جديد الرسائل

الاثنين، 20 مايو 2019

(15)اختصار الدرس الحادي عشر من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية



جواز الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ


 عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إن شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ»  رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ قَالَا: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ الْمُفْطِرُ فَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ».

وقد دلت الأدلة على جواز الصيام والفطر في رمضان للمسافر، وفي القرآن الكريم: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]. وهذا قول جمهور العلماء.

 وذهب بعضهم كابن حزم في «المحلى»  رقم المسألة (762) إلى أن الصوم لا يصح في السفر، واحتجوا بأدلة:

·    كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]. وهذا عند جمهور أهل العلم فيه إضمارٌ تقديره (فأفطر فعدة من أيام أخر) فالآية فيها تقدير.

·     واستدلوا أيضًا بالأدلة التي فيها ذم الصيام في السفر كحديث جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ».  وحديث جَابِرِ ، أَنَّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر فِي رَمَضَانَ الحديث وفيه فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»..

وعند جمهور العلماء هذا في حق من يتضرر أو يجد مشقة من صيامه.

·    واحتجوا أيضًا بما رواه أبو داود في «سننه»  (2408) عن أنسِ بنِ مالك الكعبي الحديث وفيه قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله تعالى وضَعَ شَطْرَ الصلاةِ، أو نِصفَ الصلاةِ، والصومَ عن المسافرِ، وعن المُرضِع، أو الحُبلى» .

والجواب: أن هذا الْوَضْع لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ.

وقالوا: عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم في السفر منسوخ استدلالًا بحديث ابن عباس «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسَ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى إذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ».

ولكن هذه الزيادة الأخيرة: «وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ» مدرجة من كلام الزهري.

-------

أيهما الأفضل للمسافر الفطر أو الصيام:

اختلف أهل العلم في ذاك على أقوالٍ منها:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى استحباب الصيام في السفر إذا كان لا يلحقه مشقة من الصيام ولا ضرر، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصوم في بعض أسفاره، ولقول أنس بن مالك: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ».

ولأنه أسرع لبراءة الذمة، ولأنه يكون مع الناس أنشط على الصوم، بخلاف القضاء فإنه يرى الناس حوله مفطرين وقد يجد مشقة.

·    وأما إذا كان فيه ضرر أو مشقة فعند الجمهور الأفضل الفطر للمسافر، واستدلوا بحديث جَابِرٍ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ». وعن جَابِرِ ، أَنَّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر فِي رَمَضَانَ الحديث وفيه فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»..

القول الثاني: يرون أن الفطر للمسافر أفضل وُجِدت المشقة أو لم توجد، وهذا قول جمهور الحنابلة.

لقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

ولحديث حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ مِنِّي قُوَّةً عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ: هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أن يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ»  رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

ولحديث ابن عباس «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسَ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى إذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ».

 والزيادة الأخيرة: «وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ» مدرجة من قول الزهري.

ولحديث «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ».

واستدلوا أيضًا بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» رواه الإمام أحمد في «مسنده»  (5866) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.


القول الثالث: روي عن عمر بن عبد العزيز وقتادة ومجاهد: أفضلهما أيسرهما على المرء. واختار هذا القول الحافظ أبو بكر بن المنذر، وهذا قول الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (1/618).

ودليل هذا القول: قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾.

وحديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَهَرٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ صِيَامٌ، فِي يَوْمٍ صَائِفٍ مُشَاةً، وَنَبِيُّ اللهِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، فَقَالَ: «اشْرَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ» قَالَ: فَأَبَوْا، قَالَإِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَيْسَرُكُمْ، إِنِّي رَاكِبٌ» فَأَبَوْا. قَالَ: فَثَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخِذَهُ، فَنَزَلَ، فَشَرِبَ وَشَرِبَ النَّاسُ، وَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَ» رواه أحمد (18/18) والحديث صحيح.


والصحيح هو قول جمهور العلماء أن الصوم في السفر أفضل إلا إذا كان يجد مشقة من الصيام أو يجد ضررًا فهنا المشروع في حقه أن يفطر «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ». وإذا كانت مشقة يسيرة تُحتَمل الأحسن أن يصوم لِما تقدم، والكلام كله على الأفضلية فلو لم يجد مشقة ولم يحصل فوات مصلحة من الصيام فيجوز للمسافر أن يفطر، وجد مشقة أو لم يجد، وإنما الكلام في الأفضل.

----------------

مسائل في الفطر في السفر:

-الحكمة من الإفطار للمسافر التخفيف، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة:185].

-إذا كان السفر في معصية هل للمسافر أن يفطر؟

 ذهب بعض العلماء إلى أن الأدلة عامة في الإفطار للمسافر، وهذا قول أبي حنيفة،واختاره شيخ الإسلام ،وهو ترجيح والدي الشيخ مقبل.

وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز له الترخص برخص السفر سواء في عدم الصوم أو قصر الصلاة أو غير ذلك، وقالوا: إن الترخيص له في الفطر فيه تخفيف عليه وإعانة له على معصيته.

-مسألة: المسافر الذي يُباح له الإفطار: هو المسافر الذي يباح له القصر، فمتى جاز للمسافر القصر جاز له الإفطار.

-المسافة التي يصدق عليها سفر اختُلف فيه ذلك علي أقوال كثيرة، وأحسن ما يقال في هذه المسألة أن ما عُدَّ سفرًا في العرف فهو سفر. وهذا اختيار شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»  (24/40).

- حديث«لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ». هذا جاء بلفظ آخر عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ السَّقِيفَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ مِنَ امْ بِرِّ، امْ صِيَامُ، فِي امْ سَفَرِ». رواه الإمام أحمد (39/84).

قال ابن الأثير في النهاية (3/42) : لُغَةُ أَهْلِ اليَمن، يُبْدِلُون لامَ التَّعْرِيفِ مِيمًا. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله في «التلخيص الحبير»  (2/449): وَهَذِهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ يَجْعَلُونَ لَامَ التَّعْرِيفِ مِيمًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ بِهَا بِهَذَا الْأَشْعَرِيَّ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لُغَتُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَشْعَرِيُّ هَذَا نَطَقَ بِهَا عَلَى مَا أَلِفَ مِنْ لُغَتِهِ فَحَمَلَهَا عَنْهُ الرَّاوِي عَنْهُ وَأَدَّاهَا بِاللَّفْظِ الَّذِي سَمِعَهَا بِهِ وَهَذَا الثَّانِي أَوْجَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

ووالدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله يفيد أن هذا اللفظ تصحيف، ونبه عليه أيضًا في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»  (2/21) مسند كعب بن عاصم، وذكر الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله أنه شاذ بهذا اللفظ في «سلسلة الأحاديث الضعيفة»  (1130).