جديد الرسائل

الجمعة، 5 فبراير 2016

ضررالمماراة والمنازعة

تابع سلسلة الفوائد ..

قال الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام { فَإنِ اتبعْتَني فَلا تسألنِي عَن شَيءٍ حَتى أحدِثَ لَكَ مِنْهُ ذكرا } .

قال القرطبي رحمه الله في المفهم  شرح قصة موسى : هذا من الْخَضِر تأديبٌ ، وإرشادٌ لما يقتضي دوامَ الصُّحبة ، ووعدٌ بأنه يُعرِّفه بأسرار ما يراه من العجائب ، فلو صبرَ ودَأبَ لرأى العجبَ ، لكنَّه أكثر من الاعتراض ، فتعيَّن الفِراق والإعراض .اهـ.
وأخرج البخاري (49) عن عبادة بن الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ» .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة القدر : فِيهِ اسْتِئْنَاسٌ لِمَا يُقَالُ إِنَّ الْمُمَارَاةَ تَقْطَعُ الفائدة والعلم النافع كما جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» .

وأخرج  أبوزرعة الدمشقي رحمه الله  في «تاريخه» (1132): حدثنا ابن أبي عمر، قال: قالوا لسفيان: لأي شيء لم يحدِّث عمرو عن مجاهد؟ قال: لا أدري لأي شيء لم يحدث عنه. قالوا: إن كان يماري فإذا ماريت العالم خاشنته.

وأخرج  أبوعبيد في «فضائل القرآن» (صـ79)من طريق  يونس بن عبيد، قال: كتبت إلى ميمون بن مهران بعد طاعون كان ببلاده أسأله عن أهله، فأتاني كتابه كتبت إليّ تسألني عن أهلي، وإنه مات من حامّتي سبعة عشر، وإني أكره البلاء إذا أقبل، فإذا أدبر لم يسرني أنه لم يكن، وعليك بكتاب الله تعالى، فإن الناس قد بَهَوا به واختاروا عليه الأحاديث، أحاديث الرجال، ولا تمارين به عالمًا، ولا جاهلًا؛ فإنك إذا ماريت الجاهل خشَّن بصدرك، ولم يطعك، وإذا ماريت العالم خزن عنك علمه، ولم يبالِ وما صنعت.
هذا أثر صحيح.

وقال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (1/169)في سياق من يُحرَم العلم:  وَمن النَّاس من يحرمه لسوء إنصاته فَيكون الْكَلَام والممارات آثر عِنْده وَأحب اليه من الانصات وَهَذِه آفَة كامنة فِي أكثر النُّفُوس الطالبة للْعلم وَهِي تمنعهم علما كثيرا وَلَو كَانَ حسن الْفَهم.

إلى أن قال : فَتَأمل مَا تَحت هَذِه الألفاظ من كنوز الْعلم وَكَيف تفتح مراعاتها للْعَبد أبواب الْعلم وَالْهدى وَكَيف ينغلق بَاب الْعلم عَنهُ من إهمالها وَعدم مراعاتها .اهـ .

عرفنا ضرر المماراة واللجاجة في الخُصُومة لغير حاجة وأنه من أسباب الصرف عن العلم وحرمان الخير ،ومن أسباب نفور القلوب وجلب العداوة والبغضاء في القلوب .

فالبعد عن هذا خير وسلامة وأدبٌ عظيمٌ يتخلَّقُ به الألِبَّاءُ  ولا يهتدي له إلا من بَصَّره الله .

تعريف المماراة :قال الفَيُّومِي في المصباح المنير :  مَارَيْتُهُ أُمَارِيهِ مُمَارَاةً وَمِرَاءً جَادَلْتُهُ  وَلَا يَكُونُ الْمِرَاءُ إلَّا اعْتِرَاضًا بِخِلَافِ الْجِدَالِ فَإِنَّهُ يَكُونُ ابْتِدَاءً وَاعْتِرَاضًا.اهـ.

اللجاجة : التمادي في الخُصومة .


ونسأل الله أن يكفينا جميعا أهلَ الفتن الذين لا هَمَّ لهم إلا تفكيك الناس 

وإشغالهم بالمماراة والخصومة .وحسبنا الله ونعم الوكيل .