وهذا من عقيدتنا الإيمان بالبعث، وهو اليوم الآخر، الركن الخامس من أركان الإيمان،.
(وَبَعدَ البَعثِ مُحَاسَبُونَ وَمُجزِيُّونَ بِأَعمَالِهِم، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾[النجم:31]) هذا من عقيدتنا الإيمان بالحساب والجزاء في عرصات يوم القيامة.
فالله يحاسب عباده يوم الحساب على أعمالهم خيرها وشرها ﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)﴾ [القيامة: 13]. ومن دُقِّقَ عليه في الحساب يهلك والعياذ بالله، فقد روى البخاري (103) عن عَائِشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق: 8]؟ قَالَتْ: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ».
وهذا فيه موعظة للمسلم والمسلمة في الاستعداد لدار الآخرة، وأنه سيرى أعماله، وتظهر له مخبآت، ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)﴾ [الطارق: 9].
(وَمَن كَذَبَ بِالبَعثِ كَفَرَ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[التغابن:7])
هذه المسألة في حكم الذي يكذب بالبعث وأنه كافر.
وقد ورد في القرآن ثلاثة مواضع لا رابع لها أمر الله سُبحَانَهُ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم فيها: في هذا الموضع، وفي قوله تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)﴾ [يونس: 53]. والموضع الثالث: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ﴾ [سبأ: 3].
وقوله: ﴿ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي: البعث يسير على الله، والبدء بالخلق أشد من إعادته-وهو البعث-، قال سُبحَانَهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: 27].
والله خلق السماوات والأرض وهي أعظم من خلق الناس، قال تَعَالَى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57].
وكل الرسل دعت إلى الإيمان بالبعث، قال سُبحَانَهُ: ﴿قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)﴾[المؤمنون].
(وَأَرسَلَ اللهُ جَمِيعَ الرُّسُلِ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء:165]) (مُبَشِّرِينَ) أي: أرسلهم الله بالبِشارة، بالأجر، بالجنة. (وَمُنذِرِينَ) أرسلهم بالنذارة، والتخويف بالنار، والعذاب لمن عصى وكفر بالله عَزَّ وَجَل.
ثم قال سُبحَانَهُ: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ هذه الحكمة من إرسال الرسل؛ لتقوم الحجة وقطع الأعذار والحجج الواهية.
(وَأَوَّلُهُم نُوحٌ عَلَيهِ السَّلَامِ، وَآخِرُهُم مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم)
أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام، والدليل: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾، وفي حديث الشفاعة: «فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟».
(وَآخِرُهُم مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم) والدليل قوله تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40].
(وَكُلُّ أُمَّةٍ بَعَثَ اللهُ إِلَيهَا رَسُولًا مِن نُوحٍ إِلَى مُحَمَّدٍ يَأمُرُهُم بِعِبَادَةِ اللهِ وَحدِهِ، وَيَنهَاهُم عَن عِبَادَةِ الطَاغُوتِ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل:36])
كل الأمم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يبعث إليها رسلًا يدعونهم إلى التوحيد واجتناب الشرك، وكما قال تَعَالَى: ﴿وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: 45].
(وَافتَرَضَ اللهُ عَلَى جَمِيعِ العِبَادِ الكُفرَ بِالطَّاغُوتِ وَالإِيمَانِ بِاللهِ) ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾.
(قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الطَّاغُوتُ مَا تَجَاوَزَ بِهِ العَبدُ حَدَّهُ مِن مَعبُودٍ، أَو مَتبُوعٍ، أَو مُطَاعٍ)
(مِن مَعبُودٍ) يدعوه من دون الله، يستغيث به، ويعتقد فيه الضر والنفع، يذبح له، هذا طاغوت إذا كان راضيًا بذلك.
(أَو مَتبُوعٍ) كالعلماء يتبعونهم في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله.
فلا يجوز أن يُتبع أحد على خطئِه؛ لأن العالم ليس بمعصوم، العلماء مرجع الناس لكن إذا حصلت زلة ما يُتَّبعون فيها.
(أَو مُطَاعٍ) وهذا كالأمراء، إذا أمروا بما يخالف الشرع فإنهم لا يطاعون.
(وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرَةٌ، وَرُؤُوسُهُم خَمسَةٌ: إِبلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ) إبليس أبو الجن.
(وَمَن عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ، وَمَن دَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ نَفسِهِ) قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح الثلاثة الأصول»(152): أي: من دعا الناس إلى عبادة نفسه وإن لم يعبدوه، فإنه من رؤوس الطواغيت سواء أجيب لما دعا إليه أم لم يجيب. اهـ.
يعني: عبدوه أو لم يعبدوه، الذي يدعو إلى عبادة نفسه طاغوت سواء عبد أو لم يعبد.
(وَمَنِ ادَّعَى شَيئًا مِن عِلمِ الغَيبِ) علم الغيب المطلق من ادعاه فهو كافر.
وعلم الغيب على قسمين: نسبي مثل: الشخص يعرف ما في بيته. وعلم غيب مطلق، هذا لا يعلمه إلا الله سُبحَانَهُ، قال الله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: 179].
(وَمَن حَكَمَ بَغَيرِ مَا أَنزَلَ اللهُ) أي: أنه من رؤوس الطواغيت. قال تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)﴾ [المائدة].
وقوله رَحِمَهُ الله: وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾.
الله عَزَّ وَجَل يقول: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: 5]. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاسِلِ» رواه البخاري (3010)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فهذا فيه الإكراه، إكراه الكفار على الدخول في ديننا إما أن تسلم وإما القتل، والآية هنا ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾.
والجواب عن هذه الآية أنها في أهل الكتاب الذين يدفعون الجزية، إذا أعطوا الجزية يبقون؛ لأنهم تحت الذلة وسيطرة المسلمين.قال تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29].
﴿ الرُّشْدُ ﴾ ضد الغي.
﴿ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ العروة الوثقى الإسلام.
(وَهَذَا مَعنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) الآية اشتملت على الكفر بالطاغوت وتوحيد الله، وهذا معنى (لا إله إلا الله)، نفي وإثبات.
قال: (وَفِي الحَدِيثِ: «رَأسُ الأَمرِ الإِسلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ»، وَاللهُ أَعلَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلَّمَ)
(رَأسُ الأَمرِ) أي: شأنه.
(وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ) عمود الإسلام الصلاة، ومن ترك الصلاة فهو لغيرها أضيع، فالصلاة شأنها عظيم، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام.
(وَذِروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي: سنام الإسلام، وهو أعلاه الجهاد في سبيل الله.