جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 6 مايو 2023

(3) من أحكام الجمعة


هنا سؤال من إحدى الأخوات وفيه: أين خُطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كان يخطبها، لماذا لم تُكتب وتُجمع وتنقل لنا كما نُقِلَت لنا الأحاديث الأُخرى؟

 

الجواب
خُطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يوم الجمعة نُقِل إلينا بعضها. من ذلك:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ»، وَيَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ»، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» رواه مسلم(867).

وفي رواية له: كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. أي: بمثل ما تقدم.

عن الْحَكَم بْن حَزْنٍ الْكُلَفِيّ، قَالَ: وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ - أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ - فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زُرْنَاكَ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَأَمَرَ بِنَا، أَوْ أَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّمْرِ، وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ، فَأَقَمْنَا بِهَا أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا، أَوْ قَوْسٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا - أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا - كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا، وَأَبْشِرُوا». رواه أبو داود (1096).

ولنعلم أنه قد وصلنا خير من خُطَب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سواء خطبه الجمعة، أو خطبه في الحج، أو الكسوف أو غير ذلك.

ونحن نؤمن أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قد تكفل بحفظِ كتابه وحفظ سنة نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوصل إلينا كل ما نحتاج إليه،  قال تَعَالَى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ[الأنعام:38].

فديننا شامل كامل، ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا[المائدة: 3].

وكلٌّ من الصحابة نقلَ وبلَّغَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، ولم يفتنا شيءٌ لنا فيه منفعة ومصلحة.

ولهذا في مرض وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يكتبَ كتابًا، ولم يفعل بسبب ما حصل من التنازع، كما ثبت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا، لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ».

قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ: «قُومُوا عَنِّي، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ!» فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ كِتَابِهِ! متفق عليه.

ولكنه كما قال البيهقي رَحِمَهُ اللهُ فيما نقله عنه العيني في «عمدة القاري» (2/ 171): قصد عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التخفيف على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين غلبه الوجع، ولو كان مراده عليه الصلاة والسلام أن يكتب ما لا يستغنون عنه، لم يتركهم لاختلافهم.

وأخيرًا أوصي نفسي وإياكم بالحذر من الشُّبه وأهلها الذين يبثونها؛ لأغراضٍ فاسدة، وللتشكيك في عقيدتنا، فلا يُقرأ لهم، ولا يُستمع لهم؛ فإن هذا سبيل للشكوك وانحراف القلب.

ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.