جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 5 يوليو 2017

(76) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                
                      من تمام التوحيد الجزم في الدعاء


عَنْ أَنَسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ، وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ».رواه البخاري(7464)،ومسلم(2678).

هذا الحديث فيه الجزم  بالدعاء، وعدم تعليقه بالمشيئة.

وروى مسلم (2679) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ».

وفيه تعليل للنهي عن ذلك في قوله: «فَإِنَّ اللَّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ». قال الحافظ في «فتح الباري» (تحت رقم 7464): أَيْ: لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يُوهِمُ إِمْكَانَ إِعْطَائِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَشِيئَةِ، وَلَيْسَ بَعْدَ الْمَشِيئَةِ إِلَّا الْإِكْرَاهُ، وَاللَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ. اهـ.

 فتعليق الدعاء بالمشيئة كأنَّه يدل على إكراه، والله سُبْحَانَهُ لا مستكرِه له، بخلاف المخلوق قد يعطي وهو مكرَه إما لخوفٍ أو مجاملةٍ أو مداراةٍ، ونحو ذلك.

ويدل أيضًا على فتور في الرغبة .
ويترتب عليه عدم اليقين بتحقيق الإجابة، والداعي ينبغي له أن يكون على يقين أن اللَّه لا يُخَيِّبه في دعائه.

 فهذه ثلاثةُ أمور في الحكمة من النهي عن تعليق الدعاء بالمشيئة.

واجتناب هذا اللفظ من آداب اللسان، وآداب الدعاء، ومن تمام التوحيد.

قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللَّهُ في «القول المفيد » (2/333): مناسبة الباب للتوحيد من وجهين:

 من جهة الربوبية، فإن مَن أتى بما يُشعر بأن اللَّه له مُكْرِه لم يقم بتمام ربوبيته تَعَالَى، لأن من تمام الربوبية أنه لا مكره له، بل إنه لا يسأل عما يفعل، كما قال تَعَالَى: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾، وكذلك فيه نقص من ناحية الربوبية من جهة أخرى، وهو أن اللَّه يتعاظم الأشياء التي يعطيها، فكان فيه قدح في جوده وكرمه.


 من ناحية العبد فإنه يشعر باستغنائه عن ربه، وهذا نقص في توحيد الإنسان، سواء من جهة الألوهية أو الربوبية أو الأسماء والصفات، ولهذا ذكره المصنف-الإمام النجدي- في الباب الذي يتعلق بالأسماء والصفات. اهـ.