جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 12 أبريل 2016

الدرس الثاني والعشرون من /الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 6من شهر رجب 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني والعشرون
وكان في هذه الغزوة من الحوادث قصة الإفك الذي افتراه عبد الله بن أبي هذا الخبيث وأصحابه، وذلك أن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها كانت قد خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السفرة، وكانت تُحْمَلُ في هودج، فنزلوا بعض المنازل ثم أرادوا أن يرتحلوا أول النهار فذهبت إلى المتبرَّز، ثم رجعت فإذا هي فاقدة عقداً لأختها أسماء كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي كانت فيه، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون بها فحملوا الهودج، حملة رجل واحد، وليس فيه أحد، فرَحَلوه على البعير ولم يستنكروا خفته لتساعدِهم عليه، ولأن عائشة رضي الله عنها كانت في ذلك الوقت لم تحمل اللحمَ، بل كانت طفلة في سن أربع عشرة سنة.
فلما رجعت وقد أصابت العقدَ لم ترَ بالمنزل أحداً، فجلست في المنزل وقالت: إنهم سيفقدونها فيرجعون إليها، والله غالب على أمره وله الحِكْمة فيما يشاء. وأخذتها سِنة من النوم فلم تستيقظ إلا بترجيع صفوان بن المعطَّل السلمي ثم الذكواني، وكان قد عرَّس في أخريات القوم، لأنه كان شديدَ النوم كما جاء ذلك عنه في رواية أبي داود، فلما رأى أم المؤمنين قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم أناخ بعيره فقرَّبه إليها، فركبته، ولم يكلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا ترجيعه، ثم سار بها يقودها حتى قدم بها وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة.
فلما رأى ذلك الناس تكلم المنافقون بما الله مجازيهم به، وجعل عبد الله بن أُبي الخبيث مع ما تقدم له من الخزي في هذه الغزوة يتكلم في ذلك ويستحكيه، ويظهره ويشيعه ويبديه.
وكان الأمر في ذلك كما هو مطول في الصحيحين من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، كلهم عن عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات مما اتهمها به أهل الإفك في هذه الغزوة في قوله تعالى: ﴿إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم الآيات [النور:11].
فلما أنزل الله تعالى ذلك وكان بعد قدومهم من هذه الغزوة بأكثر من شهر.
جُلد الذين تكلموا في الإفك، وكان ممن جلد مسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك صعد على المنبر فخطب المسلمين واستعذر من عبد الله بن أبي وأصحابه، «فقال: من يعذِرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما يدخل على أهلي إلا معي» فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، فإن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تستطيع قتله، ولو كان من رهطك لما أحببت أن يقتل.
فقال أسيد بن الحضير: والله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور الحيان حتى كادوا يقتتلون، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم ويسكنهم حتى سكنوا.. الحديث.
هكذا وقع في الصحيحين أن المقاول لسعد بن عبادة هو سعد بن معاذ، وهذا من المشكلات التي أشكلت على كثير من أهل العلم بالمغازي، فإن سعد بن معاذ لا يختلف أحد منهم أنه مات إثر قريظة، وقد كانت عقب الخندق، وهي سنة خمس على الصحيح.
ثم حديث الإفك لا يُشك أنه في غزوة بني المصطلق هذه، وهي غزوة المريسيع. وقال الزهري: في غزوة المريسيع.
وقد اختلف الناس في الجواب عن هذا، فقال موسى بن عقبة فيما حكاه البخاري عنه: إن غزوة المريسيع كانت في سنة أربع، وهذا خلاف الجمهور، ثم في الحديث ما ينفي ما قال، لأنها قالت: وذلك بعد ما أنزل الحجاب، ولا خلاف أنه نزل صبيحة دخوله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، وقد سأل صلى الله عليه وسلم زينب عن شأن عائشة في ذلك، فقالت: أحمي سمعي وبصري. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر أهلُ التواريخ أن تزويجه بها كان في ذي القعدة في سنة خمس فبطل ما كان ولم ينجلِ الإشكال.
وأما الإمام محمد بن إسحاق بن يسار فقال: إن غزوة بني المصطلق كانت في سنة ست، وذكر فيها حديث الإفك، إلا أنه قال: عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، فذكر الحديث.
قال: فقام أسيد بن الحضير فقال: أنا أعذرك منه ولم يذكر سعد بن معاذ.
قال أبو محمد بن حزم: وهذا الصحيح الذي لاشك فيه، وذلك عندنا وهم.. وبسط الكلام في ذلك مع اعترافه بأن ذكر سعد جاء من طرق صحاح.
قلت: وهو كما قال إن شاء الله.
وقد وقع من هذا النمط في الحديث مما لا يغير حكماً أحاديث ذوات عدد، وقد نبه الناس على أكثرها، وقد حاول بعضهم أجوبة لها فتعسف، والله سبحانه وتعالى أعلم.
**********************
قصة الإفك ويقال حادثة الإفك، والإفك: هو الكذب. كما في «العين» (5/416)للخليل بن أحمد .وفي «النهاية» لابن الأثير(1/56): فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْك مَا قَالُوا» الإِفْك فِي الْأَصْلِ الكذِب، وَأَرَادَ بِهِ هاهُنا مَا كُذب عَلَيْهَا مِمَّا رُميت بِهِ.
وحادثة الإفك كانت عند رجوعهم من غزوة المصطلق حينما دنوا المدينة آذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرحيل،وتأخرت أم المؤمنين لالتماس عِقْدٍ لها فانصرفوا  ولم يشعروا أنها ليست في الهودج الذي حملوه لأن النساء إذ ذاك خفافًا ،وأيضًا لأنه تساعدَ بعض الصحابة في حمله .
وكان صفوان بن المعطَّل-وهو بفتح الطاء المهملة المشددة كما في فتح الباري (8/586)- في وراء الجيش فرآها وكان يعرفها قبل الحجاب فحملها على البعير فانطلق يقود بها حتى أتوا الجيش في نحر الظهيرة ، فأثار وأشاع وتصدَّى عبد الله بن أبي بن سلول المنافق لهذه الحادثة وقد قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }.وهذا من شدة عداوته للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه هو المقصود وليس المقصود  في الأصل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد حزن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصابه من الكرب، وكذلك أم المؤمنين، وأهلها، وسائر صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن الصحابة رضوان الله عليهم يحزنون لحزن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويغضبون لغضبه، ويسعدون لسعادته. وزاد الابتلاء أن الوحي تأخر شهرًا كاملًا في الفرج ،فلم ينزل في أمر عائشة شيئا إلا بعد شهر، وكانوامنتظرين للفرج .قال ابن القيم رحمه الله في«زاد المعاد»(3/234):  كَانَ مِنْ حِكْمَةِ حَبْسِ الْوَحْي شَهْرًا، أَنَّ الْقَضِيّةَ مُحِّصَتْ وَتَمَحَّضَتْ، وَاسْتَشْرَفَتْ قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمَ اسْتِشْرَافٍ إِلَى مَا يُوحِيهِ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ فِيهَا، وَتَطَلَّعَتْ إِلَى ذَلِكَ غَايَةَ التَّطَلُّعِ، فَوَافَى الْوَحْيُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَالصِّدِّيقُ وَأَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَوَرَدَ عَلَيْهِمْ وُرُودَ الْغَيْثِ عَلَى الْأَرْضِ أَحْوَجَ مَا كَانَتْ إلَيْهِ، فَوَقَعَ مِنْهُمْ أَعْظَمَ مَوْقِعٍ وَأَلْطَفَهُ، وَسُرُّوا بِهِ أَتَمَّ السُّرُورِ، وَحَصَلَ لَهُمْ بِهِ غَايَةُ الْهَنَاءِ، فَلَوْ أَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَأَنْزَلَ الْوَحْيَ عَلَى الْفَوْرِ بِذَلِكَ لَفَاتَتْ هَذِهِ الْحِكَمُ، وَأَضْعَافُهَا بَلْ أَضْعَافُ أَضْعَافِهَا.اهـ.
 فقام هذا المنافق يبث الطعن في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ،وعادة المنافقين والذين في قلوبهم مرض أنهم يتحينون الفُرَص فيطيرون فرحًا ويُخرِجون ما نفوسهم .قال ابن القيم في«زاد المعاد»(3/233):وَوَجَدَ الْخَبِيثُ عَدُوُّ اللَّهِ ابْنُ أُبَيٍّ مُتَنَفَّسًا، فَتَنَفَّسَ مِنْ كَرْبِ النِّفَاقِ وَالْحَسَدِ الَّذِي بَيْنَ ضُلُوعِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَحْكِي الْإِفْكَ وَيَسْتَوْشِيهِ، وَيُشِيعُهُ وَيُذِيعُهُ، وَيَجْمَعُهُ وَيُفَرِّقُهُ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَيْهِ. فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَفَاضَ أَهْلُ الْإِفْكِ فِي الْحَدِيثِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ .اهـ. فلما رجعت عائشة من الغزوة مرضت شهرًا والناس يخوضون في الإفك ولم يخبرها أحد. ويستفاد من هذا أن الإشاعات ينبغي إخفاؤها لمن أشيعت عنه إذا كان ليس مِن ذكرها فائدة. حتى خرجت عائشة رضي الله عنها لما نقِهَت بعد شهرهي وأم مسطح رضي الله عنها قِبَلَ المناصع - موضع - قالت: وكان متبرزنا فعثرت أم مسطح  فقالت: تعس مسطح. فقالت عائشة رضي الله عنها: بئس ما قلت أتسبين رجلًا شهد بدرًا. قالت: أوما سمعت بما يقول. قالت: وما يقول: فأخبرتها. قالت أم المؤمنين رضي الله عنها: فازددت مرضًا إلى مرضي فلما رجعت دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت عائشة: ائذن لي آتي أبوي - وهذا فيه استئذان المرأة من زوجها عند الخروج إلى أبويها - فأذن لها. فقالت لأمها أم رومان: يا أماه ما يقول الناس؟ فقالت: يا بنية لا يضرك والله ما كانت امرأة لها ضرائر وهي وضيئة إلا أكثرن عليها. قالت: أوقد تحدث الناس بهذا - أمها سلت عليها وعزَّتها يفيد معناه أن هذا كذب وأن هذا حسد وأنت امرأة وضيئة جميلة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله  في «الفتح» (8/367): وَضِيئَةٌ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ مِنَ الْوَضَاءَةِ أَيْ حَسَنَةٌ جميلَة... وقال: مِنْ فِطْنَةِ أُمِّهَا وَحُسْنِ تَأَتِّيهَا فِي تَرْبِيَتِهَا مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ ذَلِكَ يَعْظُمُ عَلَيْهَا فَهَوَّنَتْ عَلَيْهَا الْأَمْرَ بِإِعْلَامِهَا بِأَنَّهَا لَمْ تَنْفَرِدْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْءَ يَتَأَسَّى بِغَيْرِهِ فِيمَا يَقَعُ لَهُ وَأَدْمَجَتْ فِي ذَلِكَ مَا تُطَيِّبُ بِهِ خَاطِرَهَا مِنْ أَنَّهَا فَائِقَةٌ فِي الْجَمَالِ وَالْحَظْوَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يُعْجِبُ الْمَرْأَةُ أَنْ تُوصَفَ بِهِ.اهـ. قالت عائشة فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت  لا يرقأ لي دمع - لاينقطع  ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي .
ولما تأخر الوحي استشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنه فقال: أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله فيهم إلا خيرًا. واستشار علي بن أبي طالب عن عائشة رضي الله عنهما فقال: يا رسول الله لن يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وأراد علي بن أبي طالب التسلية على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتخفيف عنه وما أراد القدح في عائشة ولكن هذا الكلام وقع في نفس عائشة رضي الله عنها.
واختصاص هذين الصحابيين علي وأسامة رضي الله عنهما بالمشورة دون غيرهما من الصحابة ؛ لأنهما من صغرهما ملازمان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد أبان ذلك الحافظ في «فتح الباري»(8/595)وقال: وَالْعِلَّةُ فِي اخْتِصَاص علي وأُسَامَة بِالْمُشَاوَرَةِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ عِنْدَهُ كَالْوَلَدِ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ مِنْ حَالِ صِغَرِهِ ثُمَّ لَمْ يُفَارِقْهُ ،بَلْ وَازْدَادَ اتِّصَالُهُ بِتَزْوِيجِ فَاطِمَةُ فَلِذَلِكَ كَانَ مَخْصُوصًا بِالْمُشَاوَرَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِهِ لِمَزِيدِ اطِّلَاعِهِ عَلَى أَحْوَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَ أَهْلُ مَشُورَتِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْعَامَّةِ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ .وَأَمَّا أُسَامَةُ فَهُوَ كَعَلِيٍّ فِي طُولِ الْمُلَازَمَةِ وَمَزِيدِ الِاخْتِصَاصِ وَالْمَحَبَّةِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَصَّهُ دُونَ أَبِيهِ وَأُمَّهُ لِكَوْنِهِ كَانَ شَابًّا كَعَلِيٍّ وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَسَنَّ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ لِلشَّابِّ مِنْ صَفَاءِ الذِّهْنِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ جُرْأَةٍ عَلَى الْجَوَابِ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الْمُسِنِّ لِأَنَّ الْمُسِنَّ غَالِبًا يَحْسُبُ الْعَاقِبَةَ فَرُبَّمَا أخْفى مَا يظْهر لَهُ رِعَايَة للقائل تَارَة والمسؤول عَنْهُ أُخْرَى مَعَ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ اسْتَشَارَ غَيْرَهُمَا .اهـ.
ثم استشار بريرة  وقال لها: هل رأيت من شيء يريبك من عائشة، قالت: لا يا رسول الله غير أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله. أي: أنها صغيرة غافلة عن هذه الأمور بريئة وهنا عندنا في«الفصول في سيرة الفصول»  أن عمرها أربع عشرة سنة، والداجن: هي الدابة التي تألف البيوت. قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (13/ 202): دَاجِنٍ هِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الَّتِي تُعْلَفُ فِي الْبُيُوتِ يُقَالُ دَجَنَتْ تَدْجُنُ دجونا ويطلق الداجن أيضا على كل مَا يَأْلَفُ الْبَيْتَ مِنْ طَيْرٍ وَغَيْرِهِ .اهـ.
وفي آخر الحديث ذكرت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استشار زينب بنت جحش رضي الله عنها فقالت: أحمي سمعي بصري ما علمت إلا خيرًا. قالت عائشة: ثم دخلت علي امرأة من الأنصار فوجدتني أبكي فجلست تبكي معي، وهذا من مواساة المصاب، الحزن لحزنه.
ثم دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان إذا دخل عليها يقول: كيف تيكم؟ قالت: ولا أشعر منه اللطف الذي كنت أراه منه, أي: أن الحال تغير. فكان هناك قرينة أن هناك شيئًا. فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله عز وجل فإن العبد إذا أذنب ثم تاب تاب الله عليه. قالت: فقلت لأبي أجب رسول الله. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: فقلت لأمي أجيبي رسول الله فقالت: والله لا أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهذا فيه الرجوع إلى الأكابر في الكلام أرادت أن يتكلم أبوها وأمها في شأنها.
فقالت عائشة: والله لا أجد لكم مثلًا إلا قول يعقوب فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
وهذا فيه التأسي بالكبار والاقتداء يهم فيعقوب ابتلي ابتلاءً عظيمًا بفراق ولديه يوسف وأخيه قيل: إنه بُنيامين ولا يصح.
قالت: فما برح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكانه حتى نزل الوحي قالت: فلما سُرِّي عنه فإذا هو يضحك، وقال: يا عائشة أبشري فقد برأك الله وأنزل الله عز وجل الآيات في سورة النور ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النور:11] الخ العشر الآيات من آية إحدى عشر إلى عشرين  .وقد جاء النص عن عائشة في البخاري (4141)ومسلم  (قالت عائشة:وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العَشْرَ الآيَاتِ).
أي من قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إلى { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)}.
ويستفاد من بشارة عائشة أن تبشير المصاب لا يكون دفعة واحدة إذا كان يخشى عليه ،فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تدرَّج في البشارة كان أول شيء ضحك ثم بشرها ببراءتها ثم ذكر لها أن الله أنزل فيها قرآنًا يتلى، قالت: والله لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل في قرآن ولكن كنت أرجو أن يرى في نومه ما يبرئني.
ومن فوائد هذه القصة الفرج بعد الشدة فقد فرج الله سبحانه وتعالى عنهم هذه الكربة العظيمة بعد شهر. تقول عائشة رضي الله عنها: واستمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهرًا لا يوحى إليه، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يتكلم مع علمه ببراءة عائشة لكنه لم يدافع لحكمة. لكن قال في الرواية «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي» فكان هذا قرينة على براءة عائشة أن الرجل المتهم صفوان السلمي لا يعلم عنه إلا خيرًا ولا يعلم عن أم المؤمنين إلا خيرًا.
قال ابن القيم رحمه الله في«زاد المعاد»(3/235) إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَبَّ أَنْ يُظْهِرَ مَنْزِلَةَ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عِنْدَهُ وَكَرَامَتَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُخْرِجَ رَسُولَهُ عَنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَيَتَوَلَّى هُوَ بِنَفْسِهِ الدِّفَاعَ وَالْمُنَافَحَةَ عَنْهُ وَالرَّدَّ عَلَى أَعْدَائِهِ وَذَمِّهِمْ وَعَيْبِهِمْ بِأَمْرٍ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَمَلٌ وَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بَلْ يَكُونُ هُوَ وَحْدَهُ الْمُتَوَلِّيَ لِذَلِكَ الثَّائِرَ لِرَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْأَذَى، وَالَّتِي رُمِيَتْ زَوْجَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَرَاءَتِهَا مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ الظَّنَّ الْمُقَارِبَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَتِهَا، وَلَمْ يَظُنَّ بِهَا سُوءًا قَطُّ وَحَاشَاهُ وَحَاشَاهَا، وَلِذَلِكَ لَمَّا اسْتَعْذَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ قَالَ: ( «مَنْ يَعْذِرُنِي فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي» ) ، فَكَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَشْهَدُ بِبَرَاءَةِ الصِّدِّيقَةِ أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ لِكَمَالِ صَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ وَرِفْقِهِ وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ وَثِقَتِهِ بِهِ، وَفَّى مَقَامَ الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ حَقَّهُ حَتَّى جَاءَهُ الْوَحْيُ بِمَا أَقَرَّ عَيْنَهُ، وَسَرَّ قَلْبَهُ وَعَظَّمَ قَدْرَهُ وَظَهَرَ لِأُمَّتِهِ احْتِفَالُ رَبِّهِ بِهِ وَاعْتِنَاؤُهُ بِشَأْنِهِ.اهـ.
وكان من الصحابة من تأثر بالإشاعات. فالإشاعات قد يتأثر بها بعض الصالحين وإن كانت دعاوى باطلة.قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}قال:أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ يَعْنِي مَا هُوَ وَاحِدٌ وَلَا اثْنَانِ بَلْ جَمَاعَةٌ، فَكَانَ الْمُقَدَّمُ فِي هذه اللعنة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَجْمَعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ، حَتَّى دَخَلَ ذَلِكَ فِي أَذْهَانِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَتَكَلَّمُوا بِهِ، وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ، وَبَقِيَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ، وسياق ذلك في الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.اهـ. ولكن الله عاتبهم على ذلك وقال: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور:12]. الأخ يعدُّ مثل النفس ﴿بِأَنْفُسِهِمْ أي: بإخوانهم. وعاتبهم سبحانه في قوله: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وقال:( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ(15) [النور].
(فلما أنزل الله تعالى ذلك وكان بعد قدومهم من هذه الغزوة بأكثر من شهر،جلد الذين تكلموا في الإفك، وكان ممن جلد مسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش).
أخرج أبوداودفي «سننه»(4474) وأحمد في«مسنده»(40/76)وغيرهما من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي، قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ ذَاكَ، وَتَلَا - تَعْنِي - الْقُرْآنَ، فَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ، أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ».
وابن إسحاق صرح بالتحديث من شيخه في«دلائل النبوة»للبيهقي (4/74).
وعلقه البخاري في «صحيحه» تبويب حديث (7369) في كتاب الاعتصام في ضمن ترجمةٍ له: وَشَاوَرَ عَلِيًّا، وَأُسَامَةَ فِيمَا رَمَى بِهِ أَهْلُ الإِفْكِ عَائِشَةَ فَسَمِعَ مِنْهُمَا حَتَّى  نَزَلَ القُرْآنُ، فَجَلَدَ الرَّامِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ، وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ .اهـ المراد .
وفي«سنن أبي داود» (4475) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، لَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ، قَالَ: فَأَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِالْفَاحِشَةِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ، قَالَ النُّفَيْلِيُّ: وَيَقُولُونَ: الْمَرْأَةُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ.
وهذا مرسل .
 وحد القاذف ثمانون جلدة قال تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}.ولم يذكر أنه جلد عبد الله بن أبي بن سلول؛ قال ابن القيم في«زاد المعاد»(3/235):وَلَمْ يَحُدِّ الْخَبِيثَ عبد الله بن أبي مَعَ أَنَّهُ رَأْسُ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَقِيلَ لِأَنَّ الْحُدُودَ تَخْفِيفٌ عَنْ أَهْلِهَا وَكَفَّارَةٌ، وَالْخَبِيثُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَقَدْ وَعَدَهُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ، فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ عَنِ الْحَدِّ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ يَسْتَوْشِي الْحَدِيثَ وَيَجْمَعُهُ وَيَحْكِيهِ وَيُخْرِجُهُ فِي قَوَالِبِ مَنْ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَقِيلَ: الْحَدُّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَهُوَ لَمْ يُقِرَّ بِالْقَذْفِ، وَلَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَذْكُرُهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَذْكُرُهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقِيلَ: حَدُّ الْقَذْفِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِمُطَالَبَتِهِ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ، وعائشة لَمْ تُطَالِبْ بِهِ ابن أبي.
وَقِيلَ: بَلْ تَرَكَ حَدَّهُ لِمَصْلَحَةٍ هِي أَعْظَمُ مِنْ إقَامَتِهِ كَمَا تَرَكَ قَتْلَهُ مَعَ ظُهُورِ نِفَاقِهِ وَتَكَلُّمِهِ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ مِرَارًا، وَهِي تَأْلِيفُ قَوْمِهِ، وَعَدَمُ تَنْفِيرِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُطَاعًا فِيهِمْ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ، فَلَمْ تُؤْمَنْ إثَارَةُ الْفِتْنَةِ فِي حَدِّهِ، وَلَعَلَّهُ تُرِكَ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا.
فَجُلِدَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وحمنة بنت جحش، وَهَؤُلَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ وَتَكْفِيرًا، وَتُرِكَ عبد الله بن أبي، إذًا فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَاكَ.اهـ.
أما الذي تولى كبره فإنه عبد الله بن أبي بن سلول فقد ثبت في «صحيح البخاري» (4749) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ [النور: 11] قَالَتْ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ».
قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة النور{ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ}(5/181): ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابن سلول قبحه الله تعالى وَلَعْنَهُ، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ النَّصُّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا قَدْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لَمَا كَانَ لِإِيرَادِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، فَإِنَّهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أَنَّهُ كَانَ يَذُبُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ».اهـ.

ولسليمان بن يسار والزهري قصة في هذا .
أَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ حَدثنَا عَمِّي قَالَ دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْمَانُ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مَنْ هُوَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ فَدخل الزُّهْرِيّ فَقَالَ يَا بن شهَاب من الَّذِي تولى كبره قَالَ بن أُبَيٍّ قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ فَقَالَ أَنَا أكذب لَا أبالك وَاللَّهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْكَذِبَ مَا كَذَبْتُ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَذَكَرَ لَهُ قِصَّةً مَعَ هِشَامٍ فِي آخِرِهَا نَحْنُ هَيَّجْنَا الشَّيْخَ هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ .ذكره الحافظ في« فتح الباري » (4142).
وهذا إسنادٌ حسن .عم الشافعي :محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي المكي عم الإمام الشافعي صدوق كما في « تقريب التهذيب».
وجاء أيضًا عن الوليد بن عبد الملك بن مروان أنه سأل الزهري عن ذلك.
ينظر «فتح الباري» (7) تحت الرقم المتقدم (4142).
كلمة حق عند سلطان جائر، وهذامن أعظم القربات والطاعات.
وقد جاء في «صحيح البخاري» (4146) من طريقِ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا، يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ: وَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ***وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ
 فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ، قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 11] فَقَالَتْ: «وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى؟ قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ، أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
«وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى» رأت عائشة رضي الله عنها أن عمى حسان  عقوبة.
وقد علمنا أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول.
وقد كانت عائشة رضي الله عنها تكره أن يُسَبَّ عندها حسان .أخرج البخاري (4141)ومسلم (57/2770) من طريق عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي قَالَ:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي *** لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ .
رضي الله عنهم جميعًا .
وقوله (وأخذتها سنة من النوم فلم تستيقظ إلا بترجيع صفوان بن المعطَّل السلمي ثم الذكواني، وكان قد عرَّس في أخريات القوم، لأنه كان شديد النوم كما جاء ذلك عنه في رواية أبي داود).
يشير ابن كثير إلى ما أخرجه أبوداود(2459)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ، يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ، وَلَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، قَالَ وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ، قَالَ: فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا قَوْلُهَا يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُهَا، قَالَ: فَقَالَ: «لَوْ كَانَتْ سُورَةً وَاحِدَةً لَكَفَتِ النَّاسَ» ، وَأَمَّا قَوْلُهَا: يُفَطِّرُنِي، فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، فَلَا أَصْبِرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: «لَا تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» ، وَأَمَّا قَوْلُهَا: إِنِّي لَا أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ، لَا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، قَالَ: «فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ».
وقد وقع إشكال في هذا الحديث مع ما أخرجه البخاري (4141)ومسلم (2770) قالت عائشة:(وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ، قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " ). قال الحافظ ابن حجرفي « الإصابة في تمييز الصحابة »(3/385): وقد أورد هذا الإشكال قديما البخاري، ومال إلى تضعيف حديث أبي سعيد بذلك، ويمكن أن يجاب بأنه تزوّج بعد ذلك.
وفي آخر كلام ابن كثير رحمه الله ذكر إشكالًا وقال (هكذا وقع في الصحيحين أن المقاول لسعد بن عبادة هو سعد بن معاذ، وهذا من المشكلات التي أشكلت على كثير من أهل العلم بالمغازي، فإن سعد بن معاذ لا يختلف أحد منهم أنه مات إثر قريظة، وقد كانت عقب الخندق، وهي سنة خمس على الصحيح).
ذِكرُ سعد بن معاذ في هذه القصة مشكل . فإن سعد بن معاذ استُشهد إثر غزوة قريظة كما تقدم .وكانت في السنة الخامسة ففي ذكره هنا إشكال. أما من قال كانت غزوة المريسيع في سنة أربع قبل الخندق كما هو قول موسى بن عقبة فليس هناك إشكال؛ لأنها متقدمة. لكن يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (ثم في الحديث ما ينفي ما قال)أي في حديث الإفك ما ينفي هذا أن تكون في السنة الرابعة لأن عائشة قالت:(فَأَتَانِي وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ)، قال الحافظ ابن كثير: (ولا خلاف أنه-أي الحجاب- نزل صبيحة دخوله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، وقد سأل صلى الله عليه وسلم زينب عن شأن عائشة في ذلك، فقالت: أحمي سمعي وبصري. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم).
فيعود الإشكال على قول: غزوة المريسيع في سنة أربع قبل الخندق لأنه لم يكن قد نزل الحجاب ،والحجاب نزل صبيحة تزوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زينب ،وقد استشار زينب في حادثة الإفك «فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا».
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/587) :فَكُلُّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ كَانَتْ حِينَئِذٍ زَوْجَتُهُ .وَلَا خِلَافَ أَنَّ آيَةَ الْحِجَابِ نَزَلَتْ حِينَ دُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فَثَبَتَ أَنَّ الْحِجَابَ كَانَ قَبْلَ قِصَّةِ الْإِفْكِ .اهـ.
و الحافظ ابن كثير هنا يقول:
(وقد ذكر أهل التواريخ أن تزويجه بها كان في ذي القعدة في سنة خمس فبطل ما كان ولم ينجل الإشكال).
(ولم ينجل) أي: لم يزل ولم ينكشف.
إذن عاد الإشكال على قول: غزوة المريسيع سنة أربع ،فلم يصح هذا القول .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/587) قولين آخرين في السنة التي نزل فيها الحجاب وقال : فَإِنَّ الْحِجَابَ كَانَ فِي قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ فِيهَا سَنَةُ أَرْبَعٍ. وَصَحَّحَهُ الدِّمْيَاطِيُّ .وَقِيلَ بَلْ كَانَ فِيهَا سَنَةُ خَمْسٍ.اهـ.
(قال: فقام أسيد بن الحضير فقال: أنا أعذرك منه ولم يذكر سعد بن معاذ.
قال أبو محمد بن حزم: وهذا الصحيح الذي لاشك فيه، وذلك عندنا وهم.. وبسط الكلام في ذلك مع اعترافه بأن ذكر سعد جاء من طرق صحاح)
بعض أهل العلم يقول: إنه أسيد بن حضير وليس سعد بن معاذ. لكن الرواية في «الصحيحين» أنه سعد بن معاذ، وقد  قال ابن حزم :الصحيح أنه أسيد بن حضير . ورجحه ابن كثير،فالله أعلم .
ونسوق قصة حادثة الإفك بأكملها لتتم الفائدة .في «الصحيحين» البخاري (2661) مسلم (2770) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ، وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الهَوْدَجِ، فَاحْتَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي، فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ، فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ يَدَهَا، فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي، أَنِّي لاَ أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: «كَيْفَ تِيكُمْ»، لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ مُتَبَرَّزُنَا لاَ نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي البَرِّيَّةِ أَوْ فِي التَّنَزُّهِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي، فَعَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَتْ: يَا هَنْتَاهْ، أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ»، فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِي إِلَى أَبَوَيَّ، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي: مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا، قَالَتْ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ نَعْلَمُ وَاللَّهِ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «يَا بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ؟»، فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنِ العَجِينِ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي»، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا وَاللَّهِ أَعْذُرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا، فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ - فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، فَثَارَ الحَيَّانِ الأَوْسُ، وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ، فَنَزَلَ، فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ وَبَكَيْتُ يَوْمِي لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي، وَأَنَا أَبْكِي، إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ»، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ، فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18]، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا، وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ، فَوَاللَّهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا، أَنْ قَالَ لِي: «يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ، فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ»، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ، لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ الآيَاتِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا إِلَى قَوْلِهِ ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: «يَا زَيْنَبُ، مَا عَلِمْتِ مَا رَأَيْتِ»، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ.

بعض فقرات حديث الإفك الذي سقناه من الصحيحين
(المناصع )قال ابن الأثير في «النهاية» (5/65): ...الْمَنَاصِعُ: هي المَواضع التي يُتَخَلَّى فِيهَا لِقضاء الحاجةِ، واحدُها: مَنْصَعَ؛ لِأَنَّهُ يُبْرَزُ إِلَيْهَا ويُظْهر. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أُراها مَواضِعَ مَخْصُوصَةً خارجَ الْمَدِينَةِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ الْمَنَاصِعَ صَعيدٌ أفْيَحُ خارجَ الْمَدِينَةِ».
(فعثرت أم مسطح ) قال ابن الأثير في «النهاية» (1/ 190): (تَعِسَ) فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ «تَعِسَ مِسْطح» يُقَالُ تَعِسَ يَتْعَسُ، إِذَا عثَر وانكَبَّ لِوَجْهِهِ، وَقَدْ تُفتح الْعَيْنُ، وَهُوَ دُعاء عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ وعبدُ الدِّرْهَمِ».
(لا يرقأ لي دمع )أي لا يسكن ولا ينقطع  .يراجع  «النهاية» (2/ 248) لابن الأثير .
من فوائد القصة مع ما تقدم
1-  ابتلاء الله سبحانه وتعالى لنبيه وأم المؤمنين والصحابة رضوان الله عليهم.
2-   الفرج بعد الشدة،
3-فضيلة لعائشة وبراءتها .وقد قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) }.
 ولهذا أخرج البخاري(4753) من طريق ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهَا عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مَغْلُوبَةٌ، قَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ، فَقِيلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ وُجُوهِ المُسْلِمِينَ، قَالَتْ: ائْذَنُوا لَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ، قَالَ: «فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ» وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلاَفَهُ، فَقَالَتْ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا .
ابن عباس يذكر من فضائل أم المؤمنين نزول القرآن في براءتها .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (17/117): وَهِيَ بَرَاءَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَلَوْ تَشَكَّكَ فِيهَا إِنْسَانٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23)}: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّهَا بَعْدَ هَذَا وَرَمَاهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ بَعْدَ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لِلْقُرْآنِ، وَفِي بَقِيَّةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُنَّ كَهِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ.
فهذا نقلُ الإجماع أن من رمى أم المؤمنين بهذه الفرية فهو كافر خارج عن ملة الدين ،ويا مصيبة الروافض كثير منهم يسيء القول في أم المؤمنين عائشة ويعتقد هذه العقيدة الخبيثة.
4- جَوَازُ سَبِّ الْمُتَعَصِّبِ لِمُبْطِلٍ كَمَا سَبَّ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لِتَعَصُّبِهِ لِلْمُنَافِقِ وَقَالَ إِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَأَرَادَ أَنَّكَ تَفْعَلُ فِعْلَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُرِدِ النِّفَاقَ الْحَقِيقِيَّ كما قال النووي .
وفيه أحكام كثيرة تراجع من «شرح صحيح مسلم» للنووي، و« فتح الباري» للحافظ ابن حجر(8/608).
ونذكر هنا للفائدة أنه قال بعض أهل السير شُرع التيمم في غزوة المصطلق .
أخرج البخاري(334) ومسلم (367) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا» ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ.
وقدجاء أن آية المائدة هي آية التيمم في صحيح البخاري (4608)فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [المائدة: 6] الآيَةَ .وهذا نص أن آية التيمم في سورة المائدة وليست  الآية التي في سورة النساء.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(1/563): قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ هَذِهِ مُعْضِلَةٌ مَا وَجَدْتُ لِدَائِهَا مِنْ دَوَاءٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّ الْآيَتَيْنِ عَنَتْ عَائِشَة قَالَ بن بَطَّالٍ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ أَوْ آيَةُ الْمَائِدَةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ تُسَمَّى آيَةَ الْوُضُوءِ وَآيَةُ النِّسَاءِ لَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْوُضُوءِ فَيُتَّجَهُ تَخْصِيصُهَا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ. وَأَوْرَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا وَخَفِيَ عَلَى الْجَمِيعِ مَا ظَهَرَ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ إِذْ صَرَّحَ فِيهَا بِقَوْلِهِ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة الْآيَةَ.اهـ.
وقد جزم عدد من العلماء أن نزول التيمم كان في غزوة المصطلق .
ذكر الشافعي: أن قصة التيمم كانت في غزوة بني المصطلق، وقال: أخبرني بذلك عدد من قريش من أهل العلم بالمغازي وغيرهم.(فتح الباري ) لابن رجب (2/198).
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري تحت رقم (334):قَوْلُهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ ابن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ .وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الاستذكار وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابن سعد وابن حِبَّانَ .وَغَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ .وَفِيهَا وَقَعَتْ قِصَّةُ الْإِفْكِ لِعَائِشَةَ ،وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ بِسَبَبِ وُقُوعِ عِقْدِهَا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ مَا جَزَمُوا بِهِ ثَابِتًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهَا فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مَرَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سِيَاقِهِمَا .اهـ.
فذهب جماعة من العلماء إلى أن التيمم شُرع في غزوة بني المصطلق لأن سبب تأخر عائشة عن الرجوع معهم ضياع العقد ،وفي حديثها الآخر أن سبب نزول آية التيمم ضياع العقد قالوا فدل هذا أنه في غزوة المصطلق.
وهناك رواية تخالف هذا أن سبب النزول كان في غزوة أخرى .قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/231):وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " مِنْ حَدِيثِ محمد بن إسحاق عَنْ يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة قَالَتْ: ( «وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ، قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ أُخْرَى، فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي حَتَّى حَبَسَ الْتِمَاسُهُ النَّاسَ، وَلَقِيتُ مِنْ أبي بكر مَا شَاءَ اللَّهُ، وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّةُ فِي كُلِّ سَفَرٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً، وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الرُّخْصَةَ فِي التَّيَمُّمِ» ) . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ الْعِقْدِ الَّتِي نَزَلَ التَّيَمُّمُ لِأَجْلِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَكِنْ فِيهَا كَانَتْ قِصَّةُ الْإِفْكِ بِسَبَبِ فَقْدِ الْعِقْدِ وَالْتِمَاسِهِ، فَالْتَبَسَ عَلَى بَعْضِهِمْ إحْدَى الْقِصَّتَيْنِ بِالْأُخْرَى.اهـ.
ومحمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن .
وقد استدل بعضهم بقول أُسيد بن حضير(مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ) على تأخر  شرعية التيمم  عن غزوة المصطلق .قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(1/563): وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ عَائِشَةَ وَأَبِيهَا وَتَكْرَارِ الْبَرَكَةِ مِنْهُمَا وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ وَفِي تَفْسِير إِسْحَاق البستي من طَرِيق بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا مَا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةَ قِلَادَتِكِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ مِنْ أَمْرٍ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا وَفِي النِّكَاحِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً.
قال: وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ .فَيَقْوَى قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَعَدُّدِ ضَيَاعِ الْعِقْدِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْإِخْبَارِيُّ .اهـ.
وقد قال ابن أبي شيبة في المصنف (1/147):حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ بُرْدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصْنَعُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ فَلَمَّا رَأَى عَرَفَ الَّذِي جِئْتُ لَهُ , فَبَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ .
وظاهره الحُسن .
عباد بن العوام :ثقة .
برد هو برد بن سنان الشامي .ترجمته في تهذيب الكمال (4/43)بروايته عن سليمان بن موسى وهو صدوق رمي بالقدر كما في تقريب التهذيب .ولكن سليمان بن موسى لم يدرك أحدا من الصحابة .يراجع جامع التحصيل .
قال الحافظ في فتح الباري (1/564)عقب هذا الأثر فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهَا عَنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَهِيَ بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ .اهـ.
وهذا لوثبت الأثر عن أبي هريرة ولكنه منقطع .

والله أعلم .