بسم الله
الرحمن الرحيم
(8)
(التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)
اختصارُ درسِ
الخامس عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)
*غزوةُ
أحد: كانت في السنة الثالثة في شوال .وكانت هذه المعركة من المعارك العظيمة. وفيها
امتحان للمؤمنين في إيمانهم وصبرهم ومجاهدتهم ،وليتميزالمنافقون من المؤمنين، قال
سبحانه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ
لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ
نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ
مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)﴾ [آل عمران:166].وقوله{ وَلِيَعْلَمَ
الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا}الله عزوجل لا يعزب عن علمه مثقالُ
ذرَّةٍ في السماوات ولا في الأرض. وقد وضَّح المرادَ ابنُ القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/200)في سياق الحِكَم التي كانت في غزوة أُحُدٍ قال: ثُمّ ذَكَرَ حِكْمَةً أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يَتَمَيَّزَ الْمُؤْمِنُونَ
مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَيَعْلَمُهُمْ عِلْمَ رُؤْيَةٍ وَمُشَاهَدَةٍ بَعْدَ أَنْ
كَانُوا مَعْلُومِينَ فِي غَيْبِهِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ الْغَيْبِيُّ لَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ
وَالْعِقَابُ عَلَى الْمَعْلُومِ إذَا صَارَ مُشَاهَدًا وَاقِعًا فِي الْحِسِّ.اهـ.
*سبب الغزوة: أن قريشًا كانوا متألِّمِين ممَّا
حصل لهم من قتل أشرافهم وكبارهم يوم بدرٍ فقد قُتِلَ منهم سبعون ، وما حصل لأبي
سفيان في غزوة السويق من رجوعه هاربًا منهزمًا فجمَّع قريشًا ليغزو النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم فيما يزعم.
*عدد المشركين: كانوا قريباً من ثلاثة آلاف من
قريش والحلفاء والأحابيش وكان رئيسُ المشركين يوم أحد أبا سفيان.والسبب في كون أبي
سفيان رئيسًا عليهم أن أكابر قريش قد قُتلوا في غزوة بدر. فجعلوا على ميمنتِهم
خالدَ بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمةَ بن أبي جهل. وكان أول من برز من المشركين
يومئذ أبو عامر الراهب، واسمه عبد عمرو بن صيفي دخل في المعركة، وقاتل قتالًا
شديدًا، ونجا وما قُتل؛ وقد ذهب إلى الروم فيما بعد ذلك ومات هناك. وله ولدٌ
مشهورٌ بغسيل الملائكة وهو حنظلة الغسيل بن أبي عامر، قاتل في غزوة أحد، وأبلى
بلاءً حسنًا، واستشهد فيها رضي الله عنه. وجاء قريش بنسائهم لئلا يفروا ليكون
تثبيتًا لهم في عدم الفرار.وقد قتل يومئذ من المشركين اثنان وعشرون.
*سبب تسمية هذه الوقعة بغزوة أحد: لأنها كانت
جَنْبَ أُحد. وأُحد جبل جاء في فضله بعض الأحاديث. قال الإمام البخاري رحمه الله:
(بَابٌ: أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) ثم ذكر حديثَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ
لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا». وهذا
على ظاهره. وقد قال بعضهم: المراد أهل جبل أحد، وهذا صرف لظاهر الحديث لغير دليل .والله
على كل شيء قدير.
*استشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في
الخروج أو البقاء لمَّا علم بقدوم قريش لغزو المسلمين، وذكر الحافظ ابن كثيرٍ هنا-أعني
في الفصول- أنهم انقسموا في المشورة إلى قسمين: فبادر بعض الصحابة ممن لم يشهد
بدرا إلى الخروج، وألحُّوا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأشار عبد
الله بن أُبَي بن سلول وبعض الصحابة بالمقام بالمدينة، فإن قدموا إلى المدينة
قاتلناهم.وفي هذا دليلٌ أَنَّهُ لَا
يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
إِذَا طَرَقَهُمْ عَدُوُّهُمْ فِي دِيَارِهِمُ الْخُرُوجُ إِلَيْهِ، بَلْ يَجُوزُ
لَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا دِيَارَهُمْ، وَيُقَاتِلُوهُمْ فِيهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ
أَنْصَرَ لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْكما قال ابن القيم في
زاد المعاد(3/ 189). فدخل النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم بيته ولبس لأْمته ثم خرج عليهم وقد انثنى عزمُ بعض أولئك وقالوا: لعلنا استكرهنا رسولَ
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن أحببتَ أن تمكث في المدينة فافعل فقال النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ
أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ». وهذا الحديث في مسند أحمد (23/99) من طريق أبي
الزبير عن جابر بن عبد الله وأبو الزبير مدلس وقد عنعن ولكن له من الشواهد ما
يقويه. وفيه دليل أَنَّ الْجِهَادَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ
مَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ، وَتَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ،
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْخُرُوجِ حَتَّى يُقَاتِلَ عَدُوَّهُ كما في زاد
المعاد.
*فخرج النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة من المدينة إلى أُحد في ألف مقاتل. ثم انخزَل- أي
انفرد-عبدُ الله بن أُبي بن سلول في أثناء الطريق بثلاثمائة ورجعوا. فلم يبقَ مع
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا سبعمائة، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام
رضي الله عنه وحثهم على الرجوع فلما أبوا عليه رجع عنهم وسبَّهم. ثم مضى النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم بمن بقي معه حتى نزل شعبَ أُحد فرتَّب النبيُّ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أصحابه ورتَّب أمورَ الغزوة. وأعطى اللواءَ مصعب بن عمير وجعل
على إحدى المجنَّبَتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو. واستعرض
الشبابَ يومئذ، لينظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الذي يناسب دخوله
الغزو، وقد قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضًا منهم ورد آخرين. وكان ممن
ردَّ عبدالله بن عمررضي الله عنهم لأنه لم
يكن من البالغين.
واستعمل على الرماة ـ وكانوا خمسين ـ عبد الله بن
جبير، وأمَرَه وأصحابَه أن لا يتغيروا من مكانهم، وأن يحفظوا ظُهور المسلمين أن
يؤتَوا من قِبَلهم .
* النصر كان في أول النهار للمسلمين وانهزم
المشركون، وكان نساء كفار قريش يشتددن في الجبل ـ يعني صعودًا ـ ويرفعن عن سُوقهن
حتى بدت خلاخِلُهن فقال الصحابة لما رأوا المشركون انهزموا: الغنيمةَ، الغنيمةَ،
وانفضوا إلى الغنيمة. فوجد المشركون فُرجة لأنه خلا المكان من الرماة الذي قد كان
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعلهم فيه ليحرسوا المسلمين ، وقد كان عبد الله
بن جبير يقول لهم: لا تفعلوا. والقصة بهذا المعنى في صحيح البخاري (4043). ولما حصل من بعض
الصحابة المخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ما أراد الله تعالى
كونَه .
وقد قال أبو سفيان: (يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ،
وَالحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي)رواه
البخاري . يريد أنَّ غزوة أحد مقابل يوم بدر لأن المسلمين في غزوة بدرٍ قَتلوا
سبعين من المشركين وأسروا سبعين. فاستُشهِد من أكرم الله بالشهادة من أفاضل
الصحابة في غزوة أُحُدٍ وكانوا نحو السبعين منهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وعبد الله بن جحش، ومصعب بن عمير، وعثمان بن عثمان فهؤلاء أربعة من
المهاجرين، والباقون من الأنصار رضي الله عنْ جميعهم،والشهادة تعتبر كرامة {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} .فدفنهم في دمائهم وجروحهم،
ولم يصلِّ عليهم؛ لأنهم شهداء و،وشهيد المعركة لا يُغَسَّل ولا يُصلَّى عليه.
والمشركون حين غَلبُوا بعد أن كانوا قد هُزموا -
ولله الأمر من قبل ومن بعد - كانوا يجدِّعون القتلى من المسلمين ، يقطعون
آذانهم وأنوفهم، حتى مِن نسائهم من كانت تفعل ذلك . والله المستعان.
* لقب حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسدالله
وأسد رسوله وهو سيد الشهداء ،وقد قُتِلَ شهيدًا في هذه المعركة قتله وحشي بن حرب، والمنذر
بن عمرو لقبه المُعْنِق ليموت،أي أنه مسرع إلى الشهادة، وحنظلة ابنُ أبي عامر لقبه
حنظلة الغسيل. عثمان بن عثمان، وهو شمَّاس بن عثمان المخزومي، سُمِّي بشمَّاس
لحُسْنِ وجهه،الزبير بن العوام لقبه حواري رسول الله .
*انقسام الصحابة في غزوة أحد: قال الحافظ ابن حجر
رحمه الله في فتح الباري: وَالْوَاقِعُ أَنَّهُمْ صَارُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ
اسْتَمَرُّوا فِي الْهَزِيمَةِ إِلَى قُرْبِ الْمَدِينَةِ فَمَا رَجَعُوا حَتَّى
انْفَضَّ الْقِتَالُ وَهُمْ قَلِيلٌ وَهُمُ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ {إِنَّ
الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}. وَفِرْقَةٌ صَارُوا
حَيَارَى لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قُتِلَ فَصَارَ غَايَةُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَنْ يَذُبَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ
يَسْتَمِرَّ عَلَى بَصِيرَتِهِ فِي الْقِتَالِ إِلَى أَنْ يُقْتَلَ وَهُمْ
أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ. وَفِرْقَةٌ ثَبَتَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ تَرَاجَعَ إِلَيْهِ الْقِسْمُ الثَّانِي شَيْئًا
فَشَيْئًا لَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ حَيٌّ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْحَدِيثِ
السَّابِعِ. قال: وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الْأَخْبَارِ فِي عِدَّةِ
مَنْ بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وممن فرَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد نص
الله سبحانه على العفو عنهم، فقال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا
كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل
عمران: 155].
* وقدجُرِح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لما
خلَصَ المشركون إليه أي وصلوا إليه. قال الحافظ ابنُ حجر في فتح الباري (4073)
وَمَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّهُ شُجَّ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ
رَبَاعِيَتُهُ وَجُرِحَتْ وَجْنَتُهُ وَشَفَتُهُ السُّفْلَى من بَاطِنهَا ووهَى
منكبُه من ضَرْبَة ابن قَمِئَةَ وَجُحِشَتْ رُكْبَتُهُ.اهـ. وأدرك المشركون النبيَّ
صلى الله عليه وسلم لأن المسلمين قلة، وحمى النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم
من المشركين نحو عشرة من أصحابه. وقتلوا كلهم رضي الله عنهم.
* حضور الشيطان المعركة – نعوذ بالله منه - وما
قام به من الكيد للمسلمين فقد صرخ وقال: أي عباد الله أُخراكم ، وتثبيط الصحابة
بقوله: إن محمدا قد قُتل .
* تثبيت أنس بن النضررضي الله عنه لمن كان
متوقفا عن القتال، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد قُتِل فقال: ما
تصنعون في الحياة بعده؟ فثبَّتهم. وقد أبلى بلاءً حسنًا رضي الله عنه.
*وممن كان من الشجعان في هذه الغزوة أبوبكرٍ
الصديق ،وعمر بن الخطاب ،علي ابن أبي طالب ،وطلحة بن عبيدالله وقد شلَّت يده في
غزوة أحد لأنه وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ كما في صحيح البخاري ، سعد ابن أبي وقاص وقدجمع
رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم له أبويه في تلك الغزوة روى البخاري(4059) ومسلم (2411) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ
لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ
أُحُدٍ: «يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»وسعد بن الربيع ،وأنس
بن النضروقد قال :إني لأجد ريح الجنة دون أحدفقاتل حتى قُتِل فما عرفه أحد إلا
أخته عرفته ببنانه لكثرة جراحاته والضرب فيه ،وحمزة ،أبوطلحة وكان يقول يارسول
الله نحري دون نحرك كما في البخاري . سِمَاكُ
بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ قال يارسول الله أَنَا آخُذُهُ –أي السيف- بِحَقِّهِ
فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ" والحديث في مسلم .أي: شق به
رؤوس المشركين.وغيرهم كثير.
*ولما حانت الصلاة، صلى النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم بأصحابه جالساً، ثم مال المشركون إلى رحالهم وكان هذا كله يوم السبت.
*وقد ذكر سبحانه هذه الوقعة في سورة آل عمران قال
ابنُ القيم في زاد المعاد (3/189): فَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ
أُحُدٍ سِتُّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ، أَوَّلُهَا: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ
أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 121]
إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ..
*وممن حضر هذه الوقعة من النساء عائشة أم
المؤمنين، وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأم سليم، وأم سَليط
والدة أبي سعيد الخدري رضي الله عنهن حضرن الغزوَ لا للغزوِ ولكن لخدمة المجاهدين،
فكن يداوين الجرحى، ويسقين المرضى إلى غير ذلك.
*وهناك من الأمور كانت في غزوة أحد مشابهة لغزوة
بدرٍ منها:
النعاس: قال عز وجل في غزوة أحد: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ
عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ
وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ
الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ
قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران:154]. وقال سبحانه في غزوة بدر:
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾ [الأنفال:11].
ومنها: الدعاء، أخرج الإمام مسلم (1743) عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يَوْمَ
أُحُدٍ: «اللهُمَّ، إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ».
وسبق في غزوة بدر أنه قال نحو ذلك.
أمرٌ ثالث: أخرج البخاري (4046) ومسلم (1899) من
طريق عَمْرٍو وهو ابن دينار، سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَيْنَ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ
إِنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ،
ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تحت الرقم المذكور: لم
أقف على اسمه. وتقدم معنا في غزوة بدر قصة لعمير بن الحمام رضي الله عنه مشابهة
لهذه، رضي الله عنهما.
* من الأدب مع
الصحابة أن الحافظَ ابنَ كثير لا يقول: هُزِمَ الصحابة، ولكنه يقول: (فكان ما أراد
الله تعالى كونَه)، ثم كان العاقبة والنصر للمسلمين فقد أنزل الله عليهم الطمأنينة
وغشيهم النعاس قال الحافظ ابن كثير في البداية (4/29) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى
طُمَأْنِينَةِ الْقُلُوبِ بنصر الله وتأييده وتمام توكلها على خلقها وَبَارِئِهَا.
اهـ. ولا يجوز بحالٍ تنقص الصحابة ،أوالكلام فيهم
بما يحطُّ من شأنهم رضي الله عنهم أجمعين ،اختارهم الله صحابةً لنبيه الكريم محمد
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،ووعدهم كلهم بالحُسنى .
*ونزل جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام
للنصر والمَدد والمعونة. وهذا من الكرامات التي وقعت في هذه الغزوة.
والله المستعان .