جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 31 يوليو 2016

(47)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


             
        صعْقة الخلائق لتجلي الرب عزوجل  يوم القيامة



روى البخاري  (6917) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ  قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ لَطَمَ فِي وَجْهِي، قَالَ: «ادْعُوهُ» . فَدَعَوْهُ، قَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِاليَهُودِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ، قَالَ: قُلْتُ: وَعَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ، قَالَ: «لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ».


في هذا الحديث  الإيمان بالصعق وهوالغشي  في عرصات يوم القيامة .

قال ابن أبي العزِّ في «شرح الطحاوية» (2/602):وَهَذَا صَعْقٌ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، إِذَا جَاءَ اللَّهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِ، فَحِينَئِذٍ يَصْعَقُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ.

وفيه فضيلة لموسى عليه الصلاة والسلام.

- وهناك إشكال في بعض  روايات «صحيح البخاري» (2412)عن أبي سعيد الخدري فيها «...فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى» .ظاهر هذه الرواية أن الصعق  صعقة الموت .قال ابن القيم في «الروح» (36): وَحمل الحَدِيث على هَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ تردد هَل أَفَاق مُوسَى قبله أم لم يصعق بل جوزي بصعقة الطُّور فَالْمَعْنى لَا أدري أصعق أم لم يصعق وَقد قَالَ فِي الحَدِيث: فَأَكُون أول من يفِيق .
وَهَذَا يدل على أَنه يصعق فِيمَن يصعق ،وأن التَّرَدُّد حصل فِي مُوسَى هَل صعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ الصعقة الأولى وَهِي صعقة الْمَوْت لَكَانَ قد جزم بِمَوْتِهِ ،وَتردّد هَل مَاتَ مُوسَى أم لم يمت .وَهَذَا بَاطِل لوجوه كَثِيرَة فَعلم أَنَّهَا صعقة فزع لا صعقة موت .


ثم أعلَّ رحمه الله اللفظ  المذكور وقال: لَا ريب أَن هَذَا اللَّفْظ قد ورد هَكَذَا وَمِنْه نَشأ الاشكال وَلكنه دخل فِيهِ على الراوي حَدِيث فِي حَدِيث فَركب بَين اللَّفْظَيْنِ فجَاء هَذَا ،وَالْحَدِيثَانِ هَكَذَا.

أَحدهمَا :أن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أول من يفِيق.

وَالثَّانِي :هَكَذَا أَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة فَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث أبى سعيد الخدري قَالَ قَالَ رَسُول الله أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وبيدى لِوَاء الْحَمد وَلَا فَخر وَمَا من نَبِي يَوْمئِذٍ آدم فَمن سواهُ إِلَّا تَحت لِوَائِي وَأَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض وَلَا فَخر.

فَدخل على الراوى هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث الآخر وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ يَقُول ذَلِك.اهـ.

وقال ابن كثير رحمه الله في «الفصول» (289): وهذا اللفظ مشكل، والمحفوظ رواية البخاري عن يحيى بن قزعة، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، فذكر قصة اليهودي إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاتخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى..» وذكر الحديث .

قال: فهذا نص صريح لا يحتمل تأويلًا: أن هذه الإفاقة عن صعْق لا عن موت، وهذا حقيقة الإفاقة، ثم من تأمل قوله: «فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» جزم بهذا، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

وكذلك نصَّ على هذا ابن أبي العز في «شرح الطحاوية» (2/603).