جديد الرسائل

الثلاثاء، 26 يناير 2016

(16) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                                        
                                           تفاضلُ القرآن 

القرآن يتفاضل فبعضُه أفضلُ من بعض. وهذاهُوَ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ كما في مجموع الفتاوى (17/ 13) لشيخ الإسلام.

قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الفاتحة في الكلام على فضلها : "وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ فَاضِلًا، نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حبان البُسْتِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى،  وَرِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ مالك" ا.هـ

هذه حجتهم( أَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ) أي: لا يُوْهِم اعتقادَ نقص المفضَّل عليه وأنه معيب، 

وهذا يرُدُّه الأدلة ، وليس المراد إثبات عيبٍ فيه كما سيأتي .

قَالَ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}.

قال شيخ الإسلام في فتاواه(17/ 10): "فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا. وَهَذَا بَيَانٌ مِنْ اللَّهِ لِكَوْنِ تِلْكَ الْآيَةِ قَدْ يَأْتِي بِمَثَلِهَا تَارَةً أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا أُخْرَى فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ تَتَمَاثَلُ تَارَةً وَتَتَفَاضَلُ أُخْرَى".

 سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن كما قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأبي سعيد بن المعلى ـ رضي الله عنه: ( أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ... الحديث و فيه (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ).

أعظم آية في القرآن آية الكرسي، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ قَالَ قُلْتُ  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ  قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ).

سورة المُلك النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول: (هِيَ الْمَانِعَةُ ، هِيَ الْمُنْجِيَةُ) .

سورةُ الإخلاص ثبت في صحيح البخاري (5015) عن أبي سعيد الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنه قال: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ) .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (2/438): وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا صَحَّ فِي فَضْلِهَا حَتَّى أَفْرَدَ الْحُفَّاظُ مُصَنَّفَاتٍ فِي فَضْلِهَا كَالدَّارَقُطْنِىِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ فِيهَا أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً  .اهـ

إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على تفاضل القرآن. 

وقد وضَّحَ الشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله المرادَ من تفاضل القرآن بعضه على بعض.

قال رحمه الله في شرح بلوغ المرام(5/638) شرح حديث (سبحان الله عدد خلقه ..).
قال:القرآن يتفاضل من حيث المدلولِ بعضه يؤثِّر تأثيراً عظيماً على القلب إذا سمعه ومن حيث الأُسلوب والفصاحة والبلاغة وغير ذلك.
ومن حيث  المتكلم به فهو لا يتفاضل، لأن المتكلم به واحد وهو الله عز وجل.
قال:فعلى هذا التفصيل، يتفاضل من حيثُ المعنى ،ولا يتفاضل من حيث المتكلم ا.هـ

وجبير بن مُطعِم ـ رضي الله عنه ـ لما سمع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقرأ سورة الطور في صلاة المغرب، فلما بلغ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قوله تعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ(36)}[الطور]. قال: فوقع الإيمان في قلبي. وفي رواية: كاد قلبي أن يطير.

إذن نفهم هذه المسألةَ المهمةَ :

الأدلة جاءت بتفاضل القرآن، فالقرآن يتفاضل باعتبار بلاغته وتأثيره على النفوس.


أما باعتبار المتكلم فهو واحد وهو الله عز وجل، فهو لا يتفاضل بهذا الاعتبار .