تسأل إحدى أخواتي في الله:
كانت العرب تقول: (تَجُوعُ الحُرَّةُ وَلاَ تَأكُلُ بِثَدْيَيْهَا)
اليوم بعض أشباه الرجال على مواقع التواصل يأكلون بعَرْض زوجاتهم و أخواتهم و بناتهم بكامل زينتهن ليستمتع الرجال بمشاهدتهن؛ لتكثير متابعيهم.
هكذا بلغني، يحرم متابعة أمثال هؤلاء من المفسدين في الأرض وإعانتهم على ذلك.
ماذا يعني تجوع المرأة الحرة ولا تأكل بثدييها؟
هل يعني بشرفها؟
الجواب
قَوْلهم: تجوع الْحرَّة وَلَا تَأْكُل بثدييها
يضْرب مثلًا للرجل يصون نَفسه فِي الضراء، وَلَا يدْخل فِيمَا يدنسه عِنْد سوء الْحَال.
وَمَعْنَاهُ: أَن الْحرَّة تجوع وَلَا تكون ظِئْرًا-مرضعًا- لقوم على جُعل-أجرة- تَأْخُذ مِنْهُم فيلحقها عيب.
«جمهرة الأمثال»(1/261) للعسكري.
وكان العرب يعدون أخذ الأجر على الرضاع سبة؛ ولذلك قيل: تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها.
وقال العلماء: بثدييها، والقولان صحيحان؛ لأنها إذا أكلت ثمن لبنها فكأنها قد أكلت ثدييها.
«فصل المقال في شرح كتاب الأمثال»(289).
وفي «شرح مقامات الحريري»(1/419): أي: لا ترضع لبنها بالأجرة، ثم تأكلها.
وهو مثل يضرب للذي لا يمنعه من صيانته شدّة فقره.
وهذا المثل للحارث بن سليل الأسديّ، وكان خطب إلى علقمة بن خصفة الطائيّ- وكان شيخا فقال علقمة لامرأته:
اختبري ما عند ابنتك، فقالت: أي بنيّة، أيّ الرجال أحبّ إليك؟ الكهل الجحجاح الواصل الميّاح، أم الفتى الوضّاح، الذهول الطمّاح؟
قالت: بل الفتى، قالت: إن الفتى يُغِيْرك، وإن الشيخ يعِيرك.
قالت: يا أماه إن الفتى شديد الحجاب، كثير العتاب، يا أمّاه أخشى من الشيخ أن يدنّس ثيابي ويبلي شبابي، ويشمت بي أترابي. فلم تزل أمّها بها حتى غلبتها على رأيها.
فتزوّجها الحارث، ثم ارتحل بها إلى أهله، وإنه لجالس ذات يوم بفناء قبّته، وهي إلى جانبه، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون، فتنفّست الصُّعداء ثم بكت، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: ما لي وللشيوخ، الناهضين كالفروخ، من كل حوقل فنيخ، فقال: ثكلتك أمّك! تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، ثم قال: وأبيك لربّ غارة شهدتها، وسبيّة أردفتها، وخَمرة شربتها، فالحقي بأهلك، فلا حاجة لي فيكِ.
قولها: «الجحجاح»: السيد السمح.
والميّاح: الكثير المعروف.
ويغيرك يتزوّج عليك.
ويعيرك: يميرك، ويعتلجون: يتصارعون. والحوقل: اللسن، والفنيخ: الضعيف الرّخو.