جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 6 يناير 2016

الدَّرْسُ التَّاسِعُ من /كتابُ التوحيدِ من صحيحِ البُخَارِي 27 من ربيع الأول 1437



بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ
7385 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ لِي غَيْرُكَ» .

حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا وَقَالَ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ.

******************************
(قَبِيصَةُ)
وهو ابن عقبة، يخطيء في حديث الثوري رحمه الله  .
قال حنبل بن إسحاق للإمام أحمد فما قصةُ قبيصة في سفيان؟ فَقَالَ أَبُو عبد اللَّه: كَانَ كثير
الغلط. قلت له: فغير هذا؟ قال: كان صغيرا لا يضبط .
وقال يحيى بْن مَعِين: قبيصة ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان ليس بذاك القوي، فإنه سمع منه وهو صغير .
وَقَال صالح  بْن مُحَمَّد الْحَافِظ –وهو جَزَرَة-: كان رجلا صالحا إلا أنهم
تكلموا في سماعه من سفيان.
يراجعُ : تهذيب الكمال .
 وهل معنى هذا أنه يكون ضعيفًا في سفيان؟ .
استفدت من والدي الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله- أنه لا يضعَّف حديثه إذا روى عن الثوري،
ولكن هناك أخطاء له في روايته عن الثوري .
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ)
وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله إمام ووالده ثقة.
سفيان بن سعيد الثوري إمام عابد .
وهكذا نجد سيرة علمائنا وسلفنا الصالح يهتمون بالعلم وبالعبادة. فلا يتنافى طلبُ العلم مع
العبادة. والعبادة فيها عون عظيم على طلب العلم، والتزود من العلم النافع .
سيرة سلفنا الصالح الجمع بين الأمرين ،العلم والعبادة .
فلا يترك طالب العلم قيام الليل والوتر لانشغاله بالعلم، أو يترك الرواتب، أو صلاة الضحى، أو
الذكر ، أوغير ذلك. فإن العبادة من أسباب ثباته وإعانته في حياته وفي طلبه للعلم .
والقراءة في سيرة السلف من الأسباب التي تبعث الهمة. فسيرتهم كلها عامرة بالعبادة والمجاهدة
والخوف من الله والرحلة  في طلب العلم .

 وقد كانَ من السَّلَفِ من يرْحَلُ لأجل حديثٍ واحدٍ  ومنهم  سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «إِنْ كُنْتَ لَأَسِيرُ ثَلَاثًا فِي
الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ» أخرجه الرامهرمزي وغيره.

وأحدُهُم لو قيلَ له : إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ عَلَى الْبَابِ مَا كَانَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ فِي الْعَمَلِ .


من أقوال سفيان الثوري الثابتة عنه


1-        يَقُولُ سفيانُ الثوري : لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ، لِمَنْ حَسُنَتْ فِيهِ نِيَّتُهُ .
أخرجه الرامَهُرُمزي في المحدث الفاصل .
هذا الفضل بشرطِ حُسْن النية أن يتعلمه لله عز وجل لا للفخر، ولا ليقال، ولا للدنيا، ولا  للشُّهْرة
(لِمَنْ حَسُنَتْ فِيهِ نِيَّتُهُ ) .

2-«لَيْسَ طَلَبُ الْحَدِيثِ مِنْ عُدَدِ الْمَوْتِ، وَلَكِنَّهُ عِلَّةٌ يَتَشَاغَلُ بِهِ الرَّجُلُ»  أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم 

وفضله» (1007) بسند صحيح.

أي ليس طلب الحديث من الاستعداد ليوم الرحيل.

وقد تقدم في الأثر السابق ذكرُه أنه( ليس هناك أفضل من طلب العلم وطلب الحديث لمن

حسُنت فيه نيته ).


فهذا الأثر محمول على أنه قاله على حالة ضجر من سوء أدب بعض الطلاب.

 وفي حق من يتشاغل بالعلم عن الواجبات كما قال شعبة: (إن هذا الحديث يصدكم عن

ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ).

وفي حقِّ من يتعلم تباهيًا وتفاخرًا . أخرج أبو نعيم في «الحلية» ترجمة عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: فتنة الحديث أشد من فتنة المال وفتنة الولد. وسنده صحيح.

وهذا كلامٌ  للحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» ترجمة سفيان عقب هذا الأثر قال :  قلت: صدق ‑والله‑ إن

طلب الحديث شيء غير الحديث,وطلب الحديث اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث, وكثير

منها مَرَاق إلى العلم, وأكثرها أمور يشغف بها المحدث من تحصيل النسخ المليحة, وتطلب العالي, وتكثير

الشيوخ, والفرح بالألقاب والثناء, وتمنى العمر الطويل ليروي, وحب التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض

النفسانية لا الأعمال الربانية.

قال : فإذا كان الحديث النبوي محفوفاً بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟ .

وإذا كان علم الآثار مدخولاً فما ظنك بعلم المنطق والجدل, وحكمة الاوائل, وتورُّث الشكوك والحيرة التي لم

تكن واللهِ من علم الصحابة ولا التابعين, ولا من علم الأوزاعي, والثوري, ومالك, وأبي حنيفة, وابن أبي ذئب

وشعبة؟ اهـ المراد.

نسأل الله العافية.

قد يجرُّ طلبُ العلم -في حقِّ بعض الناس - إلى أمورٍ سيئة ، إلى المباهاة، والمفاخرة، ليقالَ إِنه
واسعُ العلم، وأنه عنده شيوخ كثير.... إلى غير ذلك.
وهذا من  وساوس الشيطان وكيدِهِ  فإنه حريصٌ على إبعاد الناس عن طلب العلم ، فإذا عجز عن المنع من طلبِ العلم سعى  بما 

يشغل عن الأَهَمِّ ،  وبما  يُفسِد الجُهدَ .

سمعتُ والدِي رحمه الله يقول : أعظَمُ ما يُغِيْظُ الشيطانَ طلبُ العِلْمِ  .


سفيانُ الثوري طُلِبَ للقضاء فتحيَّل بما يُخلِّصه من المنصِبِ
3-أخرج ابنُ أبي حاتم رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (106)من طريق  الشافعي يقول: دخل سفيان الثوري على أمير المؤمنين فجعل يتجانُّ عليهم ويمسح البساط ويقول: ما أحسنه ما أحسنه بكم أخذتم هذا؟ ثم قال: البول البول حتى أُخرج .
سفيان طلبه الوالي ليوليه ، ليجعله أميرًا ، وكان سفيان يكره ذلك كما هو عادة السلف فلما
دُعِي جعل يُظهر لهم أنه أبْله من أجل أن يُتركَ سبيله ،  ثم أُمِرَ به فأخرج .
هكذا كان السلف يفرُّون من الولاية ويكرهونها؛ لأنها حِمْلُ مسؤولية عظيمة .
أخرج الفسوي رحمه الله  في «المعرفة والتاريخ » (1/679)  عن أبي  حازم وهو سلمة بن
دينار: كَانَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى يَطْلُبُهُمُ السُّلْطَانُ وهم يفرون منهم، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ الْيَوْمَ طَلَبُوا
الْعِلْمَ حَتَّى إِذَا جَمَعُوهُ بِحَذَافِيرِهِ أَتَوْا بِهِ أَبْوَابَ السَّلَاطِينَ وَالسَّلَاطِينُ يَفِرُّونَ مِنْهُمْ وَهُمْ
يَطْلُبُونَهُمْ .
 وإذا كان هذا في زمن أبي حازم، زمن التابعين ، زمن القرونِ المُفضَّلَةِ بعدَ الصحابة ، فكيف
بأزماننا المتأخرة، الناس في أشد الحرص على الإمارة، وعليها يتقاتلون، ومن أجلها يتناحرون
.والعياذ بالله.
وقال الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 123) وَسَمِعْتُ ابْنَ بُكَيْرٍ قَالَ يَقُولُ: قَالَ اللَّيْثُ قَالَ لِي
أَبُو جَعْفَرٍ: تَلِي لِي مِصْرَ؟ قُلْتُ: لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّي رَجُلٌ مِنَ
الْمَوَالِي.
فَقَالَ: مَا بِكَ ضَعْفٌ مَعِي، وَلَكِنْ ضَعْفُ نِيَّتِكَ عَنِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ لِي» ، أَتُرِيدُ قوة أقوى مني
ومن عملي!! فاما إذ أَبَيْتَ فَدُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ أُقَلِّدُهُ أَمْرَ مِصْرَ؟ قُلْتُ: عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْجُذَامِيُّ،
رَجُلُ صَلَاحٍ وله عشيرة. قال: فبلغه ذلك، فعاهد اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَلا يُكَلِّمَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ .
ابنُ بُكير : يحيى بْن عَبد اللَّهِ بْن بُكَيْر كما في ترجمة ليث بن سعد من تهذيب الكمال .
وهو ثقة .فالأثر صحيح .
هذان عالمانِ جليلان ، الليث بن سعد عالِمُ مصر ومفتيها ،وعثمان بن الحكم الجُذامي كلاهما
يمتنعان ويفرَّان من الإمارة .
الحافظ أبو علي بن خيران رحمه الله طُلِبَ للولاية فأبى، فختموا على بابه تشديدًا عليه ليقبل
حتى قيل:
وطبَّقوا البابَ على أبي علي  *****  عشرين يومًا لِيَلِى فما وَلِي

ومن أقوال الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: لو دعانا الرئيس وقال تفضلوا للرئاسة، لقلنا:
عياذًا بالله وما نراك ناصحًا .

الوِلاية لها ركنان: القوة والأمانة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع
 الفتاوى(28/253)  .
وقال رحمه الله ص 253 من هذا الجُزء : واجتماعُ القوة واﻷمانة في الناس قليل  .اهـ
وقد روى مسلم (1826)عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي
أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ».


4-من أقوال سفيان الثوري الذي معنا في الترجمة في الحثِّ على التيسير ( إنما العِلمُ عندنا الرُّخَص عن
الثقة  ،فأمَّا التَّشديدُ فكُلّ إنسانٍ يُحْسِنُه ) .
أخرجه أبونعيم رحمه الله في «حلية الأولياء » (6/320)
والآثار كلها ثابتة.
 وكلُّها دُرر، وحِكَم، وفوائد.

 (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ)
عبد الملك بن عبد العزيز. إمام وكان يدلس، وهو من بحور العلم .    
وجاء عن الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنَ جُرَيْجٍ: لِمَنْ طَلبتُمُ العِلْمَ؟ كُلُّهُم يَقُوْلُ: لِنَفْسِي. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: طَلبْتُهُ لِلنَّاسِ.
علَّقَ الإمام الذهبي رحمه الله على الأثر في سير أَعلام النبلاء وقَالَ: مَا أَحْسَنَ الصِّدْقَ، وَاليَوْمَ
تَسْألُ الفَقِيْهَ الغَبِيَّ: لِمَنْ طَلبتَ العِلْمَ؟ فَيُبَادِرُ، وَيَقُوْلُ: طَلبتُهُ للهِ، وَيَكْذِبُ، إِنَّمَا طَلبَهُ لِلدُّنْيَا، وَيَا قِلَّةَ
مَا عَرَفَ مِنْهُ.
ونسأل الله عز وجل الإخلاص.
 العلم يحتاج إلى إخلاص ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ  [الزمر:3].
وهذا أدبٌ وخُلُق عزيز، أن يكون العلم لله عز وجل لا لأجل دنيا فانية، ولا لأجل سمعة.
وكثير من الناس يتعلم للدنيا ، وليس لله يتعلم العلم ، لكن من أجل الوظيفة، ومن أجلِ دُنيا فانية ،
فمُحِقت بركةُ العلم في أزماننا لفقدِ حُسْنِ النية إلا ما رحم ربي  .

(عَنْ سُلَيْمَانَ)

وهو ابن يسار أحد الذين اختبرهم الخليفة لما دخلوا عليه وسألهم فيمن نزل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي
 تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. [النور:11]. فقد دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْمَانُ، ﴿الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مَنْ هُوَ؟. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ. قَالَ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ. فَدخل الزُّهْرِيّ فَقَالَ يَا ابن شهَاب من الَّذِي تولَّى كبره قَالَ ابن أُبَيٍّ
قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ. فَقَالَ أَنَا أكذب لَا أبًا لك وَاللَّهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْكَذِبَ مَا
كَذَبْتُ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ.
وجاء عن الوليد بن عبد الملك أنه سأل الزهري عن ذلك.
يُراجع :سير أعلام النبلاء .
سليمان بنُ يسار جَبُنَ لأن أمامَه مَن لا يرحم قال له : كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ. قَالَ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ .
الإمام الزهري قوِيَ وردَّ وبيَّن ثباتَه على الصِّدق  رحمهما الله جميعاً .
الإمامُ الزهري يتنزه غايةَ التنزُّه عن الكذب؛ لأن الكذب خصلة ذميمة.
فتنزَّهي يا طالبةَ العلم عنِ الكَذِبِ ، واصدُقي لِتُفْلِحِي .
سليمان بن يسار - رحمه الله - أحد الفقهاء السبعة، قال الشاعر:
إذَا قِيلَ مَنْ فِي الْعِلْمِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ  ****  رِوَايَتُهُمْ لَيْسَتْ عَنْ الْعِلْمِ خَارِجَهْ
فَقُلْ هُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُـــــرْوَةُ قَاسِمٌ  ****  سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَـــارِجَهْ
هؤلاءهم الفقهاء السبعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
خارجة : بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو زيد المدني ثقة فقيه .

(عَنْ طَاوُسٍ)
وهو ابن كيسان الأبْناوي ثم اليمني .
الأبْناوي أي من أبناء الفرس، كان فقيهًا عابدًا، وكان شديدًا على أهل البدع .
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) ابن عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
عبد الله بن عباس أبو العباس - رضي الله عنهما. ولد في أيام الحِصار في شعب أبي طالب قبلَ الهجرة بثلاث سنين .
وهو صحابي صغير. توفي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهو ابن ثلاثة عشر عامًا .
يُرَاجَعُ فتحُ الباري (5035) للحافظ ابن حجر .
و كان حريصًا على العلم ذكيًا فطنًا .
ودعا له النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
فنال بركة دعوته. دعا له فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ».
و قد كان عمرُ بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يدنيه مع أشياخ بدر لعلمه وذكائه  وهذا ثابتٌ في صحيح البخاري
(4294) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .

أحاديث ابن عباس فوق الألف والصحابةُ الذين رووا فوقَ الألفِ من الأحاديث سبعةٌ .
قال الشاعِر
سبعٌ من الصَّحْبِ فوقَ الألفِ قد نقلُوا    من الحديث عنِ المُخْتار خيرِ مُضر
أبوهُريرةَ سعدٌ جابرٌ أنسُ                  صدِّيْقَةٌ وابنُ عبَّاسِ كذا ابنُ عُمر

ونظمها السُّيوطي رحمه الله بنظمٍ آخر في منظومة ألفيَّةِ الحديث 108 فقال :

وَالْمُكْثِرُونَ فِي رِوَايَةِ الأَثَرْ: ... أَبُو هُرَيْرَةَ يَلِيهِ ابْنُ عُمَرْ
وَأَنَسٌ وَالْبَحْرُ كَالْخُدْرِيِّ ... وَجَابِرٌ وَزَوْجَةُ النَّبِيِّ

(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ)
لم يبيَّن في هذا الحديث الموضعَ الذي يقال فيه هذا الدعاء.
فبعض أهل العلم جعله من أدعية الاستيقاظ عند النوم وعليه يدل تبوب البُخاري في موضع
 (6317) بَابُ الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ بِاللَّيْلِ .
ولكن فيه من الروايات ما يبين أنه بعد تكبيرة الإحرام.
 قال ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه (2/184) بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَحْمَدُ بِهَذَا التَّحْمِيدِ وَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ لِافْتِتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلُ.
 ثم ذكر الحديث  بإسناده من طريق عِمْرَانَ وَهُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ  ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ قَالَ بَعْدَمَا يُكَبِّرُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ .. » .
وهذا إسنادٌ حسن .
قيس بن سعد هو المكي ترجمته في تهذيب الكمال بروايته عن طاوس وعنه عمران بن مسلم القصير  ثقة
عمران بن مسلم : القصير  قال الحافظ في تقريب التهذيب : صدوق ربما وهِم .
وهذا نصٌ في المسألة  أنه من أدعية الاستفتاح في صلاة الليل. .

ودعاء الاستفتاح في الصلاة جمهور أهل العلم على استحبابه .
وخالف فيه الإمام مالك - رحمه الله - فهو يرى أنه لا يشرع دعاء الاستفتاح، ولا الاستعاذة، ولا
البسملة لحديث أنس المتفق عليه البخاري (743)، مسلم (401) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بـِ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ [الفاتحة: 2]".
وفي روايةٍ لمسلم (399/52)، ﻻَ ﻳَﺬْﻛُﺮُﻭﻥَ {ﺑِﺴْﻢِ اﻟﻠﻪِ اﻟﺮَّﺣْﻤَﻦِ اﻟﺮَّﺣِﻴﻢِ} [اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ: 1] ﻓِﻲ ﺃَﻭَّﻝِ ﻗِﺮَاءَﺓٍ ﻭَﻻَ ﻓِﻲ ﺁﺧِﺮِﻫَﺎ» .
وقد تكلم أهل العلم على المرادِ بحديث أنس وأنه ينفي الجهر ولا ينفي الإسرارُ جمعًا بين الأدلة .
وقال الحافظ في بلوغ المرام 280   عن حديث أنس : وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ , وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ
خُزَيْمَةَ: - لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيم  .
وَفِي أُخْرَى لِابْنِ خُزَيْمَةَ: - كَانُوا  يُسِرُّونَ  .
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ اَلنَّفْيُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ,  خِلَافًا لِمَنْ أَعَلَّهَا اهـ .
وقد قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].
والأدلة ثابتة في دعاء الاستفتاح  كحديثِ أبي هريرة في البخاري (744)، مسلم (598) - واللفظ له
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ "أَقُولُ: اللهُمَّ بَاعِدْ
بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ" .
فالحديث  الذي استدَّل به الإمامُ مالِك فيه   نفي الجهر ولاينفِي الإسرار  والأحاديثُ والروايات
يُفَسِّرُ بعضُها بعْضَا .
(اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ)
الحمد: الإِخبار بمحاسن المحمود مع محبته وإجلاله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
(أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)
هذا فيه إثبات اسم الرب لله عز وجل، أي مالك السماوات والأرض.
والرب : هو المالك السيد المربي المنعم والمصلح كما في بدائع الفوائد لابن القيم رحمه الله .
(لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ)
فيه إثبات اسم القيم لله عز وجل، ومن أسمائه القيوم. والقيوم أبلغ من القيم.
ومعنى القيوم القائم بنفسه،  القائم غيرُه به.
 قال ابن القيم رحمه الله في نُونيته:
              هَــــــذَا وَمن أوصـــــــافُه القيــُّـومُ  ***  والقيُّومُ فِي أَوْصَـافه أَمْرَانِ
إحــــــــداهُما القيــــُّــومُ قَــامَ بِنَفسِهِ  ***  والكونُ قَـامَ بِهِ هما الأمران
فَــــــالْأول استغنــــــــاؤه عَن غَيره  ***  والفقــــر مـن كلٍ إليه الثَّانِي
وَالْوَصْف بالقيوم ذُو شَأْن عظيم كَذَا  ***  موصوفه أَيْضا عَظِيم الشان .

(القيــــــومُ قَــامَ بِنَفسِهِ):  أي أن الله غني عن كلِّ ما سواه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].
(والكونُ قَـامَ بِهِ ):  الكونُ كلُّ ما سوى الله.
قال الله سبحانه: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33]. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [الروم:25]. فالكل فقير، ومحتاج إلى الله .
(لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)
اختلف العلماء هل من أسماء الله عز وجل النُّور على قولين: فمنهم من أثبته، وهو قول ابن القيم رحمه الله .
فقد قال في كتابه شفاء العليل ومن أسمائه سبحانه النور، استدلالا بهذا الحديث، وبقوله تعالى
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35].
 ومنهم من قال: هذا ليس من أسماء الله، ولا يجوز
التسمي باسم عبد النور، وهذا عليه فتوى اللجنة الدائمة، والله أعلم .

(قَوْلُكَ الحَقُّ)
قال الله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ [الأحزاب:4]. فالله يقول الحق، والحق ضدُّ الباطل.
(وَوَعْدُكَ الحَقُّ)
والوعد داخل في القول فهذا من عطف الخاص على العام.
(وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقّ)
هذه كلها داخلة في وعد الله عز وجل؛ فإن الله وعد بها، والله لا يخلف الميعاد.
فوعد الله عز وجل حق، ما وعد به عز وجل من النعيم لأوليائه ومن الأمان والنُّصرة ، وغير ذلك  هذا حق  نؤمن به .
الشيطان يقول يوم القيامة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم:22]،  يتخلى الشيطان عن أصحابه؛ لأن وعدَه وعدُ نفاق .
 (وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ)
الإمام البخاري ذكر هذا الحديث في كتاب التوحيد في ثلاثةِ مواضع: في هذا الموضع.
 وفي أحاديث رؤية الله رقم (7442)؛ لأن اللقاء عند جماعة العلماء لا يكون إلا برؤية .

 وفي أحاديث إثبات صفة الكلام لله (7499) .
ويفيد أيضًا إثبات البعث لأن لقاء الله عز وجل يكون  في الآخرة .
(وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ)
الجنة التي وعد الله عز وجل بها أولياءه حق.
النار التي وعد الله عز وجل بها أعداءه حق.
وقد علّق دخولَ الجنة النبيُّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالإيمان بهذين؛ أن الجنة حق والنار حق. كما في الصحيحين البخاري (3435)، مسلم (28) عَنْ عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ».
 فهذه الأعمال من أسباب دخول الجنة، جعلنا الله من أهلها.
قال الحافظ : فيه إشارةٌ إلى أن الجنةَ والنارَ موجودتان .
(وَالسَّاعَةُ حَقٌّ)
يوم القيامة حق من عند الله عز وجل.
وقد أمر الله عزوجل نبيه أن يُقسم بالله في ثلاثةِ مواضعَ من القرآن الكريم على حَقِّيَّةِ قيام
الساعة :
  1. قال تعالى: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [يونس:53].

  1. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [سبأ:3].
  2. قال تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] .

هذه ثلاثةُ مواضع يأمرُ اللهُ نبيه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم يُقسم فيها على حقِّيَّة قيامِ
الساعة.
وتكرار كلمة حق يفيد الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الشرح أن هذا من باب التأكيد.
(اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ) أي انقدت.
(وَبِكَ آمَنْتُ) أي صدقت.
(وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أي فوضت أمري إليك.
(وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ) أي تبت ورجعت. وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثير التوبة والرجوع إلى الله.
(وَبِكَ خَاصَمْتُ)
أي جادلت، لا لهوى، ولا لحظ نفسي. وقد قالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى يُنْتَهَكَ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ» رواه البخاري (6853).
مخاصمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجداله لله عز وجل.
 جداله للمخالفين وقتاله للكفار لله عز وجل .
قال ابنُ القيم في طريق الهجرتين 37 : فتكون مخاصمة هذا العبد لله لا لهواه وحظه ومحاكمته
خصمه إِلى أَمر الله وشرعه لا إِلى شيء سواه، فمن خاصم لنفسه فهو ممن اتبع هواه
وانتصر لنفسه .اهـ المراد .

(وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ)
 التحاكم إلى الله سبحانه وتعالى، لا إلى الأصنام، ولا إلى قوانين وضعية، ولا إلى ديمقراطية.
الديمقراطية  : حكم الشعب نفسَه بنفسِه .
 وهذا كفر والعياذ بالله، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].
فلابد أن يكون التحاكم إلى الله: أي إلى دينه وشرعه ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [الأنعام:57].
وهناكَ من يعتني بتوحيد الحاكمية من الحزبيين أكثر من الاهتمام بتوحيد الألوهية.
والأنبياء كان أكثر  اهتمامهم بالدعوة إلى توحيد الأُلوهية .

وبعضهم يزيد في أقسامِ التوحيد توحيدَ الحاكمية .
وهذا لا معنى له لأنه داخل في توحيد  الألوهية فهو جزء من توحيد الألوهية .
ومعنى  الحاكمية التحاكم إلى الكتاب  و السنة عند التنازع وهذا من فعل العبد فيوحد الله في ذلك ،  إذا تحاكم يعود إلى الكتاب و السنة .
و يجوز أن يكون توحيد الحاكمية داخلاً في ضمن توحيد الربوبية لأن الله عزوجل 
يقول ( إن الحكم إلا لله ) فعلى هذا يكون  من خصائص رب العالمين ويكون داخلا
في ضمن توحيد الربوبية لأنه من خصائص الله المُتفرِّدُ به سبحانه .

(حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ)
هذا شيخ البخاري  وقد قال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري ص 561 :  روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح حديثين فِي الْهِبَة والتوحيد لم ينْفَرد بهما. اهـ
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا وَقَالَ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقّ)
 يعني زاد (أنت الحق)، وفيه إثبات اسم الحق لله سبحانه وتعالى.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: الحق في أسمائه سبحانه معناه المتحقق وجوده.
- وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه- من الفوائد غير ما تقدَّم :
 -تعظيم النبي لربه، وثنائه عليه، والإقرار له بالربوبية، والقيُّوميَّة ، والإقرار بالجنة، والنار، واليوم الآخر، والاستسلام لله عز وجل، والإيمان به، والتوكل عليه، وغير ذلك.
- التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته قبل الدعاء.
 وهذا من أدب الدعاء الثناء على الله عز وجل ثم الدعاء.
وينبغي أن يُصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحديث فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِلَ هَذَا" ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ". مسند أحمد (23937).
وهذا أحد أنواع التوسل المشروع، التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته.
قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .
الثاني: التوسل إلى الله بالعمل الصالح كما قال الله عن أهل الإيمان {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} .
وكما في حديث النفر الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار توسَّل إلى الله كلُّ واحدٍ منهم بعمله وفرَّج الله عنهم وخرجُوا يمشون .
والحديث متفق عليه عن ابن عمر رضي اللهُ عنهما .
فهذا مشروعٌ أن يتوسَّل بعمله هُو ، مثل اللهم بمحبتي لأنبيائك وأوليائك ارزقني ، أو فرِّج كربي ..
أو اللهم باتباعي لنبيك محمد وفقني وأعنِّي ..
 الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح .
ودليلُه ما رواه البخاري (1010)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» ، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ .
هذا الحديث فيه التوسُّلُ إلى اللهِ  بدعاء الرجل الصالح  .
والمراد طلبُ الدُّعاء من الرجل الصالِح  وقد بيَّن هذا  حديثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتفق عليه  : أَنَّ رَجُلًا، دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» الحديث .
هذا الحديث يبين المرادَ من توسِّل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حياته
ثمَّ بعمِّه العباس بعده أنه كان بدعائه لا بذاته ولا بجاهه ومنزلته .
فيجوز أن يُطلُبَ من  أهل الفضل  أو من المسافر  الدُّعاء  .
وقد قالت أم سليم رضي الله عنها يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له . متفق عليه البخاري (6344)  ومسلم (2480)من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم (2542) عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ
بِأُوَيْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ:
 «إِنَّ رَجُلًا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ
الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ» .
قال الصنعاني رحمه الله في تطهير الاعتقاد 68 : وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون الدعاءَ منه صلى الله عليه وسلم وهو حي، وهذا أمرٌ متفق على جوازه .
لكن لا نكثر من الطلب (ادع  لي) وينبغي أن نعتنيَ بأنفسنا نحن وأنْ يلجأ العبد إلى الله ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ) والاضطرار من أسباب استجابة الدعاء .
وقد نبَّه على ذلك الشيخُ ابن عُثيمين رحمه الله في كشف الشبهات  ص 254فقال : ذكر المؤلف_ أي الإمام النجدي-  رحمه الله أنه لا بأس أن تأتي لرجل صالح تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك، وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذك ديدناً له كلما رأى رجلاً صالحاً قال ادعُ الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف رضي الله عنهم، وفيه اتكالٌ على دعاء الغير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيراً له لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل فإن الدعاء من العبادة كما قال الله تعالى {ادعوني أستجب لكم} [سورة غافر، الآية: 60] . الآية، والإنسان إذا دعا ربه بنفسه فإنه ينال أجر العبادة ثم يعتمد على الله عز وجل في حصول المنفعة ودفع المضرة، بخلاف ما إذا طلب من غيره أن يدعو الله له فإنه يعتمد على ذلك الغير وربما يكون تعلقه بهذا الغير أكثر من تعلقه بالله عز وجل اهـ  المراد.

       وما عدا هذه الأنواع الثلاثةِ  ، التوسل غير مشروع، قد يكون بدعةً، وقد يكون شركًا .
وننبِّه على الحديث الذي رواه الترمذي (3578)عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ: «إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . قَالَ: فَادْعُهْ، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ»   . والحديث صحيح .
و قد فهم من هذا الحديث بعضُ الناس أن المراد به جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم وليس هذا هو المراد  .
بل بعضهم تجاوز ذلك وزعم أن المراد من الحديث جواز التوسل بالمخلوق أياً كان .
 و قد بيَّن شيخُ الإسلام المراد من هذا الحديث فقال رحمه الله في كتابه قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة فقرة 365 : وحديثُ الأعمى لا حجةَ لهم فيه، فإنه صريحٌ في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: "اللهم شَفِّعْه فيَّ" ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي صلى الله عليه وسلم. ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدْعُ لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله اهـ .

فحديث  الأعمى فيه أنه توسل إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه و سلم وهو حي.
و أما التوسل بذات المخلوق سواء كان بالنبي صلى الله عليه و سلم أو بغيره فهذا لا يجوز لم يفعله الصحابة مع النبي صلى الله عليه و سلم و لم يفعله سلف الأمة ولو كان مشروعا لما عَدَل الصحابة إلى التوسل بدعاء العباس بعد وفاة النبي صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم .

وهل التوسل بذات المخلوق شرك ؟
قال الشيخ عبدالمحسن  العبَّاد حفظه الله في حاشية تطهير الاعتقاد : التوسل الذي هو شرك أن يَجْعلَ المتَوسَل به واسطةً بينه وبين الله، يدعوه ويطلب منه الشفاعة.
 أمَّا إذا سأل الله بجاه فلان مثلاً، فإنَّه بدعة وليس بشرك .اهـ المراد .

وهذا يوضِّحُ العبارة المتقدمة  أنَّ التوسل غير المشروع، قد يكون بدعةً، وقد يكون شركًا .

فإذا توسَّل بمخلوق يعتقد أنه على منزلة رفيعة وعلى جاه كأن يتوسل

بنبي من الأنبياء ويجعله واسطة بينه وبين ربه هذا شرك وهو نفس شرك

المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم .

أما إذا سأل الله بجاه فلان  ومنزلته فهذا بدعة وليس بشركٍ  .

يتوسل بعمل فلان ، بمنزلة فلان ، بدرجات فلان  ،بعلم فلان ، مثلا يقول يارب  مالفلان من الجاه والمنزلة عندك أسألك أن ترزقني ..
هذا بدعة لأن الصحابة ما فعلوه مع النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الأعمال الصالحة إنما يعود نفعُها إلى أهلها وليس إلى الآخرين فتوسلُه هنا بعمل أجنبي  ولكنه لا يصل إلى حد الشرك .


- ونستفيد الدعاء بمغفرة الذنوب. وينبغي الاعتناء بالأدعية التي فيها مغفرةُ الذُّنُوب لأن الذنوب
خطيرة، وذلَّة، ومن أسباب  الحِرْمان  والخذِيلة .
وفي صحيح مسلم (2702) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَغَرَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ».

وفي سنن أبي داود (1516)عن  ابْنِ عُمَرَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» .
مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر فأحرى بنا أن نكثر من الاستغفار  .
الذنوب حمل ثقيل، ولكنا لا نشعر بها كما قال تعالى: ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:2-3].  أنقض أي أثقل .
لكن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستشعرون بالذنوب، ويعتبرونها هلَكَة لقوة إيمانهم ولخوفهم من ربهم سبحانه وعقابه .
فالصحابي يأتي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقول له: احترقت. فقال النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: ما أحرقك؟ قال: وقعت على أهلي في رمضان، وفي رواية هلكت.
أكثر ما يؤتى الإنسان من قِبَلِ ذنوبه.
 والذنوب تخدع صاحبَها في وقتٍ أحوج ما يكون فيه إلى النجاة من المهالك، والشقاوة، وعذاب الله، وسخطه.
 ويقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتابه تحفة المجيب: أخوف ما نخاف على

دعوتنا وأنفسنا من ذنوبنا.