جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 15 مارس 2016

(31) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


                   الاستعاذة بأسماء الله وصفاته

قال سبحانه:﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل:98].
 وقال سبحانه:﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾[المؤمنون:97].
 وقال سبحانه عن موسى:﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ﴾[الدخان:20].
وقال سبحانه:﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق:1].
وقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1].

وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ" .رواه مسلم (2708) عن خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ .

وحديث خولة فيه الاستعاذة بصفة من صفات الله وهو الكلام.

وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ». والحديث في صحيح مسلم (2202). وجاء عند ابن ماجة (3522) بلفظ «أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ».

وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». والحديث رواه مسلم (486).

وهذه الأدلة فيها الاستعاذة بصفات الله .

الاستعاذة داخلة في الدعاء قال شيخ الإسلام  في مجموع الفتاوى (15/ 

227) فَالِاسْتِعَاذَةُ وَالِاسْتِجَارَةُ؛ وَالِاسْتِغَاثَةُ: كُلُّهَا مِنْ نَوْعِ الدُّعَاءِ أَوْ الطَّلَبِ وَهِيَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ.اهـ .

ومن الأدلة على أن الاستعاذة دعاء ما أخرج الإمام مسلم في صحيحه(2739)عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ» .

 وأخرج أبوداود في سننه(1551) عن شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ أَبِيهِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله علمني دعاء قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيي" . والحديث في الصحيح المسند للوادعي رحمه الله (1/255).

فتبين من هذا أن الاستعاذة دعاءٌ .

 وقد بوب الإمام النجدي رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد: [باب من الشرك الاستعاذة بغير الله].

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/227)وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ - كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَاذَةُ بِمَخْلُوقِ. وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ خَيْرُ مُسْتَعَاذٍ يُسْتَعَاذُ بِهِ أَوْلَى.

وقال الشارح الشيخ سليمان في كتابه تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص 173).
 وقد أجمع العلماء على أنه لا تجوز الاستعاذة بغير الله.

وقيَّده في موضع سابق 25وقال في سياقه لذكربعض الشركيات:ومنها: الاستعاذة فيما لا يقدر عليه إلا الله.

وقد نقل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلام شيخ الإسلام المذكور في كتابه القول المفيد (1/ 255)وتعقَّبه وقال : وهذا ليس على إطلاقه، بل مرادهم مما لا يقدر عليه إلا الله، لأنه لا يعصمك من الشر الذي لا يقدر عليه إلا الله، سوى الله.

وقال رحمه الله : وعلى هذا، فكلام الشيخ رحمه الله-أي شيخ الإسلام-  في قوله: "إن الأئمة لا يجوزون الاستعاذة بمخلوق" مقيد بما لا يقدر عليه إلا الله، ولولا أن النصوص وردت بالتفصيل لأخذنا الكلام على إطلاقه، وقلنا: لا يجوز الاستعاذة بغير الله مطلقا.اهـ .

ومن الأدلة على جواز الاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ» رواه البخاري(7081،7082،3601) مسلم (2886)عن أبي هريرة .

وفي صحيح مسلم (1689)عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» ، فَقُطِعَتْ .

فاستفدنا تفصيلًا في المسألة: إذا كان فيما لا يقدر عليه المخلوق فهذا من الشرك، مثل أن يستعيذ بالميت، أو يستعيذ بالجن قال سبحانه: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن:6]. أو يستعيذ بالحي فيما لا يقدر عليه أيضًا من الشرك.

وهكذا قول: أعوذ بالله وبك هذا شرك فإن الواو تفيد التساوي بين الخالق والمخلوق .

وله أن يقول فيما يقدر عليه المخلوق : أعوذ بالله ثم بك .

ومن خاف من عدو أو من حيوان فلجأ إلى من يحميه فهذا جائز. «فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ».

هذا ومن الأدب ومن تمام التوحيد أنه يعاذُ من استعاذَ بالله لما أخرج أبو داود في سننه (1672) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ. والحديث في الصحيح المسند للوالدرحمه الله (1/361).

والمراد فيما لا يخالف الشرع ،وفيما لا يكون فيه ضرر.


وفي صحيح البخاري (5254) عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ ابْنَةَ الجَوْنِ، لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ».