور العلماء إلى أن الحامل والمرضع تفطران وعليهما القضاء والفدية.

 وذهب أبو حنيفة وبعض العلماء إلى أنه ليس عليهما إلا القضاء، لأنهما في حكم المريض قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.

ولحديث أنس بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ».

فقد اقتضى هذا الخبر أن أحكام الصوم موضوعة من كفارة وقضاء إلا ما قام دليله من وجوب القضاء كذا في «الحاوي» (3/437) للماوردي.

الشاهد «وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» هذا يدل على أنه ليس عليهما فدية إذا أفطرتا سواء كان خوفًا على النفس أو على الولد.

وقد أفتى بذلك الشيخ ابن باز رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (15/224) واستفدناه أيضًا من والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله. وهو قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع» (6/350).