بسم
الله الرحمن الرحيم
الدرس
الحادي والعشرون
قال الإمام أبو عبد
الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري رحمه الله:
بَابُ ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ﴾ [هود: 7]، ﴿وَهُوَ
رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ﴾ [التوبة: 129].
قَالَ أَبُو
العَالِيَةِ: ﴿اسْتَوَى
إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 29]: «ارْتَفَعَ»، ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ [البقرة: 29]: «خَلَقَهُنَّ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿اسْتَوَى﴾ [البقرة: 29]: «عَلاَ» ﴿عَلَى
العَرْشِ﴾ [الأعراف:54] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿المَجِيدُ﴾ [ق:1]:
«الكَرِيمُ»، وَ﴿الوَدُودُ﴾ [البروج:14]: «الحَبِيبُ»، يُقَالُ: «حَمِيدٌ مَجِيدٌ، كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ
مَاجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ»
7418 - حَدَّثَنَا
عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ
بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ،
قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ
قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ»،
قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ،
فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلَ اليَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو
تَمِيمٍ»، قَالُوا: قَبِلْنَا، جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ،
وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ، قَالَ: «كَانَ اللَّهُ
وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ»، ثُمَّ أَتَانِي
رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ،
فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَايْمُ
اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.
**********************
(قَالَ أَبُو
العَالِيَةِ)
وهو
رفيع بن مهران، وهو ثقة. وقد روى حديثًا أُنكِرَ عليه.قال ابن أبي حاتم في «آداب
الشافعي ومناقبه»170: ثنا أَبِي، ثنا
حَرْمَلَةُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي الْعَالِيَةِ
الرِّيَاحِيِّ: رِيَاحٌ، قَالَ أَبِي: يَعْنِي الَّذِي يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلاةِ: «أَنَّ عَلى
الضَّاحِكِ الْوُضُوءَ».
وهذا
إسنادٌ حسن .حرملة :ابن يحيى صاحب الشافعي صدوق كما في«تقريب التهذيب » .
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/54): فأما
قول الشافعي رحمه الله: حديث أبي العالية الرياحي رياح. فإنما أراد به حديثه الذي
أرسله في القهقهة فقط. ومذهب الشافعي أن المراسيل ليست بحجة، فأما إذا أسند أبو
العالية فحجة.
والحديث أخرجه الدارقطني في سننه(603)
من طريق أَبِي الْعَالِيَةَ , وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَعْمَى تَرَدَّى
فِي بِئْرٍ , فَضَحِكَ نَاسٌ خَلْفَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ
وَالصَّلَاةَ».
ومراسيل أبي العالية ضعيفة جدًّا. قال
الدارقطني في سياق طرق هذا الحديث: أرسل أبوالعالية هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَمِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ
رَجُلًا سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْهُ , وَقَدْ رَوَى عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَكَانَ عَالِمًا بِأَبِي الْعَالِيَةِ وَبِالْحَسَنِ ,
فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوا بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَلَا أَبِي الْعَالِيَةِ
فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى ما دلَّ عليه هذا الحديث, وهذا جاء عن الحسن
البصري, والنخعي, وبه قال سفيان الثوري, وأصحاب الرأي, واحتجوا بهذا الحديث
المرسل. ينظر «الإ شراف على مذاهب العلماء» (1/112‑114)لابن المنذر .
وأصحاب الرأي :الحنفية .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في«فتح
الباري» شرح ترجمة حديث رقم(176)
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
قَالُوا يَنْقُضُ الضَّحِكُ إِذَا وَقَعَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ لَا خَارِجهَا .قَالَ
ابن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ .وَاخْتَلَفُوا
إِذَا وَقَعَ فِيهَا فَخَالَفَ مَنْ قَالَ بِهِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ
وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثٍ لَا يَصِحُّ وَحَاشَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ أَنْ يَضْحَكُوا
بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ انْتَهَى. عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِعُمُومِ الْخَبَرِ
الْمَرْوِيِّ فِي الضحك بل خصوه بالقهقهة. اهـ.
(القهقهة)
قال الخليل بن أحمد في كتاب«العين »(3/341)
حكايةُ ضرْبٍ من الضّحك، ثم يُضاعف بتصريف الحكاية. يُقال:
قَهْقَهَ الضاحك يُقَهْقِهُ قَهْقَهَةً، إذا مدّ ورجّع. وإذا خفّف قيل: قَه
الضّاحك، قال الراجز:
فَهُنَّ في
تَهانُفٍ وفي قَهِ
وإن اضطرّ إلى
تثقيلها جاز، كقوله:
ظَلِلْنَ في
هَزْرَقَةٍ وقَهِّ .اهـ.
أما الضحك خارج الصلاة فلا يبطل الوضوء إجماعًا .قال ابن المنذر في «الإشراف»: أجمع أهل العلم
على أن الضحك في غير الصلاة لاينقض طهارة ولا يوجب وضوءاً.وتقدم أيضًا في كلام
الحافظ .
وهنا
قصة طريفة عجيبة . أخرج ابن أبي حاتم رحمه الله في«آداب الشافعي ومناقبه» 128من طريق إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ أَبِي ثَوْرٍ، قَالَ:
قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ لِيَ الْفَضْلِ بْنُ الرَّبِيعِ: أُحِبُّ أَنْ
أَسْمَعَ مُنَاظَرَتَكَ لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ، قَالَ
الشَّافِعِيُّ: قُلْتُ: لَيْسَ اللُّؤْلُؤِيُّ فِي هَذَا الْحَدِّ، وَلَكِنْ
أُحْضِرُ بَعْضَ أَصْحَابِي، حَتَّى يُكَلِّمَهُ بِحَضْرَتِكَ، فَقَالَ: أَوْ
ذَاكَ.
قَالَ أَبُو
ثَوْرٍ: فَحَضَرَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْضَرَ مَعَهُ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِنَا،
كُوفِيًّا كَانَ يَنْتَحِلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَصَارَ مِنْ أَصْحَابِنَا. فَلَمَّا
دَخَلَ اللُّؤْلُؤِيُّ: أَقْبَلَ الْكُوفِيُّ عَلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ حَاضِرٌ
بِحَضْرَةِ الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ
يُنْكِرُونَ عَلَى أَصْحَابِنَا بَعْضَ قَوْلِهِمْ، وَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْ
مَسْأَلَةٍ مِنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ
اللُّؤْلُؤِيُّ: سَلْ.
فَقَالَ لَهُ:
مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَذَفَ مُحْصَنَةً، وَهُوَ فِي الصَّلاةِ؟ فَقَالَ:
صَلاتُهُ فَاسِدَةٌ.
فَقَالَ لَهُ:
فَمَا حَالُ طَهَارَتِهِ؟ فَقَالَ: طَهَارَتُهُ بِحَالِهَا، وَلا يَنْقُضُ
قَذْفُهُ طَهَارَتَهُ.
فَقَالَ لَهُ:
فَمَا تَقُولُ إِنْ ضَحِكَ فِي صَلاتِهِ؟ .
قَالَ: يُعِيدُ
الطَّهَارَةَ وَالصَّلاةَ.
فَقَالَ لَهُ:
فَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ فِي الصَّلاةِ أَيْسَرُ مِنَ الضَّحِكِ فِيهَا؟ ! فَقَالَ
لَهُ: وَقَفْنَا فِي هَذَا، ثُمَّ وَثَبَ فَمَضَى، فَاسْتَضْحَكَ الْفَضْلُ بْنُ
الرَّبِيعِ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ، إِنَّهُ لَيْسَ فِي
هَذَا الْحَدِّ .اهـ.
وأخرجه
ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (3/161) ترجمة
اللؤلؤي من طريق البويطي يقول: سَمعتُ الشافعي وفي آخره قال: فأخذ اللؤلؤي نعله وقام قال فقلت للفضل قد قلت لك إنه ليس
هناك.
والأثر صحيح .
والحسن بن زياد
اللؤلؤي صاحب القصة :ضعيفٌ جدًّا .
﴿اسْتَوَى
إِلَى السَّمَاءِ﴾
يشير إلى قوله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى
إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:29].
(﴿اسْتَوَى
إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 29]: «ارْتَفَعَ»، ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ [البقرة: 29]: «خَلَقَهُنَّ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿اسْتَوَى﴾ [البقرة: 29]: «عَلاَ»)
استوى عند السلف تدور على أربعة
معاني. استوى بمعنى: ارتفع، وبمعنى: علا، وبمعنى: صعد، وبمعنى: استقر.
وأهل التحريف يقولون استوى بمعنى
استولى، أي: قهر وغلب، واستدلوا لذلك بقول الشاعر:
قَدِ
اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ *** مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ
(اسْتَوَى بِشْرٌ) قالوا: استولى.
وهذا تفسير باطل، فالله عز وجل متصف
بالقهر والغلبة أزلًا وأبدًا قال تعالى: ﴿وَهُوَ
الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:18].
فليس هناك وقت يكون الله سبحانه وتعالى ليس له فيه قهر وغلبة ﴿وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ
كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر:44].
(وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: ﴿المَجِيدُ﴾ [ق:1]:
«الكَرِيمُ»، وَ﴿الوَدُودُ﴾ [البروج:14]: «الحَبِيبُ»)
يشير إلى قوله عز وجل: ﴿وَهُوَ
الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)﴾ [البروج]. ومعنى الودود: يقول: الحبيب، فالله عز وجل يحب عباده
المؤمنين ويحبونه قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة:54].
الودود من أسماء الله عز وجل، وفي
سورة هود قال سبحانه عن نبيه شعيب عليه الصلاة والسلام: ﴿إِنَّ
رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود:90]. والودود فيه إثبات صفة المودة لله عز وجل.
﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ المجيدُ:
على قراءة الرفع يكون من أسماء الله عز وجل، وعلى قراءة الجر (المجيدِ) يكون صفة
للعرش.
أما على قراءة الرفع فالمجيد من أسماء
الله عز وجل ، وقال سبحانه: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود:73].
وفي الصلاة الإبراهيمية «إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» البخاري (3370) مسلم
(405).
والمجيد
بمعنى الكرم والشرف .قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث »: المَجْد فِي كَلَامِ الْعَرَبِ:
الشَّرَف الْوَاسِعُ. ورجُلٌ مَاجِد: مِفْضال كَثِيرُ الْخَيْرِ شَرِيفٌ.
والمَجِيد: فعِيل مِنْهُ لِلْمُبَالَغَةِ.وَقِيلَ: هُوَ الْكَرِيمُ الفِعَال.
وَقِيلَ: إِذَا
قارَن شَرفُ الذَّاتِ حُسْنَ الفِعال سُمِّيَ مَجْداً. وَفَعِيلٌ أبْلَغ مِنْ
فاعِل، فكأنَّه يَجْمع مَعْنَى الْجَلِيلِ وَالْوَهَّابِ وَالْكَرِيمِ.
. ومن أوصاف العرش :المجيد .
ومن أوصاف العرش: الكريم ﴿فَتَعَالَى
اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون:116].
وفي الآية هنا في ترجمة الإمام البخاري وصف العرش بأنه عظيم. وإذا تعددت الأوصاف
فإنها تدل على عظمة المسمَّى .
(يُقَالُ: «حَمِيدٌ
مَجِيدٌ، كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ»)
وحميد أيضًا من أسماء الله سبحانه كما
تقدم في إثبات اسم الله المجيد .وقال تعالى {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وقال تعالى: {وَهُوَ
الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ
وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}
(كَأَنَّهُ فَعِيلٌ) أي كأن مجيد على وزن فعيل. (مِنْ
مَاجِدٍ) أي اسم فاعل؛ لأن فعيل أحيانًا يكون بمعنى اسم الفاعل، وأحيانًا
يكون معناه اسم مفعول. مثلًا قدير على وزن فعيل، وهو اسم فاعل بمعنى قادر. وقد
يأتي فعيل بمعنى اسم المفعول مثل جريح اسم مفعول أي: مجروح ،قتيل اسم مفعول لأنه
بمعنى مقتول .
(مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ) حَمِيدٌ على وزن فعيل بمعنى اسم مفعول، أي محمود من حُمِدَ.
وجاء حَمِد. حُمِدَ مبني للمجهول، وحَمِد مبني للفاعل. وعلى كلا الأمرين المعنى
صحيح، فالله سبحانه متصف بالحمد في ذاته وأقواله وأفعاله ، وهو المحمود يحمده
الخلائق على إحسانه وفضله .قال الشوكاني رحمه الله في«فتح القدير»تفسيرسورة
الشورى :الْحَمِيدُ :الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ مِنْهُمْ عَلَى إِنْعَامِهِ
خُصُوصًا وَعُمُومًا.
(حَدَّثَنَا عَبْدَانُ)
وهو عبد الله بن عثمان بن جبلة
المروزي.
(أَخْبَرَنَا أَبُو
حَمْزَةَ)
محمد بن ميمون السكري.
(عَنِ الأَعْمَشِ)
سليمان بن مهران، أبو محمد الكوفي.
(عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ)
صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما،
وعمران هو أبو نُجَيد أسلم عام خيبر، وهو راوي حديث النهي عن الكي. روى مسلم في«صحيحه
» (1226) عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أُحَدِّثُكَ
حَدِيثًا عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ
حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ
عَلَيَّ، حَتَّى اكْتَوَيْتُ، فَتُرِكْتُ، ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ».
وأخرج أبوداود في «سننه » (3865)عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ الكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَ، وَلَا أَنْجَحْنَ».
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَكَانَ يَسْمَعُ تَسْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ فَلَمَّا
اكْتَوَى انْقَطَعَ عَنْهُ فَلَمَّا تَرَكَ رَجَعَ إِلَيْهِ».وهو في «الصحيح
المسند للوادعي» (1022).
الكي مكروه مع الجواز، أخرج البخاري (5683)
ومسلم (2205) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ
أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ، فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ
لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ».
وأخرج البخاري (5681) عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشِّفَاءُ
فِي ثَلاَثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ
بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ».
ومن صفات السبعين الألف الذين يدخلون
الجنة بغير حساب ولا عقاب «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ
يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» البخاري (5705،6541)
ومسلم (218) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
والحاصل أن الكيَّ جائز، والأحسن
الابتعاد عنه .قال النووي رحمه الله في«شرح صحيح مسلم»(14/193) :قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ إِشَارَةٌ إِلَى
تَأْخِيرِ الْعِلَاجِ بِالْكَيِّ حَتَّى يَضْطَرَّ إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ
اسْتِعْمَالِ الْأَلَمِ الشَّدِيدِ فِي دَفْعِ أَلَمٍ قَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ
أَلَمِ الْكَيِّ .اهـ.
(قَالَ: إِنِّي عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ»، قَالُوا:
بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ:
«اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلَ اليَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ»،
قَالُوا: قَبِلْنَا، جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ
أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ، قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ
قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ،
وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ»، ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا
عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ
ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا،
وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.)
- في هذا الحديث من الفوائد
البِشَارةُ بالخير. البِشَارةُ الإخبار بما يسر. أما بضم الباء البُشَارَة فقال
ابن الأثير في «النهاية» (1/129): البُشَارَة بِالضَّمِّ: مَا يُعطَى البَشِير، كالعُمالة
لِلْعَامِلِ، وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ، لأنهَا تُظْهر طَلَاقَةَ الْإِنْسَانِ
وفَرحَه. اهـ.
يعني المال الذي يعطى للمبشِّر يقال
له: بُشارة.
البِشَارةُ من القربات إلى الله عز
وجل، وقد أمرالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك كما في «الصحيحين» البخاري (3038)
واللفظ له، ومسلم (1733) عن أبي موسى الأشعري «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا
وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا».
(وَبَشِّرَا) كالبِشَارةُ بما وعده
الله عز وجل من الثواب للمطيعين، والبِشَارةُ لهم بالجنة، البِشَارةُ بمكفرات
الذنوب، البِشَارةُ بفضل العلم النافع، بفضل الذكر، فضل الصلاة على النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم، فضل التقوى، هذه من البِشَارات.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم
يتسابقون في البِشَارات، من ذلك ما في «الصحيحين» البخاري (4418)،
ومسلم (2769) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في توبة الله عليه وعلى
صاحبيه وفيه «...فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا
خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ
لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ
عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ
عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ
سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ
سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ
الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ
مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ،
فَأَوْفَى عَلَى الجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا
جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ،
فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا، بِبُشْرَاهُ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا
يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ
فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ
اللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ
إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي
وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ،
وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ
بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»، قَالَ: قُلْتُ:
أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ،
بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ». وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا
نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ... ».
وقوله (وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ)
المواساة عند الشدائد وقعُها عظيمٌ في النفس .
وفي «الصحيحين» البخاري (6216)،
ومسلم (2403) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ
المَدِينَةِ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودٌ
يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ المَاءِ وَالطِّينِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ» فَذَهَبْتُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ
بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: «افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ» فَإِذَا عُمَرُ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ
اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: «افْتَحْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، أَوْ تَكُونُ» فَذَهَبْتُ
فَإِذَا عُثْمَانُ، فَقُمْتُ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ،
فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ، قَالَ: اللَّهُ المُسْتَعَانُ.
وثبت في «مسند أحمد» (4255)
وهو في «الصحيح المسند للوادعي» (985) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَتَاهُ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي،
فَافْتَتَحَ النِّسَاءَ فَسَحَلَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ،
فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» ، ثُمَّ تَقَدَّمَ سْأَلُ، فَجَعَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ
تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ» ، فَقَالَ: فِيمَا سَأَلَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ. قَالَ:
فَأَتَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَبْدَ اللَّهِ لِيُبَشِّرَهُ،
فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَدْ سَبَقَهُ، فَقَالَ: إِنْ
فَعَلْتَ، لَقَدْ كُنْتَ سَبَّاقًا بِالْخَيْرِ. وفي رواية ( وَلا وَاللَّهِ
مَا سَبَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ).
استفدنا أن البِشَارةَ مستحبة، وفيها إدخال
السرور والأنس على الصاحب.
وينبغي إعطاء المبشر شيئًا لأجل
بِشَارتِهُ كما فعل كعب بن مالك «فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ
يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا، بِبُشْرَاهُ
وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ».
- وفيه قبول البُشْرَى فمن بُشِّرَ
بشيء تُقبل بُشْرَاهُ، ما يقال: اعطني الآن ويتعجل، يقبل البشرى ويتأنَّى؛ لهذا
أنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على بني تميم، وفي رواية للبخاري (3190) «فَتَغَيَّرَ
وَجْهُهُ».
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في
الشرح «فتح الباري» (13/409): (وَسَبَبُ غَضَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اسْتِشْعَارُهُ بِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ لِكَوْنِهِمْ عَلَّقُوا آمَالَهُمْ بِعَاجِلِ
الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ وَقَدَّمُوا ذَلِكَ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ
الَّذِي يُحَصِّلُ لَهُمْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ).
- حديث الباب من أدلة فضل أهل اليمن «اقْبَلُوا
البُشْرَى يَا أَهْلَ اليَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ»، قَالُوا:
قَبِلْنَا.
وفي الصحيحين البخاري (4388) واللفظ
له، ومسلم (52) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ
أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالحِكْمَةُ
يَمَانِيَةٌ، وَالفَخْرُ وَالخُيَلاَءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ
وَالوَقَارُ فِي أَهْلِ الغَنَمِ».
وفي الصحيحين البخاري (3302)
ومسلم (51) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أَشَارَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ اليَمَنِ
فَقَالَ «الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا».
وفي «صحيح مسلم» (2301) عَنْ
ثَوْبَانَ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي
لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ
حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ».
(يَرْفَضَّ): أي: يسيل عليهم.
وأخرج البزاركما في«كشف الأستار»
(3483) عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَوْضِي أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ لأَهْلِ بَيْتِي،
إِنِّي لأَضْرِبَهُمْ بِعَصَايَ هَذِهِ حَتَّى تَرْفَضَّ ".
استفدت من والدي رحمه الله أن الصحيح
ما في «صحيح مسلم» (أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ).
فأول من يرد حوض النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ويشرب منه أهل اليمن المستقيمين منهم.
وهل الإيمان في أهل اليمن على الاستمرار في كل
الأزمان؟ أفادنا الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله أنه لا يلزم أن الإيمان دائماً في أهل اليمن، فقد
يزول أحياناً، فقد كان علي بن الفضل القرمطي أراد أن يقضي على اليمن.اهـ.
معرفة فضائل البلدان من العلوم تُذْكر
لمعرفتها وللاستفادة لا للتعصب. والعبرة والميزان بالعمل الصالح كما قال النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ
نَسَبُهُ» أخرجه مسلم (2699)
عن أبي هريرة.
والواجب على أهل اليمن أن يحمدوا الله
على هذه النعمة، وأن يستقيموا ويتمسكوا بدينهم كما أمر الله ﴿فَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود:112].
وأن يكونوا صفًا واحدًا ويدًا واحدةً
على كتاب ربهم، وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والمعاصي تذهب
النعمة وتسلبها. ولا يخفى أن اليمن كانت في خير عظيم من حيث الأمن والأمان والحياة
الطيبة ونشر السنة والعلم حتى كثر الشر وتفاقم بسبب الفرقة فإن الفُرْقة من أسباب
الضعف والفشل، وكذلك الخروج على الحاكم هذا من أسباب الفساد ويجر على البلاد شرًا
عظيمًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- وفيه جواز السؤال عن مبدأ هذا
الأمر، ومبدأ هذا العالم «جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ
فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ».
- «كَانَ
اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ» فيه أوليَّة الله عز وجل، وقد قال
تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد:3]. وفي «صحيح مسلم» (2713) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «...اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ
وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ».
- هذا الحديث استدل به جمهور العلماء
على سبق خلق العرش على خلق القلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر
العرش في أول بدء خلق هذا العالم. وقد ثبت في سنن الترمذي (3319) من حديث عبادة بن
الصامت رضي الله عنه
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ
القَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ »
وقد ذهب إلى أن أول ما خلق الله القلم
وليس العرش ابن جرير الطبري رحمه الله، وهو قول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه
الله لظاهر قوله (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ) .
وجمهور العلماء يصرفونه عن ظاهره (إِنَّ
أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ) أي: من غير العرش؛ لأن العرش سابق عندهم على
خلق القلم، وقد ذكر هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري.
قوله (ثُمَّ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)هذه
من أوائل مخلوقات الله عز وجل.
- وفيه الإيمان بالقدر السابق «وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» والكتابة أحد
مراتب القدر، ومراتب القدر أربع قال الشاعر:
عِلْمٌ
كِتابةُ مولانا مشيئَتُهُ *** وخَلْقُهُ
وهو إيجادٌ وتكوينُ
هذه مراتب القدر. الأول العلم السابق،
ثم الكتابة، ثم المشيئة، ثم الخلق.
الذكر هنا اللوح المحفوظ، ويقال للوح
المحفوظ (أم الكتاب) كما قال تعالى: ﴿يَمْحُو
اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد:39].
- وفيه حرص عمران بن حصين رضي الله
عنه على العلم «وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا
قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ» تمنى أنها فاتته ولم يقم، ولم يفته الجلوس
عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح
الباري» (6/348): وَقَدْ كُنْتُ كَثِيرَ التَّطَلُّبِ لِتَحْصِيلِ مَا
ظَنَّ عِمْرَانُ أَنَّهُ فَاتَهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى أَنْ وَقَفْتُ
عَلَى قِصَّةِ نَافِعِ بْنِ زَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ فَقَوِيَ فِي ظَنِّي أَنَّهُ
لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقِصَّةِ بِخُصُوصِهَا لِخُلُوِّ قِصَّةِ
نَافِعِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى حَدِيثِ عِمْرَانَ إِلَّا أَنَّ
فِي آخِرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَا فِيهِنَّ وَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ عَزَّ
وَجَلَّ .اهـ.
وهذا من آداب الطالب الحرص على العلم.
وقد ثبت عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومٌ فِي عِلْمٍ لَا يَشْبَعُ،
وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لَا يَشْبَعُ». أخرجه الحاكم في «المستدرك» (312) .وهو
في «الصحيح المسند للوادعي» (51).
النهمة: شدة الرغبة في الشيء.
وقوله (فَإِذَا
السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا)
السراب يكون في شدة الحر، يُرى من
بعيد كأنه فيه ماء، فإذا جاءه لم يجده شيئًا.
**********************
قال الإمام البخاري
رحمه الله:
7419- حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لاَ يَغِيضُهَا
نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ،
وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الفَيْضُ - أَوِ القَبْضُ -
يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ»
**********************
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ)
وهو ابن المديني أبو الحسن السعدي.
ومن آثاره: أخرج الرامهرمزي في «المحدث
الفاصل » (320) عن عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ: «التَّفَقُّهُ فِي
مَعَانِي الْحَدِيثِ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ».
وهو ممن ابتُلي رحمه الله في أيام
المحنة في القول بخلق القرآن، وقد أجاب في ذلك مكرَها.وفي«طبقات الشافعي الكبرى » (2/147) للسبكي: وَكَانَ
على بن المدينى مِمَّن أجَاب إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن فى المحنة فنقم ذَلِك
عَلَيْهِ وَزيد عَلَيْهِ فى القَوْل وَالصَّحِيح عندنَا أَنه إِنَّمَا أجَاب خشيَة
السَّيْف. قَالَ ابْن عدى سَمِعت مُسَدّد بن أَبى يُوسُف القلوسى سَمِعت أَبى
يَقُول قلت لِابْنِ المدينى مثلك فى علمك يُجيب إِلَى مَا أجبْت إِلَيْهِ فَقَالَ
يَا أَبَا يُوسُف مَا أَهْون عَلَيْك السَّيْف. وَعنهُ خفت أَن أقتل وَلَو ضربت
سَوْطًا وَاحِدًا لمت.اهـ.
أما الإمام أحمد بن حنبل فإنه ثبت مع
أنه ضرب بالسياط، وأوذي رحمه الله لكنه ثبتَ . وقد عُدَّ هذا من حفظ الله لدينه؛
لأن الناس ينظرون ماذا يقول الإمام أحمد.
قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (11/196):
عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: أَعَزَّ اللهُ الدِّيْنَ بِالصِّدِّيْقِ يَوْمَ
الرِّدَّةِ، وَبِأَحْمَدَ يَوْمَ المِحْنَةِ.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ)
وهو ابن همام الصنعاني، لم يُرحل إلى
عالم كما رُحل إلى عبد الرزاق.
قال ابن رجب في شرح علل الترمذي (2/752): ..عبد الرزاق بن همام الصنعاني أحد أئمة الحديث
المشهورين، وإليه كانت الرحلة في زمانه في الحديث، حتى قيل: إنه لم يرحل إلى أحد
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رحل إلى عبد الرزاق.
(أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ)
وهو ابن راشد أبو عروة البصري نزيل
اليمن. وهو أحد الثلاثة الذي انتشرت السنة بسببهم في اليمن (معمر بن راشد، وعبد
الله بن المبارك، سفيان بن سعيد الثوري)الفائدة (من دروس والدي رحمه الله ).
(عَنْ هَمَّامٍ)
وهو ابن منبه الأبناوي، أي: من أبناء
الفرس الذين نزلوا اليمن.
-الحديث تقدم بنحوه (7411)
والشاهد منه ذكر العرش.
**********************
قال الإمام البخاري
رحمه الله:
7420- حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ يَشْكُو، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«اتَّقِ اللَّهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ»، قَالَ أَنَسٌ: لَوْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ
هَذِهِ، قَالَ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ
تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَعَنْ ثَابِتٍ: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ﴾ [الأحزاب:37]، «نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وَزَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ».
7421- حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى،
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " نَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ
جَحْشٍ، وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَتْ تَفْخَرُ
عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ تَقُولُ:
إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ ".
**********************
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ( قَوْلُهُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ: كَذَا لِلْجَمِيعِ غَيْرُ مَنْسُوبِ وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ
الْكَلَابَاذِيُّ انه أحْمَد بن سيار الْمَرْوَزِيُّ .وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ
أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي سُورَةِ
الْأَنْفَالِ) .
(حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) وهو ابن درهم.
(عَنْ ثَابِتٍ) وهو ابن أسلم البناني.
- في هذا الحديث منقبة لزينب بنت جحش
رضي الله عنها، فزينب بنت جحش رضي الله عنها هي ابنة أميمة عمة النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله في زاد
المعاد (1/102). وَأَمَّا عَمَّاتُهُ، فصفية أُمُّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ،
وعاتكة، وبرة، وأروى، وأميمة، وأم حكيم البيضاء. أَسْلَمَ مِنْهُنَّ صفية،
وَاخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِ عاتكة وأروى، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ إِسْلَامَ أروى.
وصفية أم الزبير بن العوام رضي الله
عنهما، قتل ولدها الزبيرَ عمرو بن جزمور الخارجي. فقد كان حضر الزبير بن العوام
رضي الله عنه إلى وقعة الجمل ، ثم لما وصل ندم. ومع رجوعه قتله عمرو بن جزمور،
فحزن لذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنكر إنكارًا عظيمًا على قاتله .أخرج
أحمد في «مسنده» (681) عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ
جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَشِّرْ قَاتِلَ
ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا،
وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ».
- من فوائدهذا الحديث أن الله سبحانه كان
ولي زينب بنت جحش رضي الله عنها في
زواجها؛ فلهذا كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتقول: «زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ
تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ». وقصة زواجها في أحاديث متعددة
منها ما في «صحيح مسلم» (1428) عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ،
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: «فَاذْكُرْهَا
عَلَيَّ»، قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ
عَجِينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، حَتَّى مَا
أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي،
فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي،
فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، قَالَ، فَقَالَ:
وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَطْعَمَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ، فَخَرَجَ النَّاسُ
وَبَقِيَ رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ الطَّعَامِ، فَخَرَجَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعْتُهُ، فَجَعَلَ
يَتَتَبَّعُ حُجَرَ نِسَائِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ، وَيَقُلْنَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ قَالَ: فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَنَّ
الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا أَوْ أَخْبَرَنِي، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ
الْبَيْتَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ، فَأَلْقَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ،
وَنَزَلَ الْحِجَابُ، قَالَ: وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ زَادَ ابْنُ
رَافِعٍ فِي حَدِيثِهِ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ
لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: 53] إِلَى
قَوْلِهِ ﴿وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 53].
(فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي
صَدْرِي) وكان هذا قبل الحجاب.
(فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ)
وهذا من خصوصيات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: «فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ»)
وحكمة أمر النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم لزيد بن حارثة أن يخطبها، مع أن أنها كانت تحته قبل أن يتزوجها النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم .قال القرطبي في
تفسيره(14/ 192): وَهَذَا امْتِحَانٌ لِزَيْدٍ
وَاخْتِبَارٌ لَهُ، حَتَّى يُظْهِرَ صَبْرَهُ وَانْقِيَادَهُ وَطَوْعَهُ. قُلْتُ-أي
القرطبي-: وَقَدْ يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ لِصَاحِبِهِ:
اخْطُبْ عَلَيَّ فُلَانَةً، لِزَوْجِهِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُ، وَلَا حَرَجَ فِي
ذَلِكَ. والله أعلم.اهـ.
وجرت حكمة الله سبحانه التباغض
والنفرة بين الزوج الأول والزوج الثاني، ولكن هنا زيد بن حارثة رضي الله عنه يلقب
بحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذه فضيلة له.
- وحديث زينب بنت جحش رضي الله عنها
في الرواية الثانية في وليمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تزوج بزينب.
وقد كانت زينب هي التي تسامي عائشة
رضي الله عنهما، وهذا جاء في أدلة منها حادثة الإفك، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ
جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: «يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟»
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا
خَيْرًا، قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ
وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ
أَصْحَابِ الإِفْكِ. «صحيح البخاري» (4750،4141) ومسلم (2770) .
وفي «صحيح مسلم» (2442) من
حديث عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي
مِرْطِي، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ
أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ،
وَأَنَا سَاكِتَةٌ، قَالَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» فَقَالَتْ: بَلَى،
قَالَ «فَأَحِبِّي هَذِهِ» قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ
مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي
قَالَتْ، وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقُلْنَ لَهَا: مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ، فَارْجِعِي إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولِي لَهُ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ
يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاللهِ
لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ، فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي
مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ.
وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ
صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ
بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ
كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ، قَالَتْ: فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا، عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي
دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا، فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي
إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ
وَقَعَتْ بِي، فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ، هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا،
قَالَتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ، قَالَتْ: فَلَمَّا
وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَتَبَسَّمَ إِنَّهَا «ابْنَةُ
أَبِي بَكْرٍ».
- في قوله «اتَّقِ
اللَّهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ».
يشير إلى قوله عز وجل: ﴿وَإِذْ
تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ [الأحزاب:37].
(أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أي:
بالإسلام، (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أي: بالعتق، (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ
مُبْدِيهِ) جاء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أراد الزواج بزينب.
- هذا الحديث من أدلة علو الله عز
وجل.
**********************
قال الإمام البخاري
رحمه الله:
7422- حَدَّثَنَا أَبُو
اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ لَمَّا قَضَى الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي
سَبَقَتْ غَضَبِي»
**********************
تقدم الحديث برقم (7404).
**********************
قال الإمام البخاري
رحمه الله:
7423- حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا
عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ
جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَفَلاَ نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ
دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ
مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ
فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ،
وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ»
**********************
(حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ)
وهو الحزامي.
(حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ فُلَيْحٍ)
محمد بن فليح بن سليمان.
(حَدَّثَنِي أَبِي)
فليح بن سليمان ضعيف، قال الحافظ في فتح الباري (59):وَلَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ
مِنْ حَدِيثِهِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ لَهُ فِي
الْمَوَاعِظِ وَالْآدَابِ وَمَا شَاكَلَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَفْرَادِهِ .اهـ.
وهذا الحديث من أدلة الرقائق
والترغيب.
(حَدَّثَنِي هِلاَلٌ)
ابن أبي ميمونة.
(وَأَقَامَ الصَّلاَةَ)
إقامة الصلاة قال ابن رجب في «فتح
الباري» (4/192). والمراد بإقامتها: الاتيان بها قائمة على وجهها التام.اهـ.
وإقامة الصلاة نوعان:
إحداها: إقامة أركانها ومستحباتها
وواجباتها.
والثاني: إقامة باطنها وهذا بالخشوع،
فالخشوع يعد من إقامة الصلاة.
- هذا الحديث من أدلة الترغيب، فمن
آمن بالله ورسوله, وكان مقيمًا للصلاة، ويصوم رمضان فإنه يكون من الفائزين بالجنة
- وفيه التسلية على من لم يهاجر. وقد
ثبت في «صحيح البخاري» (6484،10) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ
المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى
اللَّهُ عَنْهُ».
- وفيه إثبات حق للمخلوق على الله،
وهذا كما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ
أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ
أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» البخاري (2856) ومسلم
(30).
وهذا عند أهل السنة تفضل من الله
سبحانه وتعالى وإحسان.
- وفيه تفاوت درجات الجنة، وقد قال
تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ
وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأحقاف:19]. الجنة درجات، والنار دركات كما قال تعالى: ﴿إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء:145].
- وفيه فضل الجهاد في سبيل الله، وأن
مرتبة المجاهدين في سبيل الله رفيعة. وقد ثبت في «صحيح البخاري» (2809) عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ البَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ
حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ، وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ
بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ
كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ، قَالَ: «يَا أُمَّ
حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ
الأَعْلَى».
ومن أسباب رفعة الدرجات حفظ القرآن
فقد ثبت في «سنن الترمذي» (2914) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُقَالُ، يَعْنِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ،: «اقْرَأْ
وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ
عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا».
وعدد آيات القرآن ستة آلاف ونيِّف مما
يدل على فضل منزلة صاحب القرآن الكريم. فهذا من أسباب رفع الدرجات.
ومن أسباب رفع الدرجات العلم النافع
قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة:11].
ومن أسباب رفع الدرجات الاستغفار للأبوين فقد
ثبت من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ
لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟
فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» «مسند أحمد» (10610)وهوفي «الصحيح
المسند للوادعي» (1389).
(أَنَّى لِي هَذِهِ) يعني أعماله
الصالحة كانت قليلة، فيقول من أين هذا. وهذا من أدلة حث الأبوين على تربية أولادهم
تربية صالحة؛ لأن الولد الصالح هو الذي يعطف على أبويه، ويشفق عليهما في حياتهما
وبعد مماتهما.
- وفيه الحث على سؤال الله عز وجل
الفردوس، والحث على المسابقة إلى الفردوس الأعلى بالأعمال الصالحة وبالدعاء.نسأل
الله الفردوس الأعلى .
**********************
قال الإمام البخاري
رحمه الله:
7424- حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ
المَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَلَمَّا
غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ
هَذِهِ؟»، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهَا
تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ
لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، ثُمَّ قَرَأَ:
ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا» فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ.
**********************
(حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ)
محمد بن خازم الضرير، أحفظ الناس لحديث
الاعمش.
(إِبْرَاهِيمَ)
إبراهيم بن يزيد التيمي.
(فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ
اللَّهِ) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
- الحديث من آداب التعليم ،إلقاء
المسائل بصورة سؤال ليتنبه السامع لما يقال له، ولهذا نظائر كثيرة من الأدلة .ومنه
حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: «يَا
مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ
عَلَى اللَّهِ؟...» البخاري (2856)
ومسلم (30)
وتقدم .
- وفيه الإيمان بسجود الشمس لله عز
وجل تحت العرش، وقد قال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ
وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ
يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج:18]. فالسماوات
والأرض والشمس والقمر ...تسجد لله عز وجل.
- وفيه أن الشمس في آخر الزمان لا
يؤذن لها بذلك، ويقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها. وهذه من علامات
الساعة الكبرى التي لا تنفع التوبة عند وجودها كما قال تعالى: ﴿فَلَمْ
يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي
قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر:85]،
وقوله سبحانه وتعالى:
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ
يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ
رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ
فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ [الأنعام:158].
فهذه من الحالات التي لا تقبل فيها
التوبة ،عند طلوع الشمس من مغربها، وهكذا عند الاحتضار ﴿وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ
الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ
أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء:18].
ومستقر الشمس تحت العرش كما في صحيح
البخاري (4803)وصحيح مسلم (159) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا
تَحْتَ العَرْشِ». وهذا من تفسير القرآن بالسنة.والله أعلم .