الفرح بنجابة الولد
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ
شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا
هِيَ» قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا:
حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» رواه البخاري(61)، ومسلم (2811).
طرح النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سؤالًا على أصحابه في هذا الحديث؛ ليختبر أفهامهم، عن شجرة لا
يسقط ورقها، فخاضوا في شجر البوادي، فاستحيا عبد الله بن عمر أن يتكلم بأنها
النخلة؛ لأن في القوم أبا بكر وعمر.
قال عبد الله بن عمر: فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ،
وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا،
لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا
مَنَعَنِي إِلَّا أَنِّي لَمْ أَرَكَ وَلا أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا فَكَرِهْتُ.
رواه البخاري(6144).
وهذا فيه فرح الآباء بنجابة الولد وفقهه، فالآباء والأمهات الصالحون يحبون الخير لأبنائهم، ويتمنون أن يكونوا
علماء ومراجع للأمة، ينفع الله سبحانه وتَعَالَى بهم، سواء في العلم
أو الدعوة أو في الأخلاق الآداب، في كل الصفات الحميدة؛ ولهذا من أدعية عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)﴾ [الفرقان:74].
وقد قال رجل لوالدي الشيخ
مقبل رحمه الله: ليتني أرى ولدي يعظ الناس على المنبر، فقال والدي رحمه الله: إذا كان عنده علم فعلمه
يقيمه.
وهذا فيه أهمية العلم في
الدعوة، وأن من عنده علم فعلمه يقيمه، يحفِّزه على نفع الأمة، ونشر العلم في
لقاءاته ومجالسه.
ونعوذ بالله من العجز
والكسل، هذه الآفة وإلا من فضل الله
الجميع يحب العلم، يحب الخير، أبناؤنا وبناتنا ومحباتُنا الكل يحب العلم
النافع، لكن القليل من يوجد عندهم همة وعزيمة، فيحصل حرمان من الخير، حرمان من
التنافس في الجنة، حرمان من التنافس في
العلم، حرمان من التنافس في العمل الصالح؛ بسبب الكسل.
ونسأل الله أن يكفينا جميعًا الصوارف، قد يكون
فيه همة لكن يوجد صوارف لا مفر منها،
نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ
فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي
كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ
مِنَ الدُّنْيَا» أخرجه مسلم (118) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أي: سابقوا بالأعمال قبل
نزول الفتن.
ومن نصائح والدي رحمه الله: اجتهدوا قبل أن تأتيكم الصوارف.
الصغير لا يدري ما معنى هذا الكلام؟
لا يدري بأهمية هذه النصيحة التي تستحق أن تكتب بماء الذهب:
اجتهدوا
قبل أن تأتيكم الصوارف.
هذا يفيد أن الصوارف لا
بُد منها، وأنها حاجز وعائق عن الخير، وعن
العلم النافع، والصوارف كثيرة، نسأل
الله العافية في الدنيا والآخرة، ونسأل
الله سبحانه وتَعَالَى أن ييسر لنا المداومة على هذا الخير، والاستمرار في طلب
العلم، وأن يثبتنا على ذلك، كما قال ربنا عز وجل: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى
يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾ [الحجر].
وكما ورد عن الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ: من
المحبرة إلى المقبرة، علم، عيش مع القرآن والسنة، إلى أن يتوفانا سبحانه وتَعَالَى.
ومن أهم ما يعين على هذا:
الدعاء، والاجتهاد،
إذا اجتهدنا الله سبحانه وتَعَالَى سيثبتنا ويوفقنا، الإكثار من ذكر الله
تَعَالَى، الحرص على طرق الخير والعمل، كما قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: « احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ». رواه الترمذي (2516) عن
ابن عباس.