جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 14 مارس 2016

(58) سِلْسِلَةُ الفَوَائِدِالعِلْمِيَّةِ والمَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ


                          الإمامُ عبدُالله بْنُ المُبَارَكِ 

هو عبد الله بْنُ المُبَارَكِ أبو عبد الرحمن المروزي.

 جُمِعت فيه خصالُ الخير، لم يسبقه صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بصحبتهم إياه والغزوِ معه.

طلبَ العلمَ وهو ابنُ عشرين عامًا كما في سير أعلام النبلاء.

 وهذه بركةٌ من الله سبحانه وتعالى،طلبَ العلمَ  في أثناء سنِّ الشباب.

عبد الله بن المبارك قيل فيه
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَا

إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وَأَنْتَ هِلاَلُهَا

مرجع البيتين سير أعلام النبلاء .

ومن الآثار في الثناء عليه رحمه الله

روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ترجمة ابن المبارك أنه قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة، فانجفل الناس خلف عبد اللَّه بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس قَالت: ما هذا؟ قَالُوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقَالُ له عبد اللَّه بن المبارك، فقَالت: هذا واللَّه الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان.

ومن مناظرة عبد الله بن المبارك رحمه الله  يقول: كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ: مَا خَشِيتَ أَنْ تَطِيرَ؟ فَقُلْتُ إِنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ وَكِيعٌ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ فَتَحَيَّرَ الْآخَرُ , وَهَذَا أَشْبَهُ مِنَ الَّذِينَ يَتَمَادُونَ فِي غَيِّهِمْ إِذَا لَمْ يُبْصِرُوا .

والأثر علقه البخاري في جزء " رفع اليدين "رقم 45 .

وهو موصول يراجع "نشر الصحيفة "للوالد رحمه الله .

أبو حنيفة كان يرى رفع اليدين في الصلاة في التكبيرة الأولى فقط، أما بقية المواضع فلا يرى مشروعية الرفع فيها وقد ردَّ عليه العلماء بأن السنة على خلاف قوله فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما رفع اليدين في مواضع أُخر.

من الآثار الثابتة  عن عبد الله بن المبارك رحمه الله: "مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ ابْتُلِيَ بِثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ، أَوْ يَنْسَاهُ، أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا" . أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.

وهذا الأثرفيه الحث على نشر العلم وتعليمه، وتبليغه، وعدم كتمانِه.

"إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ": يعني ما ينتفَعُ بعلمه بعد وفاته، ما ينتفَع بمؤلفاته وبأشرطته.

"أَوْ يَنْسَاهُ": من أسباب نسيان العلم كتمانُه.

 أما تبليغ العلم فهو من أسباب تثبيتِ المعلومات، ورسوخِها، ونمائِها ،وبركتها. وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" متفق عليه. البخاري (5352)، مسلم (993).

والنفقة عامة وليست مقصورة على نفقة المال.

والشاعر يقول:

يزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ منه***وينقصُ إنْ بهِ كَفًا شَدَدْتَ

ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في الحديث الذي رواه مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه و فيه: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) .

وأعظم الإعانة الإعانة في طلب العلم الذي عليه مدار السعادة في الدنيا والآخرة.

ويقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: لأَن تدرِّس الكتاب مرة واحدة خير لك من أن تقرأه بمفردك عشر مرات.

 وهذا من بركة التعليم تَثبيتُ المعلومات وارتِساخُها ، ويستفيد وينتفع كثيرًا مما لو قرأ الكتاب بمفرده .

"أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا": السلف يكرهون الدخول على السلاطين، والقرب منهم.

 هذه طريقة السلف؛ لأن الإمارة، والقرب من الأمراء قد يشغل، ويأتي بالغفلة، وقد يتولَّى المنصبَ وهو غير قادر عليه، وقد قال شيخ الإسلام في فتاواه :الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. ثم يقول: (القليل من يجتمع فيه ذلك) القليل من يجتمع فيه الصفتان القوة والأمانة، قد يوجد فيه الأمانة لكن فيه ضعف ،قد يوجد عنده القوة لكنه ليس عنده أمانة .

ومن الآثار الثابتة عنه في الثبات على طلَبِ العلم .قيل لابن المبارك كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد. أخرجه ابن أبي حاتم رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (صـ280) والأثر له طرق .

وفي بعض الروايات الأخرى يقول :لعل الكلمة التي تقع فيها نجاتي لم تقع إليَّ .


رحم اللهُ ابنَ المبارك .