جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 13 أبريل 2016

الدرس الثاني والعشرون من/كتاب التوحيد من صحيح البخاري 6من شهر رجب 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني والعشرون
مذاكرة:
جاءت رواية في «صحيح مسلم» (220) «...هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ...» عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، و (لَا يَرْقُونَ) لفظة شاذة شذ بها سعيد بن منصور.
قال ابن تيمية رحمه الله: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يسترقون وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» فَهَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِهِ وَقَدْ مَدَحَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يسترقون وَالِاسْتِرْقَاءُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَرْقِيَهُ وَالرُّقْيَةُ مِنْ نَوْعِ الدُّعَاءِ وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْقِي نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ وَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَهُ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى فِي هَذَا: «لَا يَرْقُونَ» ضَعِيفَةٌ غَلَطٌ... اهـ المراد من مجموع الفتاوى (1/328).
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرقي المرضى، وكان يرقي نفسه والثابت في الصحيحين (ولا يسترقون).
*************************

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري رحمه الله:
7425- حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: «أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ»، ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ بِهَذَا، وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ.
**********************
(حَدَّثَنَا مُوسَى) ابن إسماعيل، أبو سلمة التَّبُوذكي.
(عَنْ إِبْرَاهِيمَ) ابن سعد الزهري.
(حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ) الزهري، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الشهير بابن شهاب.
(اللَّيْثُ) وهو ابن سعد أبو الحارث الفهمي عالم مصر، ومفتيها.
(يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ) نسب إلى جده، وهو يحيى بن عبد الله بن بكير.
(يُونُسَ)ابن يزيد الأيلي.

- هذا الحديث مختصر، وقد أخرجه الإمام البخاري (4986) في كتاب فضائل القرآن بسياق أطول «بَابُ جَمْعِ القُرْآنِ» عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ: «عِنْدَهُ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: «كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، «فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ» ، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، «فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ» ، قُلْتُ: «كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» ، قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، " فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ".
وزيد بن ثابت رضي الله عنه من حفاظ القرآن الكريم، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة .قال الحافظ في فتح الباري (9/29): نَعَمْ قَدْ كَتَبَ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ غَيْرَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ .أَمَّا بِمَكَّةَ فَلِجَمِيعِ مَا نَزَلَ بِهَا لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ .وَأَمَّا بِالْمَدِينَةِ فَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَكْتُبُ زَيْدٌ وَلِكَثْرَةِ تَعَاطِيهِ ذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْكَاتِبُ بِلَامِ الْعَهْدِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ثَانِيَ حَدِيثَيِ الْبَابِ. وَلِهَذَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رُبَّمَا غَابَ فَكَتَبَ الْوَحْيَ غَيْرُهُ
اهـ.
وأخرج البخاري في «صحيحه» (4990) عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لاَ يَسْتَوِي [النساء: 95] القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ﴿وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء: 95]، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالكَتِفِ - أَوِ الكَتِفِ وَالدَّوَاةِ -» ثُمَّ قَالَ: «اكْتُبْ ﴿لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ [النساء: 95]» وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ؟ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا: ﴿لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ [النساء: 95] ﴿وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء: 95] ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النساء: 95]».
وأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «بتعلم السُّريانية»
أخرج الترمذي في«سننه » (2715)و أحمد في «مسنده » (21618) واللفظ لأحمد عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ زَيْدًا، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ زَيْدٌ: ذُهِبَ بِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُعْجِبَ بِي، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا زَيْدُ، تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي» قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ، مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ. وهو في «الصحيح المسند للوادعي» (1/171).
(السُّرْيَانِيَّةَ) قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (7/412):بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ لُغَةُ الْإِنْجِيلِ وَالْعِبْرَانِيَّةُ لُغَةُ التَّوْرَاةِ.
وهذا فيه دليل على جواز تعلم اللغة الأجنبية للحاجة كالدعوة إلى الله. وأما ما جاء «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم» .فهذه مقالة ، وليست من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال العلامة الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في «المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح» (5): ...ومن الأمثلة على هذا: «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم» هذا الحديث بحث عنه الباحثون فلم يجدوا له أصلًا، وإن كان معناه صحيحًا، لكن لا يجوز لنا أن نضيف إلى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وعلى آله وسلم إلا ما ثبت عنه صلى اﷲ عليه وعلى آله وسلم.اهـ.
 فعرفنا أن تعلم اللغة الأجنبية يجوز للحاجة ،أما التوسع الآن الموجود وبعضهم يعتبره ثقافة وقد يسخر بعضهم من اللغة العربية، فهذا خطر ولا يجوز فإن اللغة العربية هي لغة القرآن قال تعالى {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)}.
- وقد كانت وقعة اليمامة في سنة ثنتي عشرة كما في البداية والنهاية(6/353).
وكان فيها حروب طاحنة، وقتل فيها من الصحابة نحو سبعمائة، ومنهم سبعون من الأنصار. أخرج البخاري(4078)من طريق قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ «قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ اليَمَامَةِ سَبْعُونَ»، قَالَ: «وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَوْمُ اليَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ».
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(9/12):  وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِارْتِدَادِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ فَجَهَّزَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَحَارَبُوهُ أَشَدَّ مُحَارَبَةٍ إِلَى أَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ وَقَتَلَهُ وَقُتِلَ فِي غُضُونِ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ قِيلَ سَبْعُمِائَةٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ.اهـ.
فسبب هذه الوقعة ارتداد قبائل من العرب التي أسلمت حديثًا، ومنعوا دفع الزكاة. فجهز أبو بكر الصديق رضي الله عنه الجيش لقتالهم، وفيها قتل مسيلمة الكذاب قتله وحشي بن حرب .
وقد تم جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في سنة ثلاث عشرة من الهجرة. أبو بكر الصديق رضي الله عنه مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر، وتوفي عن ثلاث وستين عامًا.
مدة خلافة عمر بن الخطاب عشر سنين، وتوفي رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين هجرية عن ثلاث وستين عامًا؛ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توفي عن ثلاث وستين عامًا، وأبو بكر عن ثلاث وستين عامًا، وعمرعن ثلاث وستين عامًا .
مدة خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه اثنا عشرة سنة، وتوفي عن اثنين وثمانين عامًا سنة ست وثلاثين. أكثر من تعمَّر من الخلفاء الأربعة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد ظَلمَهُ الخوارج كما ظُلِمَ عمر وظُلِمَْ علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وقد قُتِلَ عثمان رضي الله عنه محصورًا، قُتِلَ صبرًا وهو محاصَرٌ في الدار، وفي عدة أحاديث كان يذكرهم بمناقبه رضي الله عنه ويسأل عن السبب في الاعتداء عليه . ومِن أمثلة ذلك ما جاء في «مسند أحمد» (437) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ، فَدَخَلَ مَدْخَلًا كَانَ إِذَا دَخَلَهُ يَسْمَعُ كَلامَهُ مَنْ عَلَى الْبَلَاطِ، قَالَ: فَدَخَلَ ذَلِكَ الْمَدْخَلَ وَخَرَجَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يَتَوَعَّدُونَنِي بِالْقَتْلِ آنِفًا. قَالَ: قُلْنَا: يَكْفِيكَهُمُ اللهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: وَبِمَ يَقْتُلُونَنِي؟ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِهَا»، فَوَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلًا مُنْذُ هَدَانِي اللهُ، وَلا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ قَطُّ، وَلا قَتَلْتُ نَفْسًا، فَبِمَ يَقْتُلُونَنِي؟.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه مدة خلافته أربع سنين وتسعة أشهر. وتوفي عن ستين عامًا سنة أربعين من الهجرة. واستلم الخلافة ولده الحسن بن علي رضي الله عنهما. ثم لما كثر النزاع تنازل رضي الله عنه لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وسمي عام الجماعة.
وهذا من فضائل الحسن بن علي رضي الله عنه يتنازل عن الخلافة لأجل جمع الكلمة . وتم بتنازل الحسن بن علي رضي الله عنه مدة الخلافة. أخرج أبوداود في «سننه»(4646)وأحمد في«مسنده» (21928) وهو في «الصحيح المسند » للوادعي (1/225) من طريق سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عن سَفِينَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكًا بَعْدَ ذَلِكَ» ثُمَّ قَالَ لِي سَفِينَةُ: «أَمْسِكْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَخِلَافَةَ عُمَرَ، وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ، وَأَمْسِكْ خِلَافَةَ عَلِيٍّ» قَالَ: «فَوَجَدْنَاهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ نَظَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْخُلَفَاءِ، فَلَمْ أَجِدْهُ يَتَّفِقُ لَهُمْ ثَلَاثُونَ». 
ولفظ أبي داود «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ» قَالَ سَعِيدٌ قَالَ لِي سَفِينَةُ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ أَبَا بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، وَعُمَرُ عَشْرًا، وَعُثْمَانُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَعَلِيٌّ كَذَا» قَالَ سَعِيدٌ، قُلْتُ: لِسَفِينَةَ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَكُنْ بِخَلِيفَةٍ قَالَ: «كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ يَعْنِي بَنِي مَرْوَانَ».
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (8/16): وَإِنَّمَا كَمَلَتِ الثَّلَاثُونَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بن على، فَإِنَّهُ نَزَلَ عَنِ الْخِلَافَةِ لِمُعَاوِيَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَذَلِكَ كَمَالُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهَذَا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليما.
وجمعُ القرآن وحفظ الله عز وجل للقرآن الكريم في عدة حالات:
1- القرآن محفوظ عند الله في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) [البروج]. وقال: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس].
2- حِفظُ الله سبحانه للقرآن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال سبحانه: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة]. وفي «صحيح البخاري» (4998) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي العَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي العَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ».
وهذا من عناية الله عز وجل بحفظ كتابه، وكان من الصحابة من يكتب القرآن, وقد ثبت في «صحيح مسلم» (3004) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ». وفي قوله: «فَلْيَمْحُهُ» وكان هذا في أول الإسلام حتى لا يختلط الحديث النبوي بالقرآن.
وتقدم في حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لزيد بن ثابت «اكْتُبْ ﴿لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ» مما يدل على أن الصحابة كان منهم من يكتب القرآن .
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلمهم القرآن. وكان من الصحابة حفاظ كثير، ولكن لم يكن القرآن مجموعًا في كتاب على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن نزول القرآن يتتابع، فقد ينزل بعض الآيات من السورة وتنزل آيات من سورة أخرى، ثم بعد ذلك ينزل تتمة السورة المتقدمة. وأيضًا مع النسخ، فمن القرآن ما نُسخ .
قال الزركشي رحمه الله في البرهان في علوم القرآن (1/262):وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَبْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْحَفٌ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى تَغْيِيرِهِ كُلَّ وَقْتٍ فَلِهَذَا تَأَخَّرَتْ كِتَابَتُهُ إِلَى أَنْ كَمُلَ نُزُولُ الْقُرْآنِ بِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ وَالصَّحَابَةُ بَعْدَهُ ثُمَّ نَسَخَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إِلَى الْأَمْصَارِ.اهـ.
3- وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما استحرَّ القتل بالقراء خشي أن يذهب كثير من القرآن فأمر بجمع القرآن كما تقدم، وجُمع في مصحف فكان المصحف عند أبي بكر رضي الله عنه حتى توفي، ثم كان عند عمر رضي الله عنه حتى توفي، ثم كان عند ابنته حفصة رضي الله عنها والحديث في «صحيح البخاري» (4679) «...وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا القُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ».
4- وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ثبت في «صحيح البخاري» (4987) عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ، قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ، وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ العِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي القِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلاَفَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: «أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي المَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ»، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ"، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: «إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ» فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ، أَنْ يُحْرَقَ.
فأمر عثمان رضي الله عنه بنسخ عدة مصاحف، ثم أرسلها إلى البلدان. وأبقى عنده مصحفًا، وهو الذي يقال له المصحف الإمام ،وهو مصحف عثمان رضي الله عنه.
ويستفاد من فعل عثمان رضي الله عنه أن أوراق المصحف التي لا ينتفع بها تحرق صيانة للقرآن الكريم.
هذه الأربع المراحل من حفظ الله عز وجل لكتابه الكريم، فقد تكفل الله بحفظه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. وقال: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]. وكان الاختلاف الذي حصل في زمن عثمان اختلاف في القراءة من حيث زيادة الأحرف ونقصها وما أشبه ذلك.
- هذا الحديث من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومناقبه، جمعُ القرآن الكريم في مصحف معدودٌ في فضائل أبي بكر رضي الله عنه لأن هذا من حفظ الله لدينه.
وحِفظُ الله عز وجل للقرآن من التبديل والتغيير من معجزات القرآن الكريم، وحفظ الله لكتابه باقٍ إلى يوم القيامة. والله أعلم.
- الشاهد من الحديث ذكر العرش ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)﴾ [التوبة].

**********************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7426 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَلِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ»
**********************
(حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ) له أخ اسمه بهز.
(حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) هو ابن خالد.
(عَنْ سَعِيدٍ) ابن أبي عروبة.
(عَنْ قَتَادَةَ) ابن دعامة بن قتادة أبو الخطاب السدوسي.
(عَنْ أَبِي العَالِيَةِ) رفيع بن مهران.
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أبو العباس.
- هذا الحديث يسمى بحديث الكرب، ويقال حديث دعاء الكرب، وفيه معالجة الكرب بهذا الذكر، فهذا الذكر يدفع بإذن الله الكربة ويُزِيْلُ الغمة.
وفي «سنن الترمذي» (3505) عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ».
وهذا أيضًامن أدعية الكرب ،ومن أسباب تفريج الكرب.
وفي «مسند أحمد» (3712) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا»، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا».
ومن الأسباب في دفع الكرب الاستعانة بالصبر والصلاة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].
 وفي«سنن أبي داود» (1319) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى».
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في«زاد المعاد» (4/184): فَصْلًا فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ الْكَرْبِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحَزَنِ وبعضها تقدم ثم قال :
هَذِهِ الْأَدْوِيَةُ تَتَضَمَّنُ خَمْسَةَ عَشَرَ نَوْعًا مِنَ الدَّوَاءِ، فَإِنْ لَمْ تَقْوَ عَلَى إِذْهَابِ دَاءِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ، فَهُوَ دَاءٌ قَدِ اسْتَحْكَمَ، وَتَمَكَّنَتْ أَسْبَابُهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى اسْتِفْرَاغٍ كُلِّيٍّ.
الْأَوَّلُ: تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ.
الثَّانِي: تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ.
الثَّالِثُ: التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ الِاعْتِقَادِيُّ.
الرَّابِعُ: تَنْزِيهُ الرَّبِّ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَظْلِمَ عَبْدَهُ، أَوْ يَأْخُذَهُ بِلَا سَبَبٍ مِنَ الْعَبْدِ يُوجِبُ ذَلِكَ.
الْخَامِسُ: اعْتِرَافُ الْعَبْدِ بِأَنَّهُ هُوَ الظَّالِمُ.
السَّادِسُ: التَّوَسُّلُ إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى بِأَحَبِّ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ، وَمِنْ أَجْمَعِهَا لِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
السَّابِعُ: الِاسْتِعَانَةُ بِهِ وَحْدَهُ.
الثَّامِنُ: إِقْرَارُ الْعَبْدِ لَهُ بِالرَّجَاءِ.
التَّاسِعُ: تَحْقِيقُ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِ، وَالِاعْتِرَافِ لَهُ بِأَنَّ نَاصِيَتَهُ فِي يَدِهِ، يَصْرِفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَأَنَّهُ مَاضٍ فِيهِ حُكْمُهُ، عَدْلٌ فِيهِ قَضَاؤُهُ.
الْعَاشِرُ: أَنْ يَرْتَعَ قَلْبُهُ فِي رِيَاضِ الْقُرْآنِ، وَيَجْعَلَهُ لِقَلْبِهِ كَالرَّبِيعِ لِلْحَيَوَانِ، وَأَنْ يَسْتَضِيءَ بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَأَنْ يَتَسَلَّى بِهِ عَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَيَتَعَزَّى بِهِ عَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَيَسْتَشْفِيَ بِهِ مِنْ أَدْوَاءِ صَدْرِهِ، فَيَكُونَ جَلَاءَ حُزْنِهِ، وَشِفَاءَ هَمِّهِ وَغَمِّهِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: الِاسْتِغْفَارُ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: التَّوْبَةُ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْجِهَادُ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: الصَّلَاةُ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَتَفْوِيضُهُمَا إِلَى مَنْ هُمَا بِيَدِهِ. اهـ.
وقول ابن القيم (وَيَحْتَاجُ إِلَى اسْتِفْرَاغٍ كُلِّيٍّ) يعني بذل جهد كلي .
أحيانًا المصاب بالكربة يسلك الأسباب ولا يجد الشفاء، لايجد الفرج هذا يحتاج إلى مجاهدة أكثر.
ولا ينبغي للمصاب أن يستسلم للشدة والكربة، بل عليه أن يسعى في دفع ذلك ومنه الإيمان بالقدر.
دار الدنيا دار مليئة بالكرب والحزن كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]. وقال الشاعر:
ثمـانيةٌ لا بُدَّ منها على الفتى  ***  ولا بُدَّ أَنْ تجري عليه الثَّمانية
سرورٌ وهَمٌ واجتماعٌ وفُرقةٌ  ***  ويُسْـــرٌ وعُسْرٌ ثمَّ سَقْمٌ وعافية
(اجتماعٌ) بالأهل والأصحاب، (وفُرقةٌ) لابد من افتراق، إما افتراق مؤقت أو افتراق لا اجتماع بعده.
(يُسْـــرٌ) ضد العسر، (عُسْرٌ) ضد اليسر وهو الضراء، (سَقْمٌ) أمراض. يعني من كان على هذه الدنيا لا يدوم له حالة واحدة، ولكنه يكون في تقلب أحوال.
وعلى المصاب بالكربة أن ينتظر فرج الله فإن الله يقول: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) [الشرح]. العسر لا يدوم، الآية دليل على أن العسر الواحد يعقبه يسران في ذلك يقول الناظم:
ثُـمَّ مِـنَ الْقَوَاعِـدِ الْمُشْتَهِــرَهْ  ***  إِذَا أَتَـــتْ نَكِــــــرَةٌ مُكَــرَّرَهْ
تَغَـــايَرَا وَإِنْ يُعَــرَّفْ ثَـانِي  ***  تَوَافَــقَا كَــــــــذَا الْمُـعَرَّفَـــانِ
شَاهِــدُهَا الَّذِي رَوَيْنَا مُسْـنَدَا  ***  لَنْ يَغْلِبَ الْيُسْرَيْنِ عُسْـرٌ أَبَدَا

(إِذَا أَتَـــتْ نَكِــــــرَةٌ مُكَــرَّرَهْ *  تَغَـــايَرَا)  قوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) تكررت النكرة ﴿يُسْرًا إذن اليسر الثاني غير اليسر الأول.
هذه بشارة للمصاب أن الله سبحانه وتعالى سيفرج عنه بيسرين.
(وَإِنْ يُعَــرَّفْ ثَـانِي * تَوَافَــقَا كَــــــــذَا الْمُـعَرَّفَـــانِ) يعني إذا كان الأول نكرة والثاني معرفة، أو الأول معرفة والثاني معرفة فالثاني هو نفس الأول.
فهذه بشارة﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)ومن حسن الظن بالله عز وجل انتظار الفرج. ولا يُساء الظن برب العالمين، نخشى من ضعف إيماننا أن نقع في سوء الظن بالله عز وجل.
عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيْهِ  ***  يَكُوْنُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيْبُ
- وفي حديث ابن عباس: التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته.
- وفيه إثبات عدة أسماء لله عز وجل ،لفظ الجلالة الله، العليم، الحليم، الرب.
لفظ الجلالة (الله) المألوه المعبود المستحق للعبادة وحده سبحانه.
(العليم) إثبات صفة العلم لله عز وجل، فالمصاب يتذكر أن الله يعلم حاله وضعفه ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر:7]. ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98].
(الحليم) إثبات صفة الحلم لله عز وجل، أي أن الله لا يعجل بالعقوبة. والله يحب من عباده الاتصاف بصفة الحلم، قال سبحانه في الثناء على نبيه إبراهيم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114]. وَقَالَ النَبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ». أخرجه مسلم (17).
الحلم ضد العجلة. الحلم جمال وزينة. يقول الشعبي رحمه الله: زين العلم الحلم. عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «زَيْنُ الْعِلْمِ حِلْمُ أَهْلِهِ» رواه الدارمي في «مقدمة سننه» (597).
وعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «مَا أَوَى شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ، أَزْيَنَ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ» رواه الدارمي في «مقدمة سننه» (596).
وهذا يذكره أهل العلم في آدآب طالب العلم، نسأل الله أن يرزقنا الحلم والأناة. فمن وقع في نفسه إنفاذ شيء لا يستعجل، والعجلة فيها الندامة. وينبغي أن يستشير إذا كان في أمر مهم، وأن يستخير الله سبحانه وتعالى فلا يتعجل. هذا من الآدآب ومن التربية، الاتصاف بصفة الحلم وهي داخلة في الأخلاق الحميدة.
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى ***وكونك إياه عليك يسير
كم من إنسان تعجل في كلمة فندم وتمنى أنه لم يقلها، كم من إنسان تعجل في كتابة كلمة ثم تمنى أنه لم يكتبها ،كم من إنسان فعل شيئًا ثم تمنى أنه لم يفعله ، فما أعظم خُلُق الحلم .
وهناك فرق بين الحلم والصبر
قال ابن القيم رحمه الله في «عِدَة الصابرين» (280): والفرق بين الصبر والحلم أن الصبر ثمرة الحلم وموجبه فعلى قدر حلم العبد يكون صبره فالحلم فى صفات الرب تعالى أوسع من الصبر ولهذا جاء اسمه الحليم فى القرآن فى غير موضع ولسعته يقرنه سبحانه باسم العليم كقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا [الأحزاب:51]، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12]. اهـ.

وقد ذكر الله عز وجل هذا الاسم الكريم في مواضع منها: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا [الأحزاب:51]، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12].
الاسم الرابع: الرب: وهو السيد المالك المنعم المربي المصلح كما قال ابن القيم .
- استشكل تسمية هذا الذكر بالدعاء، وأجيب عن ذلك بأن الداعي يذكر هذا الذكر قبل دعاءه، وأن الذاكر داعي كما قال الشاعر:
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا  ***  كَفَاهُ مِنْ تَعرُّضِهِ الثَّنَاءُ
يعني أن الثناء  طلب وسؤال.
**********************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7427 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ».
وَقَالَ المَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالعَرْشِ».

**********************
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الفريابي.
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) وهو ابن سعيد الثوري.
(عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى) المازني.
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ) سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه.

- هذا الحديث أورده البخاري في هذا الموضع مختصرا وهو بسياق أتم (4638) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ فِي وَجْهِي، قَالَ: «ادْعُوهُ» فَدَعَوْهُ، قَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِاليَهُودِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ، فَقُلْتُ: وَعَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ، قَالَ: «لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ».
وفيه الإيمان بالصعق في عرصات يوم القيامة، وسبب هذا لأمر أراده الله عز وجل، أو لأن الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة. وموسى عليه الصلاة والسلام قد صعق لما تجلى - أي: ظهر - ربه عز وجل للجبل ،ولا ينفي هذا رؤية الله في عرصات يوم القيامة .
وفيه فضيلة لموسى عليه الصلاة والسلام.
- وهناك إشكال في بعض الروايات عند البخاري أن هذا الصعق قبل خروج الناس من قبورهم،وهذه الرواية هي «...فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى» «صحيح البخاري» (6917،6518،6517،4638،3408،3398،2412،2411).
قال ابن كثير في «الفصول» (289): وهذا اللفظ مشكل، والمحفوظ رواية البخاري «عن يحيى بن قزعة، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، فذكر قصة اليهودي إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى..» وذكر الحديث فهذا نص صريح لا يحتمل تأويلاً: أن هذه الإفاقة عن صعق لا عن موت، وهذا حقيقة الإفاقة، ثم من تأمل قوله: «فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» جزم بهذا، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.
فهذه الرواية التي في «صحيح البخاري» «...النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ». فيها أن الصعق قبل البعث ما قد خرج الناس من قبورهم .
الحافظ ابن كثير وجماعة من العلماء يقولون: المحفوظ لفظ «لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ العَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ». أي أن هذا الصعق في عرصات يوم القيامة .
- هذا الباب في الإيمان بعرش الرحمن، وأنه مخلوق من مخلوقات الله عز وجل. ومن أوصافه: وصفه بالمجيد، ووصفه بأنه عظيم، قال سبحانه:  ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة:129]، وقال: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون:116]، وقال سبحانه: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [85:15]، المجيد:هو الشرف والكرم. ووصفه بأن له قوائم «...فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ».
وهو من أعظم مخلوقات الله عز وجل، وأثقل الأوزان كما في حديث جويرية عند مسلم (2726) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ».
ودل حديث أبي هريرة في الباب أن العرش سقف المخلوقات، وأنه سقف الجنة «...فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ» «صحيح البخاري» (7423) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وله حملة يحملونه كما قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7]. ومما جاء في أوصاف حملة العرش ما ثبت في «سنن أبي داود» (4727). عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ». وهو في «الصحيح المسند للوادعي» (248).
فحملة العرش أوصافهم عظيمة، وهي تدل على عظمة الخالق سبحانه.
- وقد خالف المبتدعة عقيدة أهل السنة والجماعة ولم يؤمنوا بالعرش الذي استوى الله عز وجل عليه، وقالوا: العرش عبارة عن الملك. وهذا قول باطل فقد قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ [غافر:7]. لا يعقل أن المراد الملك، وقال سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود:7]. فلا يصح أن هذا ملكه. فالله مالك السماوات والأرض، مالك الملك.
وهناك من قال العرش عبارة عن فلك مستدير، وهذا رده الحافظ ابن كثير وغيره .
قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/12): وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ الْعَرْشَ فَلَكٌ مُسْتَدِيرٌ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ مِنْ كُلِّ جهة ولذا سَمَّوْهُ الْفَلَكَ التَّاسِعَ وَالْفَلَكَ الْأَطْلَسَ وَالْأَثِيرَ. وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ لَهُ قَوَائِمَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَالْفَلَكُ لَا يَكُونُ لَهُ قَوَائِمُ وَلَا يُحْمَلُ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ فوق الجنة والجنة فوق السموات وَفِيهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَالْبُعْدُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ لَيْسَ هُوَ نِسْبَةُ فَلَكٍ إِلَى فَلَكٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَرْشَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ السَّرِيرِ الَّذِي لِلْمَلِكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: 23]. وَلَيْسَ هُوَ فَلَكًا وَلَا تَفْهَمُ مِنْهُ الْعَرَبُ ذَلِكَ. وَالْقُرْآنُ إِنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَهُوَ سَرِيرٌ ذُو قَوَائِمَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَهُوَ كَالْقُبَّةِ عَلَى الْعَالَمِ وَهُوَ سَقْفُ الْمَخْلُوقَاتِ. اهـ.
- ونستفيد من هذه الترجمة الإيمان باستواء الله عز وجل على عرشه، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سبعة مواضع استواءه على عرشه (في سورة الأعراف،  سورة يونس،  سورة الرعد، سورة طه، سورة الفرقان،  سورة السجدة،  سورة الحديد).
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54].
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [يونس:3].
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2].
﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].
﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59].
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4].
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4].
وهذا مما اختُص به العرش أن الله عز وجل استوى عليه دون مخلوقاته. وقد خالف أهل البدع أهل السنة في الإيمان بالعرش والإيمان بعلوالله على عرشه والإيمان باستواء الله على عرشه، فأنكروا ذلك فرارًا من إثبات علو الذات لله عزوجل ،وحرَّفوا الأدلة قالوا العرش بمعنى الملك ،وأنكروا علو الذات ،وأنكروا استواء الله على عرشه وقالوا استوى بمعنى استولى .
السبب في إنكار أهل التحريف استواء الله عز وجل على العرش لأنهم يقيسون صفات الخالق بصفات المخلوق، قالوا الإنسان إذا ركب في السفينة لو غرقت السفينة لغرق من فيها، وإذا ركب الدابة لو سقطت لسقط من عليها ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:13].
ولكن الله عز وجل له الغنى التام لا يحتاج إلى العرش، العرش يحتاج إلى الله عز وجل، السماوات والأرض يحتاجان إلى الله، قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر:41]. العلوي والسفلي محتاج إلى الله، مفتقر إلى الله، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].
الفرق بين صفة العلو وصفة الاستواء
 أن صفة العلو من الصفات الذاتية؛ فالله متصف بالعلو أزلًا وأبدًا.وعلو الله بشمل علو الذات وعلو القهر وعلو القدر . وصفة الاستواء من الصفات الفعلية؛ فالله سبحانه وتعالى لم يكن مستويًا على عرشه حتى خلق السماوات والأرض قال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4].

والله المستعان .