مقتطف من درس 27 من دروس بلوغ المرام
عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(سَلْمَانَ) هو سلمان الفارسي.
هذه أربعة مناهي اشتمل عليها هذا الحديث:
النهي الأول: النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول، والمراد قبلة المسلمين الكعبة.
وهذا محمول على الصحاري دون البنيان؛ لحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَقِيتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ، «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ» رواه البخاري (148)، ومسلم (266).
وفي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» رواه أبو داود (13).
فهذا يفيد الجواز في البنيان، وبهذا قال جمهور العلماء أن النهي على استقبال القبلة ببول أو غائط في الفضاء دون البنيان.
الثاني: النهي عن الاستنجاء باليمين.
الثالث: النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار، فنستفيد أن الاستنجاء يكون بثلاثة أحجار، وإذا لم ينقِ بالثلاثة فيزيد حتى يتم الإنقاء.
ويستحب أن يكون وترًا؛ لقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» رواه البخاري (161)، ومسلم (237).
والاستجمار هذا رخصة، والأفضل أن يكون بالماء.
وسواء كان الاستجمار بالأحجار أو بالمناديل أو بالخرق مما ينقي كله جائز.
الرابع: النهي عن الاستنجاء برجيع أو عظم، الرجيع: الروث.
والسبب في هذا أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لما ذهب إلى الجن يدعوهم سألوه الزاد، قال: «لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ» رواه مسلم (450) عن ابن مسعود.
هذا الحديث فيه بيان الحكمة في النهي عن الاستنجاء برجيع أو عظم.
وسيأتي تعليل آخر في درس قادم إن شاء الله عند الحديث الذي ذكره الحافظ ابن حجر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ، أَوْ رَوْثٍ وَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ » ولكن زيادة التعليل ضعيفة.
وفي حديث ابن مسعود عند البخاري في الروث: «إنها رجس».
فالمؤمن الموقن يؤمن بالأمور الغيبية، وقد مدح الله سُبحَانَهُ هذا الصنف، فقال: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) ﴾[البقرة].
فهذا شأن المؤمن أنه يؤمن بالأمور الغيبية، استسلام وانقياد، فلا يتردد أو يتفلسف أو يعارض بعقله.
الاستنجاء: قال الصنعاني في «سبل السلام»(1/ 113): إزَالَةُ النَّجْوِ بِالْمَاءِ أَوْ الْحِجَارَةِ.