جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 9 سبتمبر 2018

(16)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


                    نشرُ العلم وتعليمه



مِن أوصاف  طالبِ العلم وطالبة العلم الحرصُ على بثِّ العلم وتعليمه ونشره فإن هذا مِنَ النصحِ لدينِ الله.

وروى أبوداود (3660) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ».

قال ابن القيم رحمه الله في«مفتاح دار السعادة»(1/71)بعد أن ذكر هذا الحديث قال:هَذِه هِيَ مَرَاتِب الْعلم.

أولها ،وَثَانِيها: سَمَاعه وعقله.

فَإِذا سَمعه وعاه بِقَلْبِه أَي: عقَلَه وَاسْتقر فِي قلبه كَمَا يسْتَقرّ الشَّيْء الَّذِي يوعَى فِي وعائه وَلَا يخرج مِنْهُ،وَكَذَلِكَ عقله هُوَ بِمَنْزِلَة عقل الْبَعِير وَالدَّابَّة وَنَحْوهَا حَتَّى لَا تشرد وَتذهب،وَلِهَذَا كَانَ الوعي وَالْعقل قدرا زَائِدا على مُجَرّد إِدْرَاك الْمَعْلُوم .

الْمرتبَة الثَّالِثَة: تعاهده وَحفظه حَتَّى لاينساه فَيذْهب.

الْمرتبَة الرَّابِعَة: تبليغه وبثُّه فِي الأُمة ليحصل بِهِ ثَمَرَتُه ومقصوده.

وَهُوَ بثه فِي الأمة فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَنْز المدفون فِي الأرض الَّذِي لَا ينْفَق مِنْهُ وَهُوَ معرَّض لذهابه فَإِن الْعلم مَا لم ينْفق مِنْهُ وَيُعلَّم فَإِنَّهُ يُوشِك أن يذهب فَإِذا أنفق مِنْهُ نما وزكا على الإنفاق .فَمن قَامَ بِهَذِهِ الْمَرَاتِب الأربع دخل تَحت هَذِه الدعْوَة النَّبَوِيَّة المتضمنة لجمال الظَّاهِر وَالْبَاطِن..



وثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" متفق عليه. البخاري (5352)، مسلم (993).

وهذا الحديث دليلٌ على أن بثَّ العلم وبذلَه وتعليمه من أسباب تثبيتِ المعلومات، ورسوخِها، ونمائِها لأن النفقة عامة وليست مقصورة على نفقة المال.

والشاعر يقول:

وكنزٌ لا تخافُ عليه لِصا***خفيف الحمل يوجدُ حيثُ كنتا

يزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ منه***وينقصُ إنْ بهِ كَفًا شَدَدْتَ

ويقول والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: لأَن تدرِّس الكتاب مرة واحدة خير لك من أن تقرأه بمفردك عشر مرات.



وروى مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الحديث و فيه: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) .

ونشر العلم والتعليم من أعظم  التعاون على البر والتقوى لأن هذا عليه مدار السعادة في الدنيا والآخرة.

ويجري له أجرُ تبليغه وتعليمه بعد وفاته .كما روى الإمام مسلم (1631) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ".

وهذا من بركة التعليم ونشرِه وتبليغه ،ومِن جزاء الحسنة الحسنة بعدها.



وعكسُ هذا عكسُه.

أي: كتمان العلم وإمساكه وعدم إفادة الآخرين من أسباب نسيان العلم.

ثبت عن عبد الله بن المبارك رحمه الله: "مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ ابْتُلِيَ بِثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ، أَوْ يَنْسَاهُ، أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا" أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.

وقوله:"إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ": يعني ما ينتفَعُ بعلمه بعد وفاته، ما ينتفع بمؤلفاته وبأشرطته.

"أَوْ يَنْسَاهُ": من أسباب نسيان العلم كتمانُه وتركُ إفادتِه للآخرين.

قال ابن القيم رحمه الله في«مفتاح دار السعادة»(1/172):حرمَان الْعلم من هَذِه الْوُجُوه السِّتَّة وذكر منها:

الْخَامِس: عدم نشره وتعليمه فَإِن من خزن علمَه وَلم ينشره وَلم يُعلمهُ ابتلاه الله بنسيانه وذهابه مِنْهُ، جَزَاء من جنس عمله، وَهَذَا أَمر يشْهد بِهِ الْحسُّ والوجود.