الإيمان بالشفاعة في خروج الموحدين من النار
عَنْ
أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ
المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا
إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ،
فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَمَا تَرَى النَّاسَ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ،
وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ
لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا الحديث وفي آخره فيأتون
عيسى فيقول لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ وَمَا تَأَخَّرَ،
فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي
عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ،
وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ
عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ،
ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا
شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ،
وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ
عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ
الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا،
فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ،
قُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي
بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعْ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ
الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا
مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ
مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ
الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الخَيْرِ ذَرَّةً».
متفق
عليه .
*****
-
هذا الحديث العظيم يسمى بحديث الشفاعة، وفيه كرب الموقف وشدته ولهذا ينظرون
إلى من
يشفع لهم لأجل
الخلاص
مما هم فيه. وفي «الصحيحين» البخاري (4712) مسلم (194) عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ
تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً، ثُمَّ قَالَ: " أَنَا سَيِّدُ
النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ
النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي
وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ
وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ
تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ، أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى
رَبِّكُمْ؟... الحديث.
فإن
الناس واقفون على أقدامهم في يوم طويل في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون،
واقفون على أقدامهم والشمس قد دنت من رؤوسهم حتى إن عرقهم يذهب في الأرض سبعين
ذراعًا، أخرج البخاري (6167) من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(يَعْرَقُ
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ
ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ).
والناس
في ازدحام وضيق، أحدهم لا يجد إلا موضع قدمه. الناس كالفراش المبثوث كما قال
تعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ
الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة:4]. كالجراد المنتشر، الجراد إذا انتشر والفراش
المبثوث يكون متلاصقًا، وربما ركب بعضه على بعض ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ [القمر:7].
فعلينا
بأن نفكر فيما نحن صائرون إليه، وأن نستعد للقاء الله عز وجل. لا ينجو يوم القيامة
من الكرب والشدة إلا
أهل
العمل الصالح، الذين قدَّموا لآخرتهم ولم تشغلهم الدنيا الفانية ،فالدنيا زائلة
،والآخرة مقبلة وكل ما هو آتٍ قريب . الله عزوجل ينذرنا من ذلك اليوم، هذه نذارة
من أرحم الراحمين لعباده ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ
لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ
يُطَاعُ﴾ [غافر:18].﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ
الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم:39]. وسمى الله
يوم القيامة يوم الحسرة لأن الحسرات فيه كثيرة ،والندم فيه كثير.
-
وفيه الإيمان بالشفاعة التي تكون لفصل القضاء بين الناس، وهي المذكورة في أول
الحديث، ولم ينكرها أحد من الأمة الإسلامية؛ لأنها لمجرد الفصل في القضاء بين
الناس، وهي التي يقال لها الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود التي قال الله
عنها ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا
مَحْمُودًا﴾ [الإسراء:79].
والشفاعة
في آخر الحديث هي الشفاعة في خروج الموحدين أصحاب الكبائر من النار.
وهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة، الإيمان
بخروج الموحدين من النار، خلافًا للخوارج والمعتزلة ومن كان
على شاكلتهم كالرافضة؛ لأن عقيدة الرافضة هي
عقيدة المعتزلة فهم يقولون بتخليد
أصحاب الكبائر في النار، ولا يؤمنون بالشفاعة في
خروج الموحدين من النار، وهذا الحديث رد عليهم.
وثبت
في «سنن ابن ماجة» (4311) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُيِّرْتُ بَيْنَ
الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ
الشَّفَاعَةَ، لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ لَا،
وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ، الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ». وهو في «الصحيح
المسند للوادعي» (822).
(أَتُرَوْنَهَا
لِلْمُتَّقِينَ؟) أي: تظنونها.
وللشيخ
الوالد رحمه الله كتاب في الشفاعة.
ودخول
الموحدين أصحاب الكبائر النار دليل على خطورة الذنب، وأنه لا يتساهل في الذنوب.
ورد على المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، وقد رد عليهم أهل العلم
ومنهم الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان.
أصحاب
الكبائرمن الموحدين هم تحت مشيئة الله قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }.فقد يتجاوز الله عنهم
،وقد يدخلون النار ثم مصيرهم إلى الجنة .
-وفي
الحديث فضيلة عظيمة لنبينا محمد فالأنبياء يتخلَّون عن الشفاعة، وكل واحد منهم
يحيلها إلى الآخر حتى قام بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد أن أُحيلت
إليه .