بَابُ الْأَذَانِ
الْأَذَانُ لغة: الإعلام، وشرعًا: الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ.
متى شُرع الأذان؟
شُرع في المدينة في السنة الأولى من الهجرة، روى البخاري (604)، ومسلم (377) عن ابْن عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ».
الحِكْمة من الأذان:
إِظْهَارُ شِعَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَالْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَبِمَكَانِهَا، وَالدُّعَاءُ إلى الجماعة، والله أعلم.
178-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: طَافَ بِي-وَأَنَا نَائِمٌ-رَجُلٌ فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَذَكَرَ الْأَذَانَ-بِتَرْبِيع التَّكْبِيرِ بِغَيْرِ تَرْجِيعٍ، وَالْإِقَامَةَ فُرَادَى، إِلَّا قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ-قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ...» الْحَدِيثَ.
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ.
وَزَادَ أَحْمَدُ فِي آخِرِهِ قِصَّةَ قَوْلِ بِلَالٍ فِي أذَانِ الْفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ.
هذا الحديث فيه من الفوائد:
الشفع في ألفاظ الأذان، وإفراد الإقامة إِلَّا قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فتُثنى.
وعمل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بهذه الرؤيا ليس لمجرد أنه رآها في منامه، ولكن هذا بوحي من عند الله، فالمنامات لا يُبنى عليها تشريع ولا حُكم بلا خلاف بين أهل العلم.
وتكلم أهل العلم على الحكمة من شفع الأذان وإفراد الإقامة «إلا الإقامة»:
أن الأذان لإبلاغ الناس وإعلامهم؛ ليحضروا، بخلاف الإقامة فإنهم يكونون حاضرين.
179-وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ.
«الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ» هذا يسمى التثويب.
في هذا الحديث من الفوائد:
مشروعية التثويب في أذان الفجر.
واختلف أهل العلم هل التثويب يشرع في الأذان الأول أو الثاني؟
على قولين، والذي رجحه الشيخ الألباني والشيخ الوالد أنه يكون في الأذان الأول.
وفيه حديث لعبدالله بن عمر رواه البيهقي في «السنن»(1/263): قَالَ: كَانَ فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَلَاحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ. وسنده حسن.
وهذا أيضًا قول ابن رسلان.
والحكمة من التثويب:
مبيَّنٌ في حديث ابن مسعود عن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ.. » رواه البخاري (621)، ومسلم (1093).
فالحكمة من التثويب: «لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ» أي: يرتاح؛ ليأخذ نشاطه من بعد التهجد، أو يضطجع إذا أحب ونحو ذلك.
«وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ» يوقظ النائمَ؛ ليستعد لصلاة الفجر، ويصلي الوتر، ونحو ذلك، والله أعلم.
180-وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ، فَذَكَرَ فِيهِ التَّرْجِيعَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَلَكِنْ ذَكَرَ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهِ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ، وَرَوَاهُ الْخَمْسَةُ فَذَكَرُوهُ مُرَبَّعًا.
«فَذَكَرُوهُ مُرَبَّعًا» أي: ذكروا التكبير أربع مرات.
هذا الحديث فيه من الفوائد:
تعليم الأذان.
وفيه: أن أبا محذورة من مؤذني النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وكذا بلال بن رباح، وابن ام مكتوم، وسعد القرظ.
وفيه: الترجيع في الأذان، وعلى هذا جمهور أهل العلم، وذهب أبو حنيفة وغيره إلى أنه لا يستحب الترجيع في الأذان. والصحيح أنه يستحب، لكن يُفعل أحيانًا، فنجمع بين الأدلة بهذه الطريقة، فأحيانًا يكون الأذان بالترجيع، وأحيانًا بدونه.
معنى الترجيع: أن يقول الشهادتين بصوت منخفض ثم يعود إليها بصوت مرتفع، هذا معنى الترجيع.
181-وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، إِلَّا الْإِقَامَةَ، يَعْنِي قَوْلَهُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ الاسْتِثْنَاءَ.
وَلِلنَّسَائِيِّ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا.
هذا الحديث فيه:
الشفع بالأذان، وإفراد الإقامة إلا «قد قامت الصلاة» فيثنيها، وهذا عليه جمهور أهل العلم أن «قد قامت الصلاة» تكرر مرتين. وخالف الإمام مالك في المشهور عنه، وقال: لا تثنى.
وفيه: وجوب الأذان، وهو من شعائر الإسلام.
فالأذان فرض كفائي، ويدل له أيضًا ما رواه البخاري (610) ومسلم (1365) واللفظ للبخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا، لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ. الحديث.
فهذا دليل أيضًا على الوجوب؛ لأن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان يقاتل إذا لم يسمع أذانًا.
والمراد بوجوب الأذان على الحي، فمن كان مريضًا وصلى في بيته يجزئه أذان الحي.
وأما النساء فلا يشرع لهن أذان ولا إقامة، وهذا قول جمهور أهل العلم، والله أعلم.