34-وَعَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَمَسَحَ بِرَأسِهِ وَاحِدَةً. أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
في هذا الحديث أن الرأس يمسح مرة واحدة، وما جاء عن عثمان بن عفان قَالَ: «أَلَا أُرِيكُم وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» رواه مسلم (230).
فهذا الحديث أخذ به الشافعية وقالوا بالتثليث في مسح الرأس، ولكنه محمول على غير الرأس؛ لحديث علي هذا وما بعده.
35-وَعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ زَيدِ بنِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-فِي صِفَةِ الوُضُوءِ-قَالَ: وَمَسَحَ صلى الله عليه وسلم بِرَأسِهِ، فَأَقبَلَ بِيَدَيهِ وَأَدبَرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَفِي لَفظٍ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنهُ.
قفا الرأس: مؤخرته.
وهذا الحديث فيه صفة مسح الرأس.
قال ابن قدامة في «المغني» (168): المُستَحَبُّ فِي مَسحِ الرَّأسِ أَن يَبُلَّ يَدَيهِ، ثُمَّ يَضَعَ طَرَفَ إحدَى سَبَّابَتَيهِ عَلَى طَرَفِ الأُخرَى، وَيَضَعَهُمَا عَلَى مُقَدَّمِ رَأسِهِ، وَيَضَعَ الإِبهَامَينِ عَلَى الصُّدغَينِ، ثُمَّ يُمِرَّ يَدَيهِ إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى المَوضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنهُ.
والرد إلى الأمام للاستحباب.
36-وَعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا-فِي صِفَةِ الوُضُوءِ-، قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ صلى الله عليه وسلم بِرَأسِهِ، وَأَدخَلَ إِصبَعَيهِ السَّبَّاحَتَينِ فِي أُذُنَيهِ، وَمَسَحَ بِإِبهَامَيهِ ظَاهِرَ أُذُنَيهِ. أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيمَةَ.
هذا الحديث فيه مسح الأذنين مع الرأس.
وفيه كيفية مسح الأذنين، وذلك بإدخال السباحتين في باطن الأذنين، فيمسح بهما باطن أذنيه وفتحة الأذنين، ولا يلزم مسح ما استتر بالغضاريف، ويمسح ظاهر الأذنين بالإبهامين.
وثبت عَن ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِرَأسِهِ وَأُذُنَيهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. رواه الترمذي رحمه الله (36)، والحديث في «الصحيح المسند» (639) لوالدي رَحِمَهُ الله.
والأذنان تمسح مع الرأس من غير أخذ ماء جديد؛ لأن الأذنين من الرأس.
37-وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا استَيقَظَ أَحَدُكُم مِن مَنَامِهِ فَليَستَنثِر ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيشُومِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيه.
الاستنثار إخراج الماء بعد استنشاقه.
الشيطان: كل عاتٍ متمرد.
الخيشوم: أعلى الأنف، وقيل: الأنف كله.
من فوائد الحديث:
أن من استيقظ من نومه يستنثر ثلاثًا، جمهور أهل العلم على أن الأمر للاستحباب.
ظاهر هذا الحديث أنه يستنثر ثلاثًا إذا استيقظ من نومه ولو لم يتوضأ، وقد جاءت رواية عند البخاري (3295) عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِذَا استَيقَظَ أَحَدُكُم مِن مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَليَستَنثِر ثَلاَثًا، فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيشُومِهِ».
فمن أهل العلم من ذهب إلى أن هذا اللفظ مطلق، ويقيَّد بما إذا أراد أن يتوضأ، ومنهم من قال: يستنثر ثلاثًا ولو لم يرد الوضوء، وهذا هو المناسب للتعليل في آخر الحديث: «فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيشُومِهِ».
جمهور أهل العلم على أن هذا عام في نوم الليل والنهار، وخصه بعض أهل العلم كالإمام أحمد بنوم الليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيشُومِهِ»، والبيتوتة لا تكون إلا في الليل، والجواب عن هذا بأنه حكم أغلبي؛ إذ النوم في الغالب يكون في الليل وليس في النهار، فسواء استيقظ من نوم الليل أو النهار.
هذا الحديث مقيد بمن لم يقرأ الأذكار؛ لأن في قراءة آية الكرسي لا يقربه شيطان.
أما الذي لا يقرأ الأذكار فالحديث دليل على أن الشيطان يبيت على خيشومه.
واختار الخيشوم؛ لأن الخيشوم له منفذ يصل منه إلى القلب بالوساوس والشكوك، بخلاف الفم فإنه يكون مغلقًا مطبقًا.
ولعل الذي يبيت على الخيشوم القرين؛ لأن كل إنسان معه قرين كما روى مسلم (2814) عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنكُم مِن أَحَدٍ، إِلَّا وَقَد وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ» قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيهِ فَأَسلَمَ، فَلَا يَأمُرُنِي إِلَّا بِخَيرٍ».
وفي هذا الحديث أيضًا: حذر المسلم من الشيطان، واجتناب القرب منه ومن نزغاته وشره، فعلينا أن نتحصن بالأذكار وأن نرده خائبًا مدحورًا، نعوذ بالله من شره وكيده.
38-وَعَنهُ: «إِذَا استَيقَظَ أَحَدُكُم مِن نَومِهِ فَلَا يَغمِس يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغسِلَهَا ثَلَاثًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَدرِي أَينَ بَاتَت يَدَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَهَذَا لَفظُ مُسلِمٍ.
«فَلَا يَغمِس يَدَهُ» أي: لا يدخل يده، وهذا عام يشمل اليد كاملًا أو رؤوس الأصابع.
«فِي الإِنَاءِ» قال الصنعاني رَحِمَهُ اللهُ في سبل السلام»(1/65): يَخرُجُ البِرَكُ وَالحِيَاضُ.
نستفيد من هذا الحديث:
استحباب غسل اليدين ثلاثًا عند الاستيقاظ من النوم قبل غمسهما في الإناء.
والصارف لظاهر الأمر من الوجوب إلى الاستحباب التعليل بأمر يقتضي الشك، واليقين لا يزول بالشك؛ إذ الأصل الطهارة.
قال الحافظ في «فتح الباري» تحت رقم (162): وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار. اهـ المراد.
فمن استيقظ من النوم فإنه يكره في حقه غمس اليد في الإناء قبل غسلها.
وهل يغسل يديه ثلاثا عند الاستيقاظ، وثلاثا لسنة الوضوء؟
إذا غسل يديه ثم توضأ من غير فصل فهذا يجزئه.
ومن المواضع التي فيها غسل اليدين: غسل اليدين في أول الوضوء وهذا سبق أنه من المستحبات.
وغسل اليدين إلى المرفقين في أثناء الوضوء وهذا من فروض الوضوء.
ويستحب غسل اليدين بعد الطعام؛ لأن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ، وَلَم يَغسِلهُ فَأَصَابَهُ شَيءٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفسَهُ» أخرجه أبو داود(3852) عَن أَبِي هُرَيرَةَ، وهو في «الصحيح المسند» (1367) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وبوب والدي في «الجامع الصحيح» (2653): لا تغسل الأيدي قبل الطعام إلا لطهارة أو نظافة. ثم ذكر عن أنس بن مالك، قال: كنت أنا وأُبي بن كعب وأبو طلحة جلوسًا، فأكلنا لحمًا وخبزًا، ثم دعوت بوضوء، فقالا: لم تتوضأ؟ فقلت: لهذا الطعام الذي أكلنا. فقال: أتتوضأ من الطيبات؟! لم يتوضأ من هو خير منك.
وقال ابن القيم في «تهذيب السنن»(10/168): في هذه المسألة قولان لأهل العلم:
أحدهما: يستحب غسل اليدين قبل الطعام.
والثاني لا يستحب، وهما في مذهب أحمد وغيره.
قال: والصحيح أنه لا يستحب.
وفيه التعليل لغسل اليدين ثلاثًا عند الاستيقاظ أنه لا يدري أين باتت يده.
واختلف أهل العلم هل هذا تعبدي أم أن العلة معلومة؟
النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث التعليل «فَإِنَّهُ لَا يَدرِي أَينَ بَاتَت يَدَهُ»، فمحتمل أنه لامس نجاسة أو أقذارًا أو لامس الشيطان؛ لأنه يبيت على خيشومه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ