جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 26 يناير 2019

(6) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين


تغاضي الزوجين عن المساوئ



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»رواه مسلم(1469).


قال النووي رحمه الله في شرح  صحيح مسلم(10/58)في معنى الحديث:أَيْ:يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .اهـ

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين(3/123): إذا أساءت مثلًا في ردها عليك مرة، لكنها أحسنت إليك مرات، أساءت ليلة لكنها أحسنت ليالي، أساءت في معاملة الأولاد مرة، لكن أحسنت كثيرًا. . وهكذا. فأنت إذا أساءت إليك زوجتك لا تنظر إلى الإساءة في الوقت الحاضر، ولكن انظر إلى الماضي وانظر للمستقبل واحكم بالعدل.اهـ



هذا الحديث يتعلَّقُ  بالحقوق الزوجية،ومِنْ أدلة الوصايا للزوجين في حُسْنِ العشرة والتعامل،وملاحظة المحاسن والصفات الجميلة،والحث على التسامح والتغافل عن العيوب والمساوئ والتقصير.

فإن النظر إلى المساوئ والأخطاء والقصور والتقصير وتجاهل المحاسن يتولَّد منه الخلافات،وكثرةُ العتاب، والكَرَاهية،وسوءُ العشرة،وقد يصلُ الأمرُ إلى الفراق.


وفيه الحث على تحقيق السعادة الزوجية والبُعْدِ عن الخلافات والمشاكل.


هذا الحديث يتناول الرجل والمرأة،وإنَّما وُجِّهَ الخطابُ للرجل لأن القوَّامة بيده،والأمر بيده.


كما أنَّه مِنْ أدلَّةِ حُسْنِ التعامل مع الآخرين.فالحديث مِنْ جوامع كَلِم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال السعدي رحمه الله في«الوسائل المفيدة للحياة السعيدة»(28):     وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر»رواه مسلم ، فائدتان عظيمتان:

إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكُّر ما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.



الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وحصول الراحة بين الطرفين.

 ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن، فلا بد أن يقلق، ولا بد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كل منهما المحافظة عليها.

وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطِّنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة، لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار،وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثَّرت في راحتهم،فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكلَه إلى نفسه طرفة عين فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير، ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحا.اهـ

 وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين(3/123): هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يكون في غيرها أيضًا ممن يكون بينك وبينه معاملة أو صداقة أو ما أشبه ذلك، إذا أساء إليك يومًا من الدهر فلا تنس إحسانه إليك مرة أخرى وقارن بين هذا وهذا، وإذا غلب الإحسان على الإساءة، فالحكم للإحسان، وإن غلبت الإساءة على الإحسان فانظر إن كان أهلًا للعفو فاعف عنه، وإن عفا وأصلح فأجره على الله، وإن لم يكن أهلًا للعفو، فخذ بحقك وأنت غير ملوم إذا أخذت بحقك، لكن انظر للمصلحة.

فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينهم صلة من زوجته أو صداقة أو معاملة، في بيع أو شراء أو غيره، أن يعامله بالعدل إذا كره منه خلقًا أو أساء إليه في معاملة، أن ينظر للجوانب الأخرى الحسنة حتى يقارن بين هذا وهذا، فإن هذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله كما قال الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90] .اهـ



وفي حديث أبي هريرة أيضًا:

الحث على بناءِ الأُسَرِ والبُعد عن  هدمِها وتدميرها بالمشاكل والطلاق.

وكم مِنْ رجل تسرَّع في الطلاق ثم تذكَّرَ المحاسن فندِم أشدَّ الندم.

وكم من امرأةٍ تسرَّعت في الطلاق من زوجها ثم ندمت أشد الندم.



فينبغي معالجة الأُمور وحُسْن التفاهم والصبر والتحمُّل مِنْ كلا الطرفين.والله أعلم.