جديد الرسائل

الاثنين، 19 سبتمبر 2022

(9) اختصار درس التفسير

 

 [سورة المؤمنون (23) : الآيات 51 الى 56]

﴿يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ﴾ إلى قوله: ﴿بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)﴾

﴿ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ الطيبات: أي: الحلال.

 قال ابن كثير: يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَجْمَعِينَ بِالْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْقِيَامِ بِالصَّالِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَلَالَ عَوْنٌ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَقَامَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِهَذَا أَتَمَّ الْقِيَامِ، وَجَمَعُوا بَيْنَ كُلِّ خَيْرٍ قَوْلًا وَعَمَلًا وَدَلَالَةً وَنُصْحًا، فَجَزَاهُمُ اللَّهُ عَنِ الْعِبَادِ خَيْرًا.

والأنبياء كانوا يتحرون المال الحلال؛ ولذلك كان منهم من يأكل من كسب يده، فداود عليه السلام كان يأكل من كسب يده.

 و زكريا عليه السلام كان نجارًا ، كما روى مسلم( 2379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّارًا».

 والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَتِ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رواه أحمد (5114) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

أي: أن رزق النبي ﷺ من جهاد الكفار، أي: تبعًا لا مقصودًا؛ إذ الإخلاص لا بُدَّ منه، ولكن يقاتل ويحصل له الغنائم، وقد يكون فيئًا، فالغنيمة: ما أُخِذ من مال الكفار بقتال، والفيء: ما أُخِذَ من مال الكفار بغير قتال.

 و النبي ﷺ كان قبل البعثة يرعى غنمًا، وجميع الأنبياء قبل بعثتهم رعوا الغنم، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» رواه البخاري (2262).

وذكروا الحكمة في هذا تعلم السياسة، فإن الذي يرعى الغنم يحتاج إلى سياستها، والرفق بها، وكيف يستطيع أن يجمعها ويرجعها إلى مأواها...

﴿ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً﴾ قال الحافظ ابن كثير : أَيْ دِينُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينٌ وَاحِدٌ وَمِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وهذا دليل أن جميع الأنبياء دعوا إلى توحيد الله، وكما قال تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾[الأنبياء:25 ]

﴿ أُمَّةً ﴾ حال ﴿واحِدَةً﴾ صفة لأمة.

﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا﴾ قال الحافظ ابن كثير :أَيِ الأمم الذين بعثت إِلَيْهِمُ الْأَنْبِيَاءُ.

﴿كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ قال الحافظ ابن كثير: أي يَفْرَحُونَ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.

 نستفيد من هذه الآية: التحذير من التفرق والتحزب، وأن كل حزب فرح بحزبه، ويرى أنه على حق وغيره على الباطل.

﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ أَيْ فِي غَيِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ.

﴿حَتَّى حِينٍ﴾ أَيْ إِلَى حِينِ حِينِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾[الطَّارِقِ: 17] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الْحِجْرِ: 3].

﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ﴾ قال الحافظ ابن كثير :يَعْنِي أَيَظَنُّ هَؤُلَاءِ الْمَغْرُورُونَ أَنَّ مَا نُعْطِيهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْنَا وَمَعَزَّتِهِمْ عِنْدَنَا؟ كَلَّا لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُونَ فِي قَوْلِهِمْ ﴿نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سَبَأٍ: 30] لَقَدْ أَخْطَئُوا فِي ذَلِكَ وَخَابَ رَجَاؤُهُمْ، بَلْ إِنَّمَا نَفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا وَإِنْظَارًا وَإِمْلَاءً، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.

نستفيد: أن المشركين يدَّعون أنهم أهل حظ ومكان، فما أعطاهم الله الأموال والأولاد إلا لكرامتهم ومكانتهم عند الله. وقد أبطل الله عَزَّ وَجَلَ دعواهم بقوله: ﴿بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.