جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 6 فبراير 2023

(12)سلسلة في الطِّبِّ وَالْمَرْضَى


حكم الاغتسال بماء زمزم للاستشفاء

الذي ورد فيه الدليل الشرب منه، كما جاء عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ». 

وهذا الحديث يفيد: الاستشفاء بماء زمزم بالشرب منه.

 قال النووي رحمه الله في المجموع(8/270): قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ :يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ، وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ أَيْ: يَتَمَلَّي.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا.

 

أما الاستشفاء بماء زمزم بالاغتسال ونحوه، فيقول الشيخ ابن عثيمين في « شرح حديث جابر الطويل»(138): فإن قال قائل: هل يفعل شيئا آخر غير الشرب كالرش على البدن أو على الثوب أو أن يغسل به أثوابًا يجعلها لكفنه كما كان الناس يفعلون ذلك من قبل؟

فالجواب: لا. فنحن لا نتجاوز في التبرك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نتجاوز إليه، بل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذنا به، وإلا فلا.اهـ.

 

وأما حكم التطهر بماء زمزم في الوضوء والغسل ولإزالة النجاسة، ليس لأجل الشفاء، فليس فيه دليل صحيح على كراهته.

قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع» (1/91): وَأَمَّا زَمْزَمُ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَذْهَبِنَا، أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِهِ.

 وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِكَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عِنْدَ زَمْزَمَ: لَا أُحِلُّهُ لِمُغْتَسِلٍ وَهُوَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ.

وقد تعقبه النووي رَحِمَهُ الله، وقال: وَدَلِيلُنَا النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي الْمِيَاهِ بِلَا فَرْقٍ، وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ بِلَا إنْكَارٍ، وَلَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ الْعَبَّاسِ، بَلْ حُكِيَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ الْعَبَّاسِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ النُّصُوصِ بِهِ.

 وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي وَقْتِ ضِيقِ الْمَاءِ؛ لِكَثْرَةِ الشَّارِبِينَ. اهـ.

ولا يتعارض مع كون ماء زمزم مباركًا، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» رواه مسلم (2473) عن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ..

قال الشيخ ابن باز في «فتاوى نور على الدرب»(5/305): فإذا توضأ منه الإنسان أو اغتسل منه؛ للتبرد أو للجنابة، أو لما جعل الله فيه من البركة، فلا حرج في ذلك، وله أن يستنجي منه أيضا، وإن كان مباركًا فلا مانع من الاستنجاء به؛ لأنه ماء طهور ماء طيب، فلا مانع من أن يستنجي منه، كالماء الذي ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، فإن الماء نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم مرات كثيرة، وهو من المعجزات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقا، ومع ذلك أعطاه الصحابةَ، وحملوا في أوعيتهم يغتسلون، ويستنجون، ويتوضؤون، وهو ماء عظيم مبارك.

 فهكذا ماء زمزم، ماء عظيم مبارك، ولا حرج في الوضوء منه، والاغتسال منه، وإزالة النجاسة، ومن قال بكراهية ذلك من الفقهاء فقوله ضعيف مرجوح.