جديد الرسائل

الأحد، 18 سبتمبر 2022

(17) أحكامُ المساجِد

 

حكم مكث الجنب والحائض في المسجد

اختلف أهل العلم في حكم المكث في المسجد للجنب، قال البغوي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح السنة»(2/45): وَلا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ، وَلا لِلْحَائِضِ الْمَكْثُ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ.

وكذا عزاه إلى الأكثر الشوكاني في «نيل الأوطار»(1/288).

ودليلهم في مسألة الجنب قول الله تَعَالَى: ﴿ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43]. والعابر قالوا: هو المار، فاستدلوا بالآية على أنه ليس للجنب المكث في المسجد، ومن باب أولى الحائض تُمنع من المكث في المسجد.

وكذلك استدلوا بحديث «أَلَا لَا يَحِلُّ هَذَا المَسجِدُ لِجُنُبٍ وَلَا لِحَائِضٍ» وفيه جسرة بنت دجاجة، وحديث أبي سعيد الخدري عند الترمذي(3727) أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَن يُجنِبَ فِي هَذَا المَسجِدِ غَيرِي وَغَيرُكَ» والحديث ضعيف فيه سالم بن أبي حفصة يرويه عن شيخه عطية بن سعد، وهما ضعيفان، هذا القول الأول.

وذهب الإمام أحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للجنب إذا توضأ المكوث في المسجد لا الحائض، ودليل هذا القول ما رواه سعيد بن منصور في «سننه»(646) عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ؛ إِذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلاةِ. والأثر ثابت، وهذا من فعل بعض الصحابة، ولا يدل على الوجوب.

وذهب داود بن علي الظاهري والمزني من تلاميذ الشافعي وغيرهما إلى جواز المكث في المسجد، وهذا القول الأخير هو الصواب؛ لما رواه البخاري (285ومسلم (371) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ»، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ».

ولأنه كان من الصحابة من ينام في المسجد، وعبدالله بن عمر يذكر هذا عن نفسه، قَالَ: كُنْتُ غُلامًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. الحديث. يعني: قبل أن يتزوج.

 والشاهد منه: أنه كان ينام في المسجد وقد يحتلم.

وأيضًا للبراءة الأصلية، فالأصل الجواز، والقول بالمنع يحتاج إلى دليل صحيح، وبجواز مكث الجنب والحائض في المسجد يقول والدي، وكذا الشيخ الألباني، أما مسألة مكث الحائض في المسجد ففي «الثمر المستطاب»(1/83وأما الجنب ففي «تمام المنة»(118).

أما قول الله تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43]. فالمراد ﴿ إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ المسافرون تصيبهم الجنابة، إذا سافروا ولم يجدوا ماء فيتيممون. يراجع «شرح السنة»(2/46) للبغوي رَحِمَهُ اللهُ.

ونذكر بعض الأدلة في جواز مكث الحائض في المسجد:

§     عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لها: «فَإِنَّ ذَلِكِ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» رواه البخاري (305ومسلم (1211). الشاهد: منعها صلى الله عليه وسلم من الطواف بالبيت، ولم يمنعها من المكث فيه.

§     وحديث المرأة التي كان لها خباء في المسجد رواه البخاري(439)عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ-أَوْ شَابًّا-فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عَنْهَا-أَوْ عَنْهُ-فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا-أَوْ أَمْرَهُ-فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا» رواه البخاري (1337ومسلم (956). ومعلوم من النساء أنهن يحضن، ولم ينبِّه النّبِيّ صلى الله عليه وسلم النساء أنه لا يجوز للحائض المكث في المسجد، فدل هذا على الجواز، والله أعلم، مع التحفُّظِ من تلويث المسجد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ