جديد الرسائل

الثلاثاء، 14 مايو 2019

(14)اختصار الدرس العاشر من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية




مِن آداب الْإِفْطَارِ


عَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»متفق عليه.

«إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ» أي: من ناحية المشرق. «وَأَدْبَرَ النَّهَارُ» أي: من جهة المغرب.

يدل الحديث على أن الإفطار يكون عند تحقق غروب الشمس.

وقد جاء الوعيد على تعمد الفطر قبل غروب الشمس، والفطر في يوم من أيام رمضان لغير عذر، روى الحاكم في «المستدرك» (1568) عن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الحديث وفيه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةُ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، قَالَ: قُلْتُ: «مَنْ هَؤُلَاءِ؟» قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ»، والحديث في «الصحيح المسند» (484). قال الشيخ الألباني رحمه الله في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (تحت رقم 3951): أقول: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمدًا قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلاً؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة.

فيه استحباب تعجيل الفطر، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الخيرية في هذه الأمة المحمدية ما دامت تعجل الفطر كما في حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

وتأخير الإفطار تشبه باليهود والنصارى، روى أبو داود في «سننه» (2353) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ، لِأَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ» والحديث في «الصحيح المسند» (1416). 

فينبغي المبادرة إلى الإفطار عند التَّحقق من غروب الشمس عملًا بالسنة وتجنبًا لمشابهة اليهود والنصارى. وقد شابهت الرافضةُ اليهود - كما هو عادتهم وديدنهم مشابهة اليهود في كثير من الأشياء- في تأخير الإفطار حتى تطلع النجوم. ولهم شبهة في حديثٍ رواه الإمام مسلم (830) عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ»، وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ.

وهذا الحديث لأهل العلم أجوبة عنه:

·     منهم من قال: إنما أراد أن النهي يزول بغروب الشمس، وإنما علقه بطلوع الشاهد لأنه مظنة له، والحكم يتعلق بالغروب نفسه.

·     ومنهم من زعم أن الشاهد نجم خفي يراه من كان حديد البصر بمجرد غروب الشمس، فرؤيته علامة لغروبها.



فوائد من حديث أنس في إفطار الصائم

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبًا فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمْرًا حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

«حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» قال الشوكاني رحمه الله في «الشرح» (4/262): أَيْ شَرِبَ شَرَبَاتٍ، وَالْحَسْوَةُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. اهـ.

وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتنفس في الشراب ثلاثًا. كما في «صحيح مسلم» (2028) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ»، قَالَ أَنَسٌ: «فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا». أي: خارج الإناء إذا شرب. وهذا من آداب الشرب التنفس ثلاثًا خارج الإناء.

ويستفاد من الحديث بعض الفوائد:

·      أن الصائم يفطر قبل الصلاة.

·     استحباب الإفطار على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد يشرب ماء.

وقد تكلم أهل العلم على الحكمة من شرعية إفطار الصائم على ذلك. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في «زاد المعاد» (2/48):كان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء،وهذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به، ولا سيما القوة الباصرة، فإنها تقوى به، وحلاوة المدينة التمر، ومرباهم عليه، وهو عندهم قوت وأدم ورطبه فاكهة.

وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس. فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده. ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده، هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب. اهـ.

·     أن السنة النهوض إلى صلاة المغرب بعد الفطر بلقيماتٍ يسيرة.

فالذي يَطعم عشاءَه بعد أذان المغرب مباشرة ليس هذا العمل من السنة، وقد يجره إلى تأخير صلاة المغرب إلى أن تشتبك النجوم، وهذا منهي عنه. روى أبو داود في «سننه» (418) عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِر يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوب، فَقَالَ: لَهُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ يَا عُقْبَةُ، فَقَالَ: شُغِلْنَا، قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ» - أَوْ قَالَ: عَلَى الْفِطْرَةِ - مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» وهو في «الصحيح المسند» (116).

وهناك حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا كَانَ حَلَالًا: الصَّائِمُ، وَالْمُتَسَحِّرُ، وَالْمُرابِطُ فِي سَبِيلِ اللهِ » رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/359 وفيه عَبْدُ اللهِ بْنُ عِصْمَةَ مجهول، وشيخه أَبو الصَّبَّاحِ رُمي بالوضع.

 قال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «الضعيفة» (631): ولعل من آثار هذا الحديث السيئة ما عليه حال المسلمين اليوم، فإنهم إذا جلسوا في رمضان للإفطار لا يعرف أحدهم أن يقوم عن الطعام إلا قبيل العشاء، لكثرة ما يلتهم من أنواع الأطعمة والأشربة والفواكه والحلوى! كيف لا والحديث يقول: إنه من الثلاثة الذين لا حساب عليهم فيما طعموا! فجمعوا بسبب ذلك بين الإسراف المنهي عنه في الكتاب والسنة، وبين تأخير صلاة المغرب المنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ» - أَوْ عَلَى الْفِطْرَةِ - مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ».

 نعم جاء الحض على تعجيل الفطر أيضًا في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ».

فيجب العمل بالحديثين بصورة لا يلزم منها تعطيل أحدهما من أجل الآخر، وذلك بالمبادرة إلى الإفطار على لقيمات يسكن بها جوعه ثم يقوم إلى الصلاة، ثم إن شاء عاد إلى الطعام حتى يقضي حاجته منه. اهـ.

---------------

أحاديث الدعاء عند الفطر

عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

هذا إسناده ضعيف، معاذ بن زهرة تابعي يرويه بلاغًا عن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

وهناك صيَغ أخرى في الباب، منها:

عن ابن عمر كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» رواه أبو داود (2357) من طريق مَرْوَانَ يَعْنِي ابْنَ سَالِمٍ الْمُقَفَّعَ، عن ابن عمر، به.

وسنده ضعيف. مروان بن سالم المُفَقَّع، بفاء ثم قاف ثقيلة، مصريٌّ: مقبولٌ.

وجاء موقوفًا على عبد الله بن عمرو بن العاص كان يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي». رواه ابن ماجة (1753 وضعَّف سنده الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (921).

وقد استفدت من والدي الشيخ مقبل رحمه الله أنه لا يثبت الدعاء بصيغة مخصوصة عند الفطر. اهـ.

ويستحب للصائم أن يدعو وأن يكثر من الدعاء، لأن دعوة الصائم مستجابة لا تُرد.

روى ابن ماجة (1752) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ، حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ». وهذا عام في أيِّ وقت، فالصائم دعوته مستجابة حتى يفطر، فينبغي له أن يهتم بالدعاء، وأن يكثر من الدعاء وأن يشغل وقته بالذكر والاستغفار وقراءة القرآن وأن يحافظ على وقته، نسأل الله أن يعيننا جميعًا.

وقد ذكر ابن القيم في «الوابل الصيب» (ص75): أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً لله عز وجل، فأفضل الصوام أكثرهم ذكراً لله عز وجل في صومهم، وأفضل المتصدقين أكثرهم ذكراً لله عز وجل، وأفضل الحاج أكثرهم ذكراً لله عز وجل. اهـ.

والصائم قد يجد فتورًا وضعفًا فيكثر النوم وضياع الأوقات، وهذا تفريط في الخير والأجور. فلهذا ينبغي المجاهدة والصبر والاهتمام حتى تستجيب النفس وتنشط على المسابقة إلى الخير، خاصة في شهر رمضان، والبركة من الله سبحانه. فقد كان مِن السلف مَن يستعين بالصوم على التفرغ لطلب العلم وعلى سُرعة الحفظ، كما قال وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ يَقُولُ: «كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ بِهِ وَكُنَّا نَسْتَعِينُ فِي طَلَبِهِ بِالصَّوْمِ» رواه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (1279).

--------------

من آداب السحور والترغيب فيه 


عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد. 


عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أهل الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ. 


عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالَ: «إِنَّهَا بَرَكَةٌ أَعْطَاكُمُ اللهُ إِيَّاهَا، فَلَا تَدَعُوهُ» رواه النسائي في «سننه» (2483 وهو في «الصحيح المسند» (1469).

عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِغَدَاءِ السُّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ». رواه النسائي في «سننه» (2164).

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يصلون على المتسحرين». رواه ابن حبان في «صحيحه» (3467).



السحور بفتح السين وضمها، ومن أهل العلم من فرَّق بين ذلك. قال ابن دقيق العيد في «إحكام الأحكام» (2/9): «السَّحُورُ» بِفَتْحِ السِّينِ: مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ. وَبِضَمِّهَا الْفِعْلُ. هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ.

وأجمع العلماء على استحباب السحور للصائم نقله ابن المنذر والنووي في «شرح صحيح مسلم» رَحِمَهُما الله.

وإثبات البركة في السحور من أوجه كثيرة ومعاني متعددة، قال ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (4/140) بعد إيراده لبعض الأقوال: وَالْأَوْلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي السُّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهِيَ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ وَمُدَافَعَةُ سُوءِ الْخُلُقِ الَّذِي يُثِيرُهُ الْجُوعُ وَالتَّسَبُّبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذَاكَ أَوْ يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَلَى الْأَكْلِ وَالتَّسَبُّبُ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ. اهـ.

وفي قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِغَدَاءِ السُّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ».

فيه دليل على تسمية السحور بالغداء، قال الخطابي في «معالم السنن» (2/104): إنما سماه غداء لأن الصائم يتقوى به على صيام النهار فكأنه قد تغدى. اهـ.

ويستفاد من حديث عَمْرو بْن الْعَاصِ «إنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أهل الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ»أن السحور فيه مخالفة لأهل الكتاب.

ويحصل الامتثال في أكل السحور بأي شيء من طعام أو شراب، قال الشوكاني رحمه الله في آخر شرح هذا الباب (4/263): وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّسَحُّرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ وَلَوْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ. اهـ.

والتمر من أفضل أنواع السحور، لما روى أبو داود في «سننه» (2345) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ».

ويستحبُّ تأخير السحور. لما روى البخاري (1921 ومسلم (1097) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ " قَالَ: «قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً».

وحديث زيد بن ثابت يفيد أنهم كانوا يقدِّرون الأوقات والدقائق بعدد من الآيات. وكذا كانوا يقدِّرون بحلب ناقة، أو قدر نحر جزور ونحو ذلك.



أحاديث ضعيفة في الصيام

·      عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. إسناده ضعيف، فيه قرة بن عبد الرحمن ضعيف. وقد ضعف الشيخ الألباني رحمه الله الحديث في «ضعيف سنن الترمذي» (2/200).

·      عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ. إسناده ضعيف، فيه الرباب بنت صليع وهي مجهولة، وضعف الحديث الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «السلسلة الضعيفة» (6383).

·      عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوا السُّحُورَ وَعَجَّلُوا الْفِطْرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ،وإسناده ضعيف فيه سليمان بن أبي عثمان مجهول، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف. وقد حكم الشيخ الألباني رحمه الله في «إرواء الغليل» (917) على لفظة تأخير السحور بالنكارة، لأنه لم يرد في أحاديث كثيرة ذكر تأخير السحور كحديث سهل «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ».



·       عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا كَانَ حَلَالًا: الصَّائِمُ، وَالْمُتَسَحِّرُ، وَالْمُرابِطُ فِي سَبِيلِ اللهِ » رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/359)، وفيه عَبْدُ اللهِ بْنُ عِصْمَةَ مجهول، وشيخه أَبو الصَّبَّاحِ رُمي بالوضع.