جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 13 أغسطس 2017

(44)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُم إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)﴾ [الكهف].

------------
من فوائد هذه الآية الكريمة:
الاختلاف في عَدَدِ أصحاب الكهف على ثلاثة أقوال وأن الصواب أنهم سبعة.
قال شيخ الإسلام في«مقدمة في أصول التفسير»(43): أخبر تعالى بثلاثة أقوال، وضعَّف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: ﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم﴾ فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا﴾ أي: لا تُجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجْم الغيب.اهـ
وذكر هذا المعنى الحافظ ابن كثير في«تفسير هذه الآية».
وقد جاء ذِكْر أسماء أصحاب الكهف، وأنَّ اسم كلبِهِم حمران وقيل:قطمير ،وكلُّ هذا لا يثبت .وقد قسَّم شيخ الإسلام ابن تيمية في«مقدمة في أصول التفسير»(42)الأحاديث الإسرائيلية على ثلاثة أقسام  وذكر هذا النوع في القسم الثالث وقال:
الثالث: ما هو مسكوت عنه ، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ،ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا. ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم.. إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم .اهـ المراد

فضل صحبة الأخيار فقد صار لهذا الكلب ذكرٌ وشأن لصحبته هؤلاء الفِتْيَة الصالحين.
قال ابن كثير في«تفسيره»(5/144): وَشَمَلَتْ كَلْبَهُمْ بَرَكَتُهُمْ، فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ النَّوْمِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. وَهَذَا فَائِدَةُ صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ، فَإِنَّهُ صَارَ لِهَذَا الْكَلْبِ ذِكْرٌ وَخَبَرٌ وَشَأْنٌ.اهـ

استنبط شيخ الإسلام في«مقدمة في أصول التفسير»(43)من هذه الآية استيعاب الأقوال عند حكاية الخلاف ،فقال:..فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف؛ أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام ، وأن ينبَّه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته، لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم.
فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا.اهـ
وليس المراد من كلام شيخ الإسلام الاهتمام بالأقوال الضعيفة  النائية عن الدليل فقد قال رحمه الله في«مجموع الفتاوى»(32/137):الْمَسْأَلَةُ الضَّعِيفَةُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْكِيَهَا عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا عَلَى وَجْهِ الْقَدْحِ فِيهِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لَهُ فِيهَا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الطَّعْنِ فِي الْأَئِمَّةِ وَاتِّبَاعِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ .اهـ

النهي عن سؤال من ليس بأهلٍ للفتوى لقوله:﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)﴾ .

وسؤال أهل الجهل من أسباب الضلال . روى البخاري ،ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

التحذير من الفتوى  بغير علمٍ وفقه .قال السعدي رحمه الله في«تفسيره»(473): وإذا نُهي عن استفتاء هذا الجنس، فنهيه هو عن الفتوى، من باب أولى وأحرى.