جديد الرسائل

الاثنين، 8 فبراير 2016

من أسباب الثبات على دين الله عزوجل


تابع سلسلة الفوائد ...

                     هناك أمور تعين على الثبات بإذن الله عز وجل منها:

1.  الدعاء: ومن أدعية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ».

وفي صحيح مسلم (1343) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ». الشاهد (وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ).

 ومن أدعية عباد الله الصالحين: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران:8].

ويقول المصلي في كل ركعة في قراءة الفاتحة{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .

وهذه الآية من أدعية الثبات .

وقد أورد الحافظ ابنُ كثيرٍ إشكالا على هذا وأجاب عنه .

قال رحمه الله في تفسير سورة الفاتحة فإن قيل فكيف يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ؟ فَهَلْ هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَمْ لَا؟

قال :فَالْجَوَابُ أَنْ لَا، وَلَوْلَا احْتِيَاجُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَرُسُوخِهِ فِيهَا وَتَبَصُّرِهِ وَازْدِيَادِهِ مِنْهَا وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يَمُدَّهُ بِالْمَعُونَةِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّوْفِيقِ، فَالسَّعِيدُ من وفَّقه الله تعالى لسؤاله فإنه قَدْ تَكَفَّلَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِذَا دَعَاهُ وَلَا سِيَّمَا الْمُضْطَرُّ الْمُحْتَاجُ الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النِّسَاءِ: 136] فَقَدْ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذلك من باب تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّبَاتُ وَالِاسْتِمْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ


2.  العقيدة الصحيحة: فمن كان ذا عقيدة صحيحة فإن هذا من أسباب ثباته، لا تتخطفه الشبهات ولا الشهوات.

3.  العلم النافع: ولهذا ربنا عز وجل يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9] ويقول: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]. أمر الله عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطلب المزيد من العلم لأهميته. وحياة العلماء شاهدة بذلك أن العلم من أسباب الثبات.

الإمام أحمد بن حنبل يروي عنه ولده عبد الله وجاء عن صالح قال: حين احتضر أبي جَعَلَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: لَا ، بَعْدُ، لَا، بعد، فقلت: يا أبة ما هذه اللفظة التي تلهج بِهَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ إِبْلِيسَ وَاقِفٌ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى أُصْبُعِهِ وَهُوَ يَقُولُ: فُتَّني يَا أَحْمَدُ؟ فَأَقُولُ لَا ،بَعْدُ ، لَا، بَعْدُ - يَعْنِي لا يفوته حتى تخرج نفسُه مِنْ جَسَدِهِ. البداية والنهاية(10/375) .

أي مادامتِ الروح في الجسد فهو على خطر، والقصة مشهورة.

ومن الآثار الثابتة في هذا المعنى ما جاء عن أبي زرعة الرازي- وهو عبيد الله بن عبد الكريم- وَكَانَ فِي السَّوْقِ، وَعِنْدَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَذَكَرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، فَاسْتَحْيُوا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَقَالُوا: تَعَالَوْا نَذْكُرُ الْحَدِيثُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ صَالِحٍ وَلَمْ يُجَاوِزْ وَالْبَاقُونَ سَكَتُوا، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ فِي السَّوْقِ: ثنا بُنْدَارٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
والأثر أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (76). وأخرجه بنحوه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (1/345).

وقد رأيت من حياة والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله ما يدل على صبره وثباته. فقد يكون مريضًا ولا تنقطع دروسه، ولا بحوثه، ولا خدمته لطلابه من مراجعة البحوث والإعانة لهم. قد يكون عنده سعال شديد، وجسمه ملتهب بالحمى، ويخرج يلقي دروسه. وفي مرضه الأخير يقول الأطباء: لو كان هذا المرض في غيرك لكان طريحًا على الفراش.

وكان رحمه الله إذا كان مريضًا يسلِّي على من يعوده، وعلى أقربائه كأنه المعافَى ونحن المرْضَى. وهذا من ثمار العلم النافع، ومن ثمار الصدق والإخلاص، والبركة من الله.

نحن ربما نُلقى على الفراش بسبب الزُّكام . نسأل الله أن يرحمَنَا.

4.  الصبر: قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل:127]. وقال: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور:48]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200].

وقد قال ابن القيم في طريق الهجرتين (266): "ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر، فلو علم العبد الكنز الذى تحت هذه الأحرف الثلاثة أعنى اسم "الصبر" لما تخلف عنه".اهـ

من نَصحَ بالصبر فقد أعظمَ النصيحة. الصبرُ خلُقٌ عظيم، وجزاء الصابرين الجنة. ومن الخطأ أن يقول بعض الجاهلات أنت لا تشعرين بما عندي، هذا خطأ قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن:11] والواجب الصبر والتصبر، اللهَ أسأل أن يُلْهِمَنَا الصبرَ  .

5-الإخلاص :فقد قال تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }  .وروى البخاري في صحيحه(2898) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» .

6-القناعة :قال تعالى { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.

والقناعة من أعظم أسباب الثبات فإن كثيرا من الناس قد استعبدتْهُمُ المادَّةُ ويدورون معها حيث كانت على خيرٍ أو شرٍ .

7-الاستقامة ظاهرا وباطنا : فمن استقام على دين الله فإن الله يثبته قال تعالى { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }.


هذه بعض الأمور في أسباب الثبات ولا حول ولا قوة إلا بالله .